القمص يوحنا نصيف
    عاش أوريجينوس من عام 185م إلى حوالي عام 254م؛ وُلِد بمدينة الإسكندريّة لأسرة مسيحيّة، وتنيّح بمدينة صور.

    يعتبره معظم دارسو آباء الكنيسة أعظم معلّم وشارح للكتاب المقدّس في تاريخ المسيحيّة؛ وهو الذي تعلّم منه آباء الكنيسة العظام الذين أتوا بعده، مثل القدّيسِين: غريغوريوس الصانع العجائب (وهو كان تلميذًا مُباشرة له بعد أن آمَن بالمسيح على يديه)، وأثناسيوس الرسولي، وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس الناطق بالإلهيّات، وديديموس الضرير، وغريغوريوس النيصي، ويوحنّا ذهبي الفم، وكيرلّس السكندري..

    قام المُعَلِّم أوريجينوس بشرح معظم أسفار الكتاب المُقَدَّس؛ أمّا عن علاقته بسفر نشيد الأناشيد، فقد أنتَجَ فيما بين أعوام 240م و244م عملَيْن في غاية الجمال:

   * العمل الأول:
    هو تعليقات مطوّلة دسمة جدًّا عن هذا السِّفر في عشرة كتب، مع مقدّمة طويلة جدًّا؛ تَبَقَّى لنا الآن من كلّ هذا فقط المقدّمة مع أوّل ثلاثة كتب، في ترجمة لاتينيّة لروفينوس، وهو راهب لاتيني عاش فترة طويلة في أحد أديرة فلسطين في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس، وقد تَرْجَمَ لأوريجينوس العديد من كتاباته من اللغة اليونانيّة للّغة اللاتينيّة. وقد قام بترجمة هذه التعليقات على سفر نشيد الأناشيد حوالي عام 410م. وهذا العمل يُغطّي تقريبًا أوّل أصحاحين في السِّفر.

* العمل الثاني:
    هو عبارة عن عظتين أو مقالتين في شرح سِفر نشيد الأناشيد، كتب فيهما أوريجينوس باختصارٍ مُقَدِّمة لفَهمِ السِّفر، ثم شرَحَ الأصحاح الأول والأصحاح الثاني حتّى الآية 14، بأسلوب بسيط للمبتدئين؛ ويبدو أنّه كَتَبَ هاتين المقالتين بنفسه، بعكس التعليقات الموجودة في العمل الأول، والتي هي غالبًا عظات مطوّلة كان يُقَدِّمها في اجتماعاته، ويقوم بتدوينها بعضٌ من السامعين له. وهاتان المقالتان هما فقط اللتان اختار القدّيس جيروم ترجمتهما للاتينيّة حوالي عام 383م، ولكنّه تحدّث عن الكتب العشرة -كما سنرى- والتي تَحوِي التعليقات المُطَوَّلة، مُعتذِرًا عن عدم قدرته على ترجمتها لسبب حجمها الكبير. أيضًا هاتان المقالتان، يُمكِن أن يعملا كشرحٍ تمهيديّ قبل قراءة التعليقات الدسمة الموجودة في العمل الأوّل.

    في رسالة من القدّيس جيروم للبابا داماسوس بابا روما (366-384م)، يكتب له هذه المقدّمة، في صَدْرِ ترجمته للعظتين اللتين كتبهما أوريجينوس على سِفر نشيد الأناشيد، فيقول:

    [من جيروم إلى الكلّي الطوبَى البابا داماسوس:
    في حين أنّ أوريجينوس في كتبِهِ الأخرى تفوّق على جميع الكُتّاب، فإنّه في كتاباته عن سِفر "نشيد الأناشيد" قد تفوّق على نفسِهِ.

    ففي عشرة مجلّدات كاملة، تحتوي على ما يَقرُب من عشرين ألف سطر، فَسَّر أولاً النصّ بحسب النسخة السبعينيّة، وبعدها تلك (الترجمات) التي لأكويلا، وسيماخوس، وثيؤدوتيون، وأخيرًا بحسب نسخة خامسة، يقول لنا أنّه وجدها على الساحِل بالقرب من أكتيوم (مدينة في غرب بلاد اليونان).

    وشرْحُهُ هذا في غاية الروعة وغاية الوضوح، لدرجة أنّه يبدو لي أنّ الكلمات "أدخلَني المَلِكُ إلى حِجالِه" (نش2: 4)، وجدَت اكتمالَها فيه (في أوريجينوس).

    لقد تغاضَيتُ عن (ترجمة) هذا العَمَل، لأنّه كان سيحتاج للكثير جِدًّا من الوقت والتَّعَب والتكاليف المادّيّة لنقِل مثل هذا الموضوع الهائل إلى اللاتينيّة.

    الذي أقدِّمُهُ هنا هو ليس طعامًا (حرفيًّا: لحمًا) قويًّا؛ ولكن بدلاً من ذلك، قد قمتُ -بأمانةٍ عظيمةٍ فَضلاً عن الأناقةٍ- بترجمة هاتين المقالتَين، واللتَين وضعهما (أوريجينوس) للأطفال والرُّضَع، في الخطاب اليومي، من أجل أن أعطيك فقط عَيِّنَةً من تفكيرِهِ، لكي تتأمّل كيف أنّ أفكارَه العظيمة ينبغي أن تُبَجَّل بدرجة عالية، إذا كانت حتّى أفكاره الصغيرة تَمدَحُ نفسَها جِدًّا!

Origin – The Song of Songs, Commentary and Homilies – Page 265]

    بالطبع كان القدّيس جيروم يَعرِف اللغتَين اللاتينيّة واليونانيّة، وكان مترجِمًا ممتازًا، وقد ترجم إلى اللاتينيّة العديد من كتابات الآباء الشرقيّين، وبالذّات كتابات المعلّم العظيم أوريجينوس الذي كان يكتب باللغة اليونانيّة.

    الحقيقة إنّي أتعشّم أن تصُدر ترجمة كاملة رصينة للعَمَلَين معًا (التعليقات والمقالات) في كتابٍ واحدٍ باللغة العربيّة، مِن إحدى دور النشر المُهتَمَّة بالدراسات الآبائيّة، لكي يكون هذا الكنز الثمين في متناوَل كلّ أبناء الكنيسة.

ترجمة وتعليق
القمص يوحنا نصيف