بقلم الباحث / نجاح بولس  

بعد إنتظار إمتد لعدة شهور بدأ مارثون الانتخابات البرلمانية وسط ترقب شديد من جميع القوى السياسية المشاركة فى المنافسة على مقاعد البرلمان التى يجرى عليها الاقتراع والبالغ عددها 568 مقعداً ، فقد انتهت منذ ايام قليلة إجراءات التصويت الخاصة بالجولة الاولى فى محافظات المرحلة الاولى التى شهدت نجاح امنى وتنظيمى وفشل سياسى فاق التوقعات تمثل فى عدم قدرة الأحزاب السياسية ومعهم المرشحين المستقلين ايضاً فى اقناع الناخبين وحشدهم الى صناديق الاقتراع التى لم تستقبل سوى نسبة ضعيفة لم تتعدى 26 % من اجمالى الناخبين المقيدين فى جداول الانتخاب .

فكان المشهد غير متوقع ولفت انظار المراقبين الدوليين وأزعج مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بدعم التجربة الديمقراطية فى مصر ، بسبب إنحصار وتدنى نسبة التصويت فى اول انتخابات برلمانية بعد ثورة 30 يونيو ، وبعد خمسة سنوات من الحراك السياسى إنتفض فيها الشعب المصرى عن بكرة ابيه لإستعادة سلطاته التى سبق وتخلى عنها طوعاً بتقديم استقالته عقب ثورة يونيو 1952 مخولاً المؤسسة العسكرية بإدارة شئونه ورسم مستقبل جيل من أبنائه لا ذنب لهم فيما اقترفه ابائهم من خطايا التسليم والانصياع والتبعية .

فجاءت انتفاضة الشعب فى 25 يناير ليسحب إستقالته ويسترد سلطاته ، فقرر إزاحة نظام جثى على صدره طيلة ثلاثة عقود ، فشهد الشارع المصرى تدفقات بشرية لم يسبق لها مثيل سواء للتظاهر فى ميادين الحرية او عبر صناديق الاقتراع التى شهدت بعضها نسبة اقبال تعدت 65 % من اجمالى الناخبين ، للمشاركة فى حماية الوطن واستعادة سلطات شعب تم اقصائه وتهميشه لمدة زادت على ستة عقود من الزمان .

فلما كانت باكورة إختياراته مخيبة لآماله ولا ترتقى لمستوى طموحاته ، استشعر الخطر فانزعج وهب خارجاً بالملايين لتصحيح المسار مستكملاً خياراته الديمقراطية ، فاستقر به الحال وإطمآن على ارضه وعرضه فى ايدً امينة ، وبدد خوفه وعرفت السكينة طريقاً الى قلبه بعد إرتجاف وتوتر طوال أربعة سنوات كاملة ، فعاد الى سكونه ونفض عنه إرتباكه وقلقه وتخلى تدريجياً وطوعاً عن بعض سلطاته واثقاً فى نتيجة اختياراته ، متكلاً على نفس المؤسسة العسكرية التى اختار قائدها ليكون قائداً لسفينة الوطن مفضلاً ان يعود لمقعده كأحد نزلائها دون عناء التفكير وتحمل مخاطر القيادة .

 

فكانت اولى النتائج نسبة التصويت المتخاذلة مخيبة للآمال ومعبرة عن سلبية باتت تتسلل الى نفوس المصريين ومحذرة لمخاطر استقالة ثانية للشعب المصرى فى أدراج نظام حكم جديد ينتظر استكمال أركانه ليقرها معلناً إنفراده بالسلطة متحصناً بتوكيل شعب تخلى مرة اخرى عن مجمل سلطاته معلنا إستقالته من ادارة شئونه ليعود مرة اخرى الى ثكناته منهمكاً فى همومه واوجاعه ، تاركاً مصيره يقرره له اخرون .