بقلم : الدكتور مجدى شحاته
عنصر اليورانيوم واحد من العناصر الكيماوية الموجودة فى الطبيعة . كثيرا ما نسمع ونقرأ عنه فى عالم الكمياء وتوليد الطاقة وصنع الاسلحة النووية . استخدم اليورانيوم  فى القرن التاسع عشر فى تلويين الزجاج والسيراميك والاوانى الزجاجية المزخرفة لاضافة الوان زاهية براقة . حتى تم اكتشاف الخصائص الاشعاعية  لذلك العنصر النادر . بعدها بدأ العلماء فى استخدام اليورانيوم لأغراض تتعلق بانتاج الطاقة النووية اذا تعرض لعملية التكرير أو التخصيب .  يستخدم اليورانيوم الذى تم تخصيبه بدرجة منخفضة ( 3.5 % ) فى مجال الطاقة النووية التجارية والصناعية . أما اليورانيوم شديد التخصيب والذى يصل نقائه الى ( 20 % ) يمكن استخدامه فى المفاعلات النووية البحثية . أما العنصر الذى تفوق درجة نقائه او تخصيبه الى ( 90 % ) فأكثر ، يتم استخدامه فى صنع الاسلحة النووية . ووفق تقارير دولية هناك تسعة دول تمتلك ما مجموعه تسعة آلاف سلاحا نوويا فاعلا ، منها 1800 سلاحا قابلا للتفعيل والاستخدام فى أى لحظة . ومن المعروف ان واشنطن وموسكو هما الاكثر تملكا من حيث كمية الاسلحة النووية
 
أنباء وتقارير تفيد بان ايران باتت تمتلك كميات كافية من اليورانيوم المخصب ، وتسير بخطى ثابتة  على درب تصنيع قنبلة نووية . لتصبح طهران وتصنيعها لسلاح نووى مسألة وقت قصير . وهو تطور غير مسبوق فى سيناريو السلاح النووى الايرانى . هناك تحديات سياسية صعبة قد تولدت وان السياسة الخارجية الايرانية اصبحت اكثر جراءة وعدوانية ، بعد ان صار لطهران القدرة على التلويح بالسلاح النووى فى وجه المجتمع الدولى . ان ما يحدث على أرض الواقع ، يمثل تغيرا كبيرا فى أوراق اللعبه مع تل أبيب فى الشأن النووى ، التى كثيرا ما هددت وتوعدت باتخاذ القرار منفردة وحدها لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية . فى نفس الوقت الذى تعارض فيه وبشكل قاطع الحل الدبلوماسى ، الذى يتمثل فى محاولة الرئيس الامريكى بايدن العودة الى الاتفاق النووى الايرانى المبرم مع مع طهران عام 2015. 
 
المشهد السياسى يؤكد ، ان قدرة تل ابيب على املاء سياساتها على واشنطن ،  قد تضاءلت بدرجة كبيرة على خلفية مواصلة واشنطن استخدام التصريحات الرمادية والعبارات الفضفاضة فى الملف النووى الايرانى . يظهر ذالك جليا من خلال لقاء جو بايدن مع نفتالى بينيت رئيس الوزراء الاسرائيلى السابق ، عندما صرح بايدن بانه اذا تم استنزاف جميع الحلول الدبلوماسية ، فان واشنطن ستدرس ( خيارات اخرى ) دون ذكر مزيد من التوضيح . وهذا ما أكد عليه وزير خارجيته انتونى بلينكن بأن ( كل الخيارات ) سيتم النظر فيها . 
 
التاريخ يشهد بان تل ابيب لها تجارب سابقة ساحقة ، بخصوص احباط أى محاولة لوجود قوة نووية فى المنطقة قد تستخدم ضد اسرائيل او تهدد امنها . فى 7 يونيو/ حزيران 1981 تعاملت تل ابيب بشكل احادى فردى ، حيث قامت قواتها الجوية بتدمير المفاعلين النوويين تموز 1 وتموز 2 فى منطقة ( التويثة ) التى تبعد 17 كيلو مترا عن العاصمة بغداد ، تدميرا كاملا ومقتل 10 عراقيين ومدنى فرنسى . التجربة الثانية  كانت  فى 6 سبتمبر/ ايلول 2007 عندما قامت ثمان طائرات ( اف-15 ، اف-16 ) بالقاء 17 طنا من المتفجدرات شديدة الانفجار على المفاعل النووى السورى فى ( دير الزور) ، دون ان يعرف السوريون ما الذى جرى ، وكيف تم ذلك ؟ وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق أيهود اولمرت قد توجه الى واشنطن قبل ضرب المفاعل للتشاور وتبادل الرأى ، فى ذات الوقت الذى كان لدى اولمرت القناعة الكاملة ، بان اسرائيل هى الوحيدة التى يتعين عليها القيام بهذه المهمة حتى لا يتم ( كسر / اضعاف ) حالة الردع الاسرائيلية فى الشرق الاوسط . فى نفس الوقت كان لدى الرئيس الامريكى حينها ، جورج بوش الابن،  قناعة كاملة بعدم ضرب المفاعل النووى السورى،  ولابد من تسوية الامر دبلوماسيا ، وبعث حينها وزيره خارجيته كونداليزا رايس لاقناع تل ابيب بعدم ضرب المفاعل السورى . وهنا قال لها اولمرت بكل وضوح : " اذا لم تقوموا انتم ( امريكا ) بنسف مفاعل دير الزور ، سنقوم نحن ( اسرائيل ) بالمهمة ولا حاجة للمسار الدبلوماسى " . والسؤال الذى يطرح نفسه اليوم وبالحاح بخصوص اسرائيل والملف الايرانى النووى : هل التاريخ يعيد نفسه ؟ أم هناك تغيرات تفرض نفسها على الساحة السياسية ؟