جمال رشدي يكتب
إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى ‏مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». ‏فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. ‏لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني». “(مت2: 13-‏‏14)‏.

في 1 يونيو من كل عام تحتفل الكنيسة المصرية بذكري تبارك ارض مصر بقدوم ‏العائلة المقدسة اليها، وفي ذلك المقال سنتناول تلك الذكري من زاوية غير تقليدية ‏عبر سؤال هام وهو لماذا اختارت السماء دولة مصر لتكون الأرض الذي تهرب ‏اليها العائلة المقدسة من بطش هيرودس الملك؟ ولم يتم اختيار مكان أو بلد اخري؟ بعيدا عن تنبؤات العهد القديم ‏والرموز الروحية لذلك الحدث العجيب في الأراضي المصرية لكن هناك أسباب ‏كثيرة للغاية لاختيار السماء لأرض مصر ‏.

أولا_ مصر قلب العالم ونقطة الارتكاز التي تمثل جغرافيته، والمدلول الروحي ‏ من تلك الزيارة هو أن المسيح جاء لكل الخليقة، ويتضح ذلك في اشعياء ‏النبي بالعهد القديم الذي قال وفى ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض ‏مصر” (أش١٩:١٩) وبالفعل يعتبر دير المحرق " درنكة " أسيوط من أهم ‏المحطات التي استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر هذا الدير باسم (دير العذراء ‏مريم) والمغارة التي سكنتها العائلة المقدسة هي أول كنيسة في مصر بل في ‏العالم كله.

ثانيا – من أسباب مجيء السيد المسيح للخليقة هو خلاص الإنسانية وإنقاذها من ‏الخطية واسترجاع الأنسان بمكونه الروحي الذي كان حاضر في شخصية ادم ‏وحواء قبل السقوط عن طريق مخطط إبليس، وبالنظر إلي التاريخ المصري القديم ‏نجد أن مصر كانت تكرم الأنسان وإنسانيته عن طريق الفلسفة الإنسانية والدينية ‏التي كانت تحكم المجتمع حينذاك، فمثلا قوانين ماعت ال 42 قانوناً، وهي تشير إلى الضوابط الأخلاقية العميقة في الدين ‏المصري القديم وعموم الحياة الاجتماعية، منها على سبيل الذكر وليس الحصر، أنا ‏لم ازني، أنا لم اسرق ارض احد، أنا لم اتهم احد زورا، أنا لم اشتم احد، أنا لم ‏أهدد السلام، فتعاليم ماعت أل 42 بداخلها كل الضوابط الروحية والأخلاقية والتي ‏ظهرت بوضوح في شريعة سيدنا موسي التي نزلت عليه في جبل سيناء، وأيضا في ‏موعظة السيد المسيح علي الجبل.، وهنا التلاقي الإنساني بين ما جاء به السيد ‏المسيح للخليقة وبين فلسفة الحياة المصرية القديمة.‏

‏3 – نزول أول شريعة للإنسانية من عند الله كانت على سيدنا موسي في جبل ‏سيناء، وذلك هو المكان الذي مر منه السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى الداخل ‏المصري وهنا الرمز الروحي على قول السيد المسيح متى 5 :17-19 »17«لاَ ‏تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. وهنا كمال ‏العمل الإلهي فكلمته التي القاها وكتبها سيدنا موسي كشريعة علي لوح حجري، في جبل ‏سيناء، تلك الكلمة تم تجسدها في شخص السيد المسيح لتكون ناطقة ظاهرة " ‏لحمية وليست حجرية" أيضا ظاهرة في سيناء وارض مصر.‏

‏4 - كانت مصر هي القلب النابض للعالم في جميع المجالات والعلوم وتوافر ‏لديها كل مقومات الحياة الصحية من غذاء وماء وصحة وهذا ما كان يحتاجه اهم ‏طفل جاء إلى العالم ليساهم في تكوين طفولته النفسية والصحية والأخلاقية، وهذا ‏ما حدث أيضا مع سيدنا موسي وقول الكتاب، فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، ‏وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ." (أع 7: 22)، هكذا كانت عظمة مصر ‏القديمة، والتي ظهرت أيضا في قول الكتاب، وَصَاهَرَ سُلَيْمَانُ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ، ‏وَأَخَذَ بِنْتَ فِرْعَوْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ بِنَاءَ بَيْتِهِ وَبَيْتِ الرَّبِّ ‏وَسُورِ أُورُشَلِيمَ حَوَالَيْهَا. الملوك الأول (3 :1)، فرغم ما كان يمتلكه سليمان ‏الحكيم من عظمة إلا لم تكتمل قوته إلا بعد أن صاهر فرعون مصر، ومن سليمان ‏وموسى إلي يوسف وأخير السيد المسيح، هكذا تكون مصر محبوبه عند الله.
نقلا عن جريدة الوفد