بقلم الدكتور رؤوف هـنـدي                                                                                                                           

إذا تأمـلـنا عالم الـوجود منذ بدء الخليقة نجد أنرؤوفه محكوم بمجموعة من الـقوانين والـسُنن التي تـتحكم في مساره وتطوره الحضاريّ والإنسانيّ ويأتي في طليعة تلك القوانين السرمديّة قانون التغيير والمتغير.
 
 فليس هـناك ثابت في عالم الوجود بل المتغير هو الثابت الوحيد في الكون وكل شئ لمس عالم الوجود أو وطأت قدماه عالم الوجود له فترة صلاحية وزمنية ينتهي بعدها ويتلاشى ويصبح عديم الجدوى والتأثير كالدواء الذي له فترة زمنية محددة التأثير يصير بعدها تناوله خطرا وضررا فالخلود ليس من سمة عالم الـوجود وهـذه ركيزة هامة أخرى في قانون هذا الوجـود العـظيم لذا فالتغـيير والتجديد والتطوير هي دعائم أزلـية مـنذ نشأة الكون والثبات قاتل للتطور الإنساني وضد سُنن الحياة والطبيعة الإنسانية والحـضارية للأشـياء وإذا سلّمنا جدلا بأنَّ الأديان هي عـقيدة ثابتة بالمطلق لاتخضع لـقانون الوجود مع أنها في الأصل جاءت لأهل عالم الوجود وهي صالحة لكل زمان ومكان بما يخالف ويتعارض مع سريان حركة التاريخ والتـطور فإذا سلمنا مضطرين لذلك لذا فالدين يجب أن يظل في إطار الشأن الخاص للفرد ولايجب إقحامه في خضّم متغيرات الكون والحياة والتطور الإنساني بكل تـنوعه وتعـدده وحضاراته الثقافـية في شتى أركان الأرض وإلا سيكون الصدام مدويّا ومؤلما!
 
 فالعِلم مثلا هو الذي حمل البشرية من دياجير عصور الـظلام السحـيقة وانطلق بها نحوعوالم الرقيّ والتقدم المذهل ونظرياته تخضع للتبديل والتطويروالتغييروطموحاته لاحدود لها وأثاره تعبر الحدود والآفاق وينعم بها أهل عالم الوجود كله بغضّ النظرعن مسميات عقائدهم وأوطانهم فركيزة المتغير في العِلم بكل فلسفته وطموحاته بعيدة كل البعد عن ركيزة الثابت المطلق في الدين لذاففصل الثابت عن المتغيّرضرورة يجبرنا عليها قانون الوجود والكون الفسيح فكيف يجتمع الضدان !والـسياسـة لعبة مصالح ومتغيرات بين الدول بعضها البعض فهي فن الممكن وفن إدارة الصراعات والمصالح وبعيدة كل البعد عن الثابت المطلق للأديان وبما يجب أن تحمله من قيم روحيةوإنسانية لبناءجوهرالإنسان فكيف أيضا يجتمع الضدان!ومع بزوغ ثورة الاتصالات العلمية المذهلة والتي جعلتْ العالم قريةً واحدة مـتحدة ظهرَعـصر جديد بقيم ومبادئ ومتطلبات جديدةألا وهو عصر العولمة والذي فيه باتَ رأس المال العالمي التأثير جبروت يستطيع ان يؤلف التاريخ ويتحكم بمسار الثالوث الخطير(الدين والعلم والسياسة) والغرب أدرك واستوعـب ببراعة قانون المتغير الكوني واستطاع خلال معركة شرسة وقاسية بين أطراف الثالوث أن يـستخلص هويّة ومتطلبات العالم الجديد فقد فطنوا إلى أن صناعة الـمستقبل تبدأ قبل حدوثه وحـدث كل هذاونحن لاندري شيئا عن آليات ماحدث ولن ندري!وأستطيع القول أن المسيحية واليهودية استطاعا تسوية خلافتهما التاريخية مع العِلم وقبلا التعايش السلمي معاً كلٌ في إطـاره وخصائصه ودائرته وفصلوا تماما الثابـت عن المتغـيّر والنتيجة واضحة جليّة في شتى المناحي فأين هم وأين نحن.
 
 فهناك فروق تُقـدر بآلاف السنوات الضوئية!
 
 فلايزال هناك للأسف من يرمون بالعقل في جُب الخرافة والأساطير تحكمهم كتب ألموتي مـن ألف عام ويزيد ويصرون على الاصطدام بكل ماهوحضاريّ وعصريّ بدءً من الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان وحتى الاكتشافات العـلمية فهم غير قادرين على استيعاب وإدراك قانون المتغير الكوني فباتوا خارج دائرة الزمن الحقيقي بلاعنوان بلاهوية بلا جوهربلا مستقبل بلا ملامح تفكير! فالشأن العام للمجتمعات في العالم أجمع يحكمه قانون المتغـيّر بما يتناسب مع التطور الإنساني لتحقيق إزدهارالجنس الـبشري.
 
 وبما يتناغم مع قيم التعدد والتنوع الثقافي والعقائدي ضمن منظومة التسامح وقبول الآخر بين أعضاء الأسرة الإنسانية وأرجو ألا يُفهم من كلامي أنه دعوة لترك الأديان بالعكس تماما فالدين يجب أن يبقى مصدرا لبناء جوهر الإنسان وتحسين عموم الأخلاق وفي رأيي أن العِلم والدين كقيم وجوهر يمكنهما التعايش في إئـتلاف كل في إطاره وضمن خـصائصه وفي حدود دائـرته من أجل خدمة العالم الإنـساني وتحـقيق رفاهـيته وسلامه.