( 1891- 1934 )
إعداد/ ماجد كامل 
يعتبر المثال المصري محمود مختار ( 1891- 1934 )   واحدا من أهم رموز الفنون المصرية في مجال النحت ؛ - إن لك يكن أهمهم علي الإطلاق - فهو مبدع  تمثال نهضة مصر الذي يعتبر قمة من قمم الإبداع المصري الخالص ما زال قائما  أمام بوابة جامعة القاهرة يمثل رمز النهضة المصرية الحديثة والمعاصرة . أما عن محمود مختار نفسه  فهو وحسب كتاب كمال الملاخ " خمسون سنة  من الفن "  " ولد في 10  ما يو 1891 ببلدة نشا بمديرية الغربية ؛  وتألق وسط أقرانه في مدرسة الفنون الجميلة   حتي ارسل في بعثة الي باريس .... وكان لقاء مختار الأول  بباريس عام 1912 وظل هذا اللقاء متصلا ثمانية أعوام استكمل خلالها  تكوينه الفني بمدرسة الفنون الجميلة وبالمتاحف ومعارض الفن ووقف علي كل التيارت الفنية الحديثة ... واستطاع ان يظفر بالأولوية في مسابقة المدرسة  علي عدد كبير من شباب الفن في العالم وأن يعرض  في سنة 1912 تمثاله (عايدة ) الذي استوحاه من أوبرا فيردي ؛ فكان أول تمثال مصري يطرق معارض الفن في الخارج .. ولكن هذا النجاح أعقبته فترة من البؤس والحرمان حين قامت الحرب العظمي الأولي وقطعت عنه مكافأته ؛ حتي  اضطر الي إلي العمل كشيال في مصانع الذخيرة  ... ومضت الأيام الجافة القاتمة ؛ وفي أعقابها  أقبلت فترة من الرخاء فإن متحف جرفان استدعاه ليعينه مدير فنيا له مكان أستاذه " لابلان "  . ومكث مختار مديرا  للمتحف مدة عامين .... ثم بدأ يفكر في العودة إلي بلاده للمساهمة في إقامة دعائم الحركة الفنية وقيادة  الوعي الجديد  وإيقاظ البلاد ودفعها للتعبير  عن نهضتها .  وصمم علي صنع تمثال يجمع  هذه المعاني فلم يجد أروع  من تمثيل مصر الحديثة كفتاة معتمدة علي ماضيها المتجدد ممثلا في أبي الهول ..... ونفذ فكرته بمرسم بشارع فوجيرار ... وبدأ مختار يتجه الي عرض تمثاله بالمعرض الأول للفنانين الفرنسيين حين تفتح أبوابه بعد الحرب .... وأعد العدة لنحت نموذج منه من الرخام .... وقدمت  له لجنة الطلبة المصريين التي كانت تدعو للقضية المصرية المعونة المالية اللازمة ... وكان سعد زغلول حينئذ يزور باريس في وفد للدعوة لقضية مصر  ؛ فرأوا  في التمثال أروع  صورة للتعبير عن نهضة مصر وتمثالها  وقد فاز بالميدالية الذهبية  ... وشاعت أنباء هذا النصر في مصر .... وقامت دعوة  في البلاد لعودة فنان مصر الأول ليقيم تمثاله ..... وهجر باريس ليقوم بدوره في نهضة مصر .... وبدأت الصحف تدعو الي اكتتاب عام لإقامة التمثال في ميدان عام  ... وعرض نموذج التمثال بدار جريدة " الأخبار " التي كان يملكها المرحوم "  أمين الرافعي " واحتل تمثال نهضة مصر بتاريخه فترة من الحياة المصرية امتدت من سنة  1920 الي سنة 1928 – واقترنت بصراع بين القوي الشعبية يؤازرها المفكرون الذين آمنوا بفكرة التمثال وضرورة إقامته  وبين قوي الجمود والرجعية التي كانت تريد أن تعطل إقامة التمثال ... وكان لذلك كله ما يبرره فتمثال  نهضة مصر هو أول تمثال تقيمه مصر بعد الفراعنة .... وأول  تمثال يقام من الحجر الجرانيت الذي  لم يقم مثله بعد آخر فنان مصري قديم .... وهو أول تمثال مصري يعبر  عن فكرة ورمز بعد أن كانت التماثيل  وفقا علي الملوك والقادة    ..... 
 
ولكن بقدر ما أثار التمثال من حماس ؛ بقدر ما أثار من خلاف في  الرأي حول فكرته ودواعي إقامته وتنفيذه بينما ؛ فكان هناك فريق من الكتاب  مثل ( أمين الرافعي – مصطفي عبد الرازق – محمود عزمي – داود بركات ) يغمرهم الحماس لفكرة التمثال  ؛  فأن ( العقاد والمازني ) انتقدوا فكرته ودار بينهم وبين مختار مساجلات علي صفحات السياسة الأسبوعية يعد من أروع ما كتب في النقد الفني في ذلك الوقت .  وفي يوم 20 مايو 1928  أزيح التمثال عن نهضة مصر في احتفال رسمي كبير ..... ولم يحقق مختار  من أعماله غنما ماليا مقابل ابتكاره الفكرة الفنية للتمثال  ؛ إلا أن التقدير الأدبي أنساه ملكيته للتمثال وهو لديه قيمة المال . لذلك كتب تنازله عن حقه في المكافأة  المستحقة له مقابل ابتكاره الفكرة الفنية للتمثال .  ويذكر لمعي المطيعي (   1927- 2003    ) في  كتاب " نساء ورجال من مصر "  أن أمير الشعراء "  أحمد شوقي " (    1868- 1932 ) كتب قصيدة قال فيها :- 
من يبلغ الكرنك الأقصري              ويبني طيبة أطلالها . 
ويسمع بوادي الملوك               ملوك الديار وأقبالها . 
لقد بعث الله عهد الفنون           وأخرجت الأرض مثالها . 
( لمعي المطيعي :- نساء ورجال من مصر ، دار الشروق ، 2003  ، صفحة 802 ) .
 
وفي أواخر عام 1929 ؛ سافر مختار إلي باريس ... وأقام معرض معرضا يحوي نحو أربعين تمثالا في  أحدي القاعات  هناك ؛ وكان ذلك بتاريخ 30 مارس 1930 . واقتنت الحكومة الفرنسية  تمثال "عروس النيل " ووضعته في  أحدي المتاحف بقصر " التويللري " . 
 
ثم عاد مرة أخري إلي مصر ؛ ليقيم تمثال سعد زغلول   ؛ ووضع التمثال في الإسكندرية رمز لتحطيم القيود وجعل من انقباض يد سعد وصرامة  ملامحه ومن العزم الأكيد الذي  يبدو في خطواته رمزا لتجمع الأمة التي هبت  لتحطيم الأغلال .... ووضع حول التمثال لوحتان أحدهم تمثل هتاف الجماهير والثانية  تمثبل 13 نوفمبر  عيد الكفاح الوطني ضد المستعمر .... وفي المقدمة والخلف رمزان يمثلان الشمال والجنوب . 
 
وفي الأيام الأخيرة من حياته بدا يعاني من بعض الأمراض ؛ حيث أجريت له جراحة في خلال شهر يوليو 1933 أضنته كثيرا ؛  حتي توفي في 27 مارس 1934  ولم يتجاوز من العمر 43  عاما ؛ فقام رجال الفن والأدب في مصر بالدعوة إلي حفظ تراثه الفني وجمع شتاته .  فتشكلت جماعة " أصدقاء مختار " برئاسة المغفور لها "هدي شعراوي " وعضوية نخبة من صفوة العلماء والمفكرين والفنانين مصريين وأجانب ؛  وتواصلوا مع أسرة الفنان الكبير الذين أبدوا تفهما كبيرا فتنازلوا طواعية عن ثروته الفنية  التي خلفها في باريس الي الجمعية  لمعاونتها علي تحقيق أهدافها ؛ وأرسلت هدي شعراوي  خطاب شكر  إلي الأسرة ؛ وكان تاريخ الخطاب هو 22 يونيه 1935 . 
 
وفي خلال عام 1938 رأت وزارة المعارف أن تساهم في تكريم ذكري المثال المصري الراحل .... وتحققت الفكرة بالفعل بتاريخ 27 مارس 1952  في غرفة ملحقة بمتحف الفن الحديث ؛ ويضم المتحف 75 تمثالا من الحجر والبرونز الخام . 
 
وفي  عيد الثورة العاشر أفتتح متحف جديد بالجزيرة ؛ وتم نقل رفاته إلي المقبرة التي أعدت له بالمتحف  ووضع فوقها قناع من الجبس لوجهه ؛ أعده زميله الفنان " انطون حجار " . 
 
ولم تكتفي هدي شعراوي يذلك  ؛ بل قررت أن تقيم مسابقة  سنوية بين المثاليبن الشبان ؛ وتبرعت بقيمة الجوائز من مالها الخاص .  وفي خلال عام 1952  أعيد تشكيل جمعية " اصدقاء مختار " وتكون مجلس الإدارة من  حوالي 14 عضوا ( للتعرف علي الأسماء يمكن مراجعة   كتاب كمال الملاخ ؛ صفحة 21 ) . 
 
ويذكر موقع الفنون التشكيلية  بعض  الأعمال الفنية للمثال الكبير نذكر منها  علي سبيل العينة :- 
1-تمثال نهضة مصر . 
2-تمثالي سعد زغلول . 
3-مجموعة ( الفلاحة – الحزن – المتسول  - الأمومة – نحو الحبيب – مناجاة – العدالة – الإرادة – الخماسين ) . 
 
والجدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق والمؤرخ المعروف ( وهو يمت بصلة قرابة للمثال العظيم  ، حيث أن والده بدر الدين أبو غازي أبن شقيقة الفنان الكبير )  ؛ قد قام  بجمع أرشيف كامل عن الفنان العظيم .
 
وفي تصريح خاص  موقع الشرق ؛ نشر علي الموقع بتاريخ 18 مايو 2021  ، ذكر الدكتور عماد قصة  جمع هذا الأرشيف حيث قال " الأرشيف تم تجميعه من ثلاثة مصادر رئيسية هي :- 
1-ما  آل إلي الأسرة وحافظ عليه الفنان بدر الدين أبو غازي  . ثم أضاف عليه ما جمعه من أوراق وصور لدي أصدقاء مختار .
2-ما تجمع عند الفنان الراحل " علي كامل الديب " وكان يعمل " سكرتير جمعية أصدقاء مختار في مراحلها الأخيرة . 
3-ما أحتفظت به صديقته الفرنسية " مارسيل دوبري " من كتب ووأوراق أرسلتها إلي العائلة قبل وفاتها . 
أما عن المكتبة الخاصة للفنان الكبير ؛ فلقد تبقي منها حسب تصريح الدكتور عماد حوالي 600 كتاب  ، معظمها باللغة الفرنسية .
وتضم  مجموعة كبيرة من  أعمال الروائي الفرنسي الشهير " جي دي موباسان " ( 1850- 1893 )  ؛ والعديد من الكتب عن تاريخ الفن الغربي ، والموسوعات الفنية حول مختلف المدارس المختلفة ، وكتالوجات العديد من المعارض وتاريخ النحت ؛ خصوصا أعمال المثال الإيطالي العالمي " مايكل   أنجلو " (   1475- 1564     ) ثم مجموعة ضخمة من الكتب الخاصة بتاريخ مصر ؛ خصوصا الحقبة المصرية القديمة  ( الفرعونية )  .
 
كما  أرتبط مختار بصداقة خاصة مع المؤرخ الكبير الدكتور " محمد صبري السربوني " (  1894- 1978    )  خلال فترة إقامتهما في فرنسا ، لذا تضم المكتبة معظم كتب المؤرخ الكبير ،  منها كتابه الشهير "أدب وتاريخ "  كما كانا عضوين في جمعية دعيت " الجمعية المصرية بباريس " وهي أحدي جمعيات الطلبة التي  تشكلت في أوربا للدفاع عن القضية المصرية .
 
ولقد سجل المؤرخ الكببير كل ذكرياته مع المثال الكبير في مقال هام صدر في مجلة " المجلة "  عام 1962 ؛ حيث سجل فيه بعض قراءات المثال الكبير ؛ أظهر فيها أنه أظهر ولعا شديدا بشخصية " كليوباترا " (69 ق .م – 31 م    ) . 
 
وتوجد في المكتبة بعض كتب " عبد العزيز البشري " (  1889-  1943  ) منها كتاب "التربية الوطنية "  مذيلا بعبارة الإهداء التالية " إلي الأستاذ النابغة مفخرة وطنه صديقي محمود مختار ..... تذكرة مودة وصدق ولاء " .  ويضيف الدكتور عماد أن المكتبة تضم مجموعة مجلدات " السياسة الأسبوعية " التي يصدرها المفكر الكبير " محمد حسين هيكل " ( 1888- 1956 )     . 
 
وتضم المكتبة أيضا العديد من الأوراق والكتب  التي كتبت  عن " أوبرا عايدة "  التي كتبها الموسيقار الإيطالي " فيردي "   ( 1813- 1901 )     ) بناء علي  طلب الخديوي " إسماعيل " (   1830- 1895   ) وقدمت في حفل  افتتاح قناة السويس  في 16 نوفمبر 1869 .       
 
   . وتضم المكتبة أيضا مجموعة  كبيرة من الكتب حول الإسكندر الأكبر ( 356 ق .م – 323 ق .م )  .
 
أكثر من ذلك فقد خطط لنحت تمثال ضخم له يوضع في مدخل مدينة  الإسكندرية ، محاطا  بآلهة الإغريق وحوله تقام المدرجات والملاعب والقاعات . بهدف أن تلتقي  كل عام شعوب شعوب دول البحر المتوسط وتقام الاحتفالات وتلقي المحاضرات لتتهيأ مصر بدور ثقافي جديد . ولكن مع الأسف الشديد ظروف مرضه الأخير ، جعلته ينحي المشروع جانبا ، ليقرأ كتبا عن المرض والموت . 
 
(  لمراجعة الحوار يالكامل :- محمد شعير :-  جولة في أرشيف النحات المصري محمود مختار ، موقع الشرق ، 18 مايو 2021 ) . 
 
بعض مراجع ومصادر المقالة :- 
1-كمال الملاخ ورشدي اسكندر :-50 سنة  من الفن ؛ دار المعارف بمصر ؛ 1962 ؛   الصفحات من ( 15- 22 ) . 
2-آرثر جولد شميث ( الأبن ) :- قاموس تراجم مصر الحديثة  ؛ترجمة وتحقيق عبد الوهاب بكر  ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم  251 ؛ 2003 ؛  الصفحات من ( 659- 661 ) . 
3-لمعي المطيعي :- نساء ورجال من مصر ،دار الشروق ، الطبعة الأولي ، 2020 ؛ الصفحات من ( 798- 805 ) .
4-صلاح حسن رشيد :- قاموس الثقافة المصرية في العصر الحديث ( 1798- 2020 ) ، مكتبة الآداب ، 2020 ، صفحتي 549 و550 .
5- محمود مختار – السيرة الذاتية – قطاع الفنون التشكيلية .
6-محمد شعير :- في ذكري ميلاده .. جولة في أرشيف النحات محمود مختار ، موقع الشرق ، 18 مايو 2021 .