بقلم : الدكتور مجدى شحاته
يموج العالم هذه الآونة بكم هائل من الظواهروالمتغيرات الغير مسبوقة مابين غضب الطبيعة وليدة تغيرات مناخية شاردة جانحة ، منها الفيضانات والزلازل والبراكين وحرائق الغابات ، فضلا عن النزاعات الطائفية والصراعات المسلحة بين الدول الكبرى ناهيك عن جائحة كورونا . ولا عجب ولا غرابة !! لقد افسد الانسان صورته بالحرية التى منحها الله اياها بالاساس لينطلق بها الى محاكاة أصلها . لكنه انسان العصر الذى أساء الى صورته وهويته بحرية ارادته الغبية الحمقاء فابتعد عن الهدف الألهى حتى تاه وضل الطريق والدرب . لم يكن انسان العصر الرازح فى خطاياه بعيدا عن عين الله الساهرة فى اى زمان وقبل كل زمان ، يصيغ باتقان عجيب خطة خلاصه . تحنن الرب ورسم منهجا ليضيف الى صورته التى بدد انسان العصر ملامحها لمسة رائعة من لمسات الخالق المبدع ليعيد الانسان الى صوابه والى الصورة الاولى ويؤمنها الله بروحه من رجعة الفساد .

قمة وذروة لمسات الله لعودة انسان هذا العصرالى الدرب السليم . تتجلى فى وضع وصياغة راسخة لركائز الاخلاق للانسان المسيحى . تعتمد تلك الركائزعلى مدى الصلة او العلاقة بشخص السيد المسيح . تلك الركائز التى تتمثل فى الفضائل الثلاثة الكبرى التى كثيرا ما تكلم عنها معلمنا بولس الرسول ، وهى الايمان والرجاء والمحبة . الفضائل التى ترتبط بعضها البعض . الايمان ينتج عنه الرجاء، فالانسان الذى يؤمن بالله لابد أن يكون له رجاء فيه، والانسان الذى له رجاء فى الله لابد ان يحبه ، وبالتالى تكتمل قمة العلاقة بين الانسان والله من خلال تلك الفضائل الكبرى . الصلة الاساسية بالسيد المسيح تبدأ بالايمان الذى يمثل الحياة الجديدة للأنسان. " أما البار فبالايمان يحيا " ( عب 10: 38 ) . بمعنى ان يحيا الانسان فى المسيح من خلال الايمان . الايمان ليس مجرد اعتناق مجموعة من العقائد ، انما الايمان حياة نحياها او هو عقيدة تقود الى حياة . حياة الايمان هى تسليم للمشيئة الالهية فى ايمان كامل لذا تتسم حياة المؤمن  بالسلام والفرح والاطمئنان والهدوء وعدم الخوف ، معلمنا القديس بولس الرسول يقول لنا عن الايمان : " هو الثقة بما يرجى والايقان بامور لا ترى " ( عب 11 : 1 ) . من هنا نرى ان الايمان يرتفع فوق مستوى الحواس وهو قدرة أعلى من قدرة الحواس التى لها نطاق معين لا تتعداه، فالحواس المادية تدرك الماديات ، أما الامورغير المادية تخرج عن نطاق قدرة الحواس المادية .   

الرجاء احد الفضائل الثلاثة الكبرى، هذا الرجاء فى المفهوم المسيحى يختلف تماما عن اى رجاء اخر ترجوه اى نفس اخرى فى العالم . رجاء يتعلق ويرتبط بالمواعيد التى ربحها السيد المسيح له كل المجد لحساب البشرية . تتمثل تلك المواعيد فى 1. الحياة الابدية: التى يعتبرها معلمنا بولس الرسول كنز فى متناول يد المؤمن " امسك بالحياة الابدية التى اليها دُعيت " ( 1تى 6 : 12 ) . 2. الخلاص: والذى جعله الرب تابعا للرجاء " لأننا بالرجاء خلصنا " ( رو 8 : 24 ) . 3.القيامة من الاموات : كحياة نحياها الآن ومنتظر تكميلها بالمجئء الثانى . انه رجاء يختص بأمور روحية فائقة " لأن الذى وَعَد هو أمين " ( عب 10 : 23 ) . نعم رجاء القيامة من الموت ... فقيامة المسيح أول فعل الهى جديد يواجه الطبيعة البشرية . فالقيامة من الموت ليست من أفعال الطبيعة البشرية ، فالطبيعة البشرية تنتهى كل أفعالها بالموت ، أما المسيحية فهى البشارة بأول فعل حياة دائمة يغزو الطبيعة البشرية المائتة ليعطيها حياة جديدة الى الابد .  رجاء يمثل للانسان مصدر بهجة وفرح وسرور يفوق العقل والتصورلأنه يجعل الامور غير الموجودة وغير المنظورة كانها حاضرة . الرجاء اذن هو امر مهم فى حياة كل انسان مسيحى ، لانه لو فقدالرجاء فقد كل شئ ، لأن من يفقد الرجاء يقع فريسة لليأس و الكآبة والحزن وتنهار كل معنوياته وتبقى حياته خاوية بل هدف او معنى . الانسان المسيحى يجد اختبارا لفضيلة الرجاء فيه حينما يقع فى ضيقة أو تجارب صعبة او آلام قاسية او مشاكل عويصة ، ويكون لديه اليقين الكامل ان الرب عنده حلول كثيرة وان الرب قادم مهما بدا متمهلا لكنه قادم قادم . فالرجاء هو مبعث الفرح  فى القلب والطمئنينة فى الداخل والسلام فى النفس . لذا حياة الرجاء تتطلب ويلزمها الثقة فى الله وفى مواعيده وفى عمله ومحبته لك وللجميع وفى حكمته وتدبيره .

المحبة تسير مع الأيمان وتشتعل مع الرجاء . تم تسمو وحدها لتحلق فى أجواء الروح بلا عوائق " أما الآن فيثبت الايمان والرجاء والمحبة ، هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة . " ( 1 كو 13 : 13 ) . انها الفضيلة التى تتحكم وتربط وتترأس فوق جميع المواهب تلك هى فضيلة المحبة . " ان كنت اتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لى محبة فقد صرت نحاسا يطن أو صنجا يرن " ( 1 كو 13 : 1) . ان محبة السيد المسيح لنا هى منبع الاخلاق وسيدة السلوك وأصل كل صلاح وملهمة النسك والتقوى .. المحبة هى الناموس الجديد الذى يملى وصاياه فى قلوب المحبين . ان عمل النعمة بين الفضائل الثلاثة تعطى الانسان المسيحى قوة دافعة الى مستويات رائعة نحو الامام فى الحياة الروحية . والمحبة اذا دخلت قلب انسان تداعت كل الفضائل تأخذ منها وتعطيها . وبالتدقيق بشدة وعناية فى هذا المنهج الاخلاقى للانسان المسيحى يتأكد لنا ان الايمان وان كان الايمان هو المدخل الاساسى للحياة المسيحية والذى يمثل الرابطة الاساسية مع السيد المسيح الا اننا ندرك فى نفس الوقت أن الايمان حينما يتحد مع المحبة والرجاء تكتمل كافة عناصر القوى التى تسمو وترتقى بالانسان المسيحى الى آفاق روحانية تفوق كل تصور .