بقلم : الدكتور مجدى شحاته
الى اين يتجه العالم اليوم ؟ سؤال قديم متجدد ، يراود عقول كثير من البشر فى ظل غياب الاستقرار والطمأنينة وتفشى النزاعات المسلحة والتوتر الامنى فى بقاع مختلفة من أرجاء العالم . اشكالية تنوعت فيها الرؤى أمام عالم يعيش حالة من الارتباك الامنى والسياسى والاخلاقى والاقتصادى وربما يمتد الى كل مناحى الحياة .
 
اشكالية  تسببت فى ان لا أحد يعرف بعد الان ما الذى ينبغى ان يفكر فيه ، أو هى دعوة نحو هروب الجميع من مسؤولية التفكير، بعد ان يصبح التفكير العقلانى حول القضايا المصيرية التى يعيشها العالم بات أمرا  سخيفا يصعب او لا يستحق عناء التفكير مستسهلا الانسحاب من الواقع الى عالم التخيلات التى يمكن من خلالها تفسير الاخفاقات التى يعيشها العالم لتؤدى نحو مزيد من الحروب والدمار والخراب والارهاب والتطرف العالمى . وسط هذا اللغط و الارتباك العالمى يلوح فى الاذهان سؤال اخر ، السلام العالمى .. هل هو أمر ممكن سهل المنال ؟ لا شك انه سؤال يثير شجونا وهموما عند الكثيرين .
 
من منا لا يحلم بسلام يسود العالم ؟ من منا لا يمقت الحروب الطاحنة المستعرة التى يئن منها عالمنا اليوم هنا وهناك ؟ السلام أصبح كلمة عذبة رنانة تنشرح لها الافئدة باسرها ، بغض النظر عن الدين والمعتقد أو الايديولوجيه أو الجنسية أو المواطنة أو غيرها من مسميات أو تشبيهات اعتاد البشر على التسمى بها . فالسلام حلم الجميع وهو محط آمال الشعوب ، يبحثون عنه أينما كان .  
 
السلام لا يأتى من معالجة حالة وأهمال أخرى . ولا ياتى السلام بالقوة ، كما لا يأتى بالحرب . لا يعم السلام العالم الا بمنهج شامل لمعالجة كافة اسباب الصراعات السياسية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويبدأ مشروعه بالقاء بذرة الخير والحب والتسامح فى نفوس الافراد . ان التطلع الى السلام العالمى صار مطمحا وامنية لكافة الشعوب مع تنامى الحروب والنزاعات وانتشار التطرف والارهاب فى كثير من دول العالم . 
 
عندما نصلى الى الله من أجل سلام العالم لا نصلى من أجل ان يهدئ ويهدى من يعادينا ، بل قبل كل شيئ ينبغى ان نصلى من أجل هدوءنا وعدم التصعيد لمزيد من العنف . عندما نصلى من أجل حمايتنا من الارهابيين ، علينا أيضا ان نصلى من اجل التخلص من حماقاتنا وتعنتنا . عندما نصلى من اجل ان يتوقف جيراننا من العدوان علينا ، علينا ايضا ان نصلى بان نوقف عدواننا على جيراننا. عندما نصلى من أجل السلام فنحن لا نصلى من أجل استسلام خصومنا دون صراع رغم تهديدنا لهم .
 
بل ينبغى ان نصلى الى الله ان نرجع نحن والآخرين الى التعقل والحكمة ، وان نصلى من اجل ان يدرك الكل كيفية حل المشاكل والنزاعات بأفضل طرق الحوار السلمى بدلا من المضى الى طريق الانتحار الجماعى .اذا كان البشر حقا يريدون السلام ، وتضرعوا ذلك بصدق من خلال صلواتهم لله ، سوف يمنحهم الله أياه ، لكن لماذا يمنح الله العالم سلاما لا يرغبه العالم عن حق ؟ فالسلام الذى يتظاهر العالم بانه يرغب فيه هو ليس  سلاما على الاطلاق بل خدعة كبرى من صنع البشر .
 
قد يكون من المنطقى أن يصلى المريض من أجل الشفاء ثم يتناول الدواء ، لكننى لا أرى أى معنى على الاطلاق فى صلاة المريض طلبا للشفاء تم يشرب السم القاتل !! قبل أن نحب ما نعتقد انه سلام ، علينا ان نحب ونقبل الآخرين ما نعتقد انهم أعدائنا. بدلا من كراهية من نعتقد انهم السبب فى بث الحروب والضغائن ضدنا ، ينبغى ان نكره الحقد الذى بداخلنا ، وننزع الشهوات والاطماع من نفوسنا ومشاعرنا . اذ كنا نرغب فى السلام علينا ان نكره الظلم والجشع والطغيان والحقد والعدوان ، نكره كل ذلك فى ذواتنا وليس فى الآخرين فقط .
 
ان ما هو خطير وغير أخلاقى ، ليس فقط كراهيتنا لللآخر ، بل وأيضا وقبل كل شيئ كراهيتنا لانفسنا . تلك الكراهية العميقة والقوية لانفسنا لدرجة من الصعب مواجهتها بوعى . الامر الذى يجعلنا دائما ما نرى شرنا وحماقتنا فى الآخرين وغير قادرين على رؤيه ذلك الشر والحماقة فى أنفسنا، لاننا نميل دون وعى الى تخفيف عبئ الذنب الذى فينا عن طريق تصديره لللآخرين .