بقلم الباحث / نجاح بولس
إنتهى السباق الانتخابي لبرلمان 2015 تاركاً إشارات ودلالات مابين سلبية وإيجابية ، وبغض النظر عما شاب العملية الإنتخابية من مظاهر سلبية كان ابرزها إنحسار نسبة التصويت ، وظهور المال السياسي والرشوة الإنتخابية العلنية ، بالإضافة الى بعض الممارسات من جانب الأحزاب لاستقطاب المرشحين ذوي النفوذ الشعبي بينهم عدد كبير من فلول الحزب الوطني المنحل ، فضلاً عن التصويت الطائفى من الجانبين القبطى والاسلامى الذى ظهر فى بعض الدوائر  .

إلا أن هناك بعض الدلالات الإيجابية الأخرى أنارت المشهد السياسي في هذه التجربة الديمقراطية لأول مرة منذ عشرات السنين ، كان من ابرزها تصاعد التمثيل البرلماني للشباب والمرأة ، وإشارات أخرى تتعلق بإيجابية المشاركة السياسية للأقباط سواء من حيث الترشح أو نسبة التصويت ، بخلاف الإرتفاع النسبي الملحوظ في تمثيلهم تحت قبة البرلمان .

فبعد غياب التمثيل القبطي بالبرلمان عبر الإنتخاب الديمقراطي الحُرّ لمدة ستة عقود استحدثت فيها النظم الحاكمة مادة دستورية لتعيين عشرة أعضاء بالمجلس للتغلب على انحسار تمثيلهم عبر الإنتخاب الشعبي ، جاءت نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لتشير الى تصاعد ملحوظ لتمثيل الأقباط عبر صناديق الإنتخاب .

وأى من الباحثين المتابعين للعملية الإنتخابية الأخيرة لا يختلف على إيجابية المشاركة القبطية سواء من خلال عشرات المرشحين في جميع المحافظات ، أو التواجد الملحوظ في لجان التصويت ، والتي تعد إمتداد ونتيجة طبيعية لأكثر مكتسبات الأقباط السياسية من ثورة 25 يناير ، حين أفاق الأقباط من غفلتهم السياسية إثر صعود تيار الاسلام السياسي ، فخرجوا عن بكرة أبيهم لاول مرة يوم 19 مارس 2011 لرفض التعديلات الدستورية في ذلك الحين بعدما استشعروا الخطر يهدد الهوية المدنية لوطنهم ، وبعدها كانوا مشاركين بفاعلية في كل الفعاليات الإنتخابية التي تخللت هذه الفترة الى أن كان خروجهم الكثيف للمشاركة في ثورة 30 يونيو مؤثراً وفعالاً مع باقي شركائهم في الوطن .

أما من حيث نتائج المرشحين الأقباط في الإنتخابات الأخيرة فقد جاءت إيجابية بالقياس بجميع الإنتخابات السابقة على مدار 60 عاماً ، حيث استطاع نحو 42 مرشح قبطي الوصول الى جولة الإعادة ، منهم 22 مرشحاً في المرحلة الاولى ، و20 مرشحاً آخرين في المرحلة الثانية ، وكان ترتيب الغالبية العظمى منهم ضمن الثلاثة أو الأربعة مرشحين الأوائل الحائزين على أعلى الأصوات في الجولة الأولى ، إلا أن التصويت الطائفي في الكثير من الدوائر أدى الى تقهقر نتائجهم في جولة الإعادة ، وخصوصاً في محافظة المنيا التي وصل فيها عشرة مرشحين أقباط لجولة الإعادة لم ينجح منهم سوى مرشح واحد في دائرة بندر ملوي هو النائب شريف نادي والذي خاض جولة الإعادة أمام مرشح آخر قبطي على المقعد الوحيد بالدائرة .

وبخلاف حصول الأقباط على 24 مقعداً ضمن المقاعد المخصصة للقائمة ، فقد فاز على المقاعد الفردية 12 مرشحاً منهم ثلاثة مرشحين بالمرحلة الأولى ، و9 مرشحين آخرين بالمرحلة الثانية ، فاز 11 منهم من خلال جولة الإعادة بالإضافة الى مرشح واحد فقط حسم المنافسة لصالحه من الجولة الأولى وهو الدكتور سمير غطاس في دائرة مدينة نصر بشرق القاهرة ، ليصل عدد النواب الأقباط المنتخبين الى 36 نائباً من إجمالى عدد النواب المنتخبين بالبرلمان البالغ عددهم 555 بالإضافة الى 13 نائباً عن الدوائر الأربعة المتبقية ، ولا يغفل احداً ان غياب تيار الاسلام السياسى الداعم لجماعة الاخوان المسلمين بما لديه من خبرة ومهارة فى الحشد وخصوصاً فى حالة مواجهة المرشحين الاقباط كان من اهم أسباب خروج المرشحين الأقباط بهذه النتائج على المقاعد الفردية ، بالاضافة الى إنحسار نسبة التصويت الاجمالية التى أعطت وزن نسبى مرتفعاً لاصوات الاقباط وباقى الناخبين الداعمين للتيار الليبرالى .

ومن الظواهر الإيجابية في هذه النتائج أن العدد الأكبر ممن فازوا بالمقاعد الفردية من المرشحين الأقباط في دوائر لا تضم كتلاً تصويتية قبطية ، أبرزها دائرة عابدين وباب الشعرية التي فاز فيها النائب نبيل بولس ، ودائرة مصر القديمة والمنيل الذي فاز فيها النائب عصام فاروق ، ودائرة مدينة السلام والنهضة حيث فاز فيها النائب إيليا باسيلي ، كما فاز النائبان ثروت بخيت ويسري الأسيوطي في دائرة عين شمس التي تمثل معقلاً للطائفية بسبب تمركز جماعات الإخوان والسلفيين فيها .

وكانت نتيجة التصويت في دائرة منشية ناصر والجمالية الأكثر تعبيراً عن إنحسار الطائفية الدينية والتمييز ضد المرأة في المناطق الشعبية ، بعد فوز النائبة منى جاب الله بمقعد الدائرة التي تضم عدد كبير من الأحياء الشعبية والعشوائية ، في سابقة تعد الأولى لفوز سيدة قبطية على المقاعد الفردية في دائرة تنتشر فيها ثقافة تحمل تهميشاً واضحاً للمرأة والأقباط ، وكلها نتائج تحمل دلالات إيجابية على تغير مزاج الناخب وإنحيازه للمصلحة الوطنية ونبذ الطائفية .

  ورغم أن وصول 36 نائباً قبطياً منتخباً للبرلمان يعد الرقم الأكبر لعدد النواب الأقباط في تاريخ الحياة النيابية منذ نشوء أول مجلس نيابي في مصر خلال عهد الخديوي إسماعيل عام 1866 ، حيث كسر أعلى عدد لمقاعد البرلمان حصل عليها الأقباط من قبل وكان في برلمان 1942 الذي بلغ عدد النواب الأقباط فيه 27 نائباً من إجمالى مقاعد البرلمان البالغ عددها 264 مقعد .

إلا أن النسبة المئوية للنواب الأقباط في برلمان 2015 البالغ عددهم 36 نائباً لم تتجاوز نسبة 6% من إجمالى عدد نواب البرلمان المنتخبين البالغ عددهم 568 نائباً ، وبذلك لا يعتبر هذا التشكيل هو الأكبر من حيث نسبة تمثيل الأقباط في البرلمان ، حيث تجاوزت نسبتهم الى ما يزيد على 10% من إجمالي مقاعد البرلمان في فترة ما قبل ثورة 1952 والتي عرفها المؤرخين بالفترة الليبرالية حيث إرتبط تواجد الأقباط في الساحة السياسية بوجود حزب الوفد الذي كان يمثل نواة الحراك السياسي في هذه الفترة التي امتدت من عام 1919 حتى عام 1952 . 

وقد شهدت هذه الفترة عشرة إنتخابات برلمانية كان أولها في يناير 1924 وآخرها يناير 1950 ، حصل حزب الوفد على أغلبية في سبعة تشكيلات منها ، ولوحظ أن هناك علاقة طردية بين تمثيل الأقباط في مجلس النواب وحصول حزب الوفد على الأغلبية في المجلس ، حيث تلاحظ أن الإنتخابات التي كان يحصل فيها الوفد على أغلبية مرتفعة (بإستثناء إنتخابات 1950 ) كان يصل فيها عدد الأقباط أكثر ما يكون بنسبة تتراوح بين 8 % الى 10.5 % من إجمالي عدد النواب .

إلا أنه قد تقلص دور الأقباط في الحياة العامة بعد ثورة 1952 ، وتقلص ايضاً مشاركتهم في الحياة النيابية بل أصبح إنتخاب مرشح قبطي في البرلمان شئ شبه مستحيل مما دفع النظام الى إبتداع طريقة جديدة وهى تعيين بعض الأقباط نواب بالبرلمان الذي من المفترض أن يكون التمثيل لكل أعضائه بالإنتخاب الحر ، فطوال ستة عقود متتالية هى فترة حكم عبد الناصر والسادات ومبارك كان أكبر عدد للنواب المنتخبين داخل البرلمان هو 6 نواب من إجمالي عدد النواب البالغين 458 في إنتخابات 1987 بنسبة حوالي 1% ، فيما كانت أعلى نسبة لتمثيل الأقباط في البرلمان خلال هذه الفترة بعد إضافة المعينين كانت في عهد السادات عام 1979 حيث فاز 4 نواب أقباط بالإنتخاب وعين السادات 10 آخرين ليصبح إجمالي عدد النواب الأقباط 14 نائباً من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 360 نائباً بنسبة 3,8 % .

الى ان جاءت إنتخابات برلمان  2012 بعد ثورة 25 يناير شارك فيها الاقباط بكثافة تصويتية ساهمت بدرجة عالية فى حصول التيار المدنى على نسبة 22% من اجمالى مقاعد البرلمان كان اغلبهم من القوائم النسبية ، الا إن وضع المرشحين الاقباط فى ترتيب متأخر بالقوائم التى اعدتها الاحزاب المدنية لم ينتج عنه سوى فوز سبعة نواب اقباط بالإنتخاب بالاضافة الى خمسة نواب قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيينهم ليصل عدد النواب الاقباط فى برلمان 2012 الى 12 نائب من اجمالى مقاعد البرلمان البالغ عددها 508 بنسبة لم تتعدى 2% .