«وظل عقل مصطفى يتأرجح بين شيخه وأستاذه، فيصدق الأول تارة، والثانى تارة أخرى.. لكن الصدمة التى أصابت مصطفى وجميع الحاضرين للمناظرة بالذهول جاءت عندما استشهد الدكتور بسيونى بمقولة الفيلسوف الألمانى الشهير نيتشه أن (الإله قد مات)... لم يجد أحد تفسيرًا لهذه الكلمات الثلاث الرهيبة التى كانت بمثابة قنبلة انفجرت فى عقول كل من سمعها وأثارت البلبلة فى نفوس الجميع... فما هو معناها ؟».. هذا المقطع من رواية «الشيخ والفيلسوف»، الصادرة حديثًا عن دار الياسمين للنشر والتوزيع للكاتب الصحفى والإعلامى شريف الشوباشى، والتى أثارت من الجدل الكثير فور صدورها لما تطرحه من تساؤلات حول قضايا جوهرية مثل الفضيلة والرزيلة فى مجتمعنا المصرى؛ وهى تساؤلات لا تزال تؤرق شريف الشوباشى ويقدمها بصّيغ مختلفة فى أعماله ما بين الرواية والكتاب؛ وذلك منذ صدور مجموعته القصصية «الشيخ عبدالله» عام 1994 وحتى صدور روايته الجديدة عام 2024 أى بعد ثلاثين عامًا من مجموعته القصصية التى اشتبكت نصوصها مع ثنائية الفضيلة والرذيلة.. فى هذا العدد من «حرف» يتحدث لنا شريف الشوباشى عن روايته الجديدة.

■ بداية صدر لك حديثًا رواية «الشيخ والفيلسوف» وهى تتطرق لقضايا جوهرية مثل الفضيلة والرذيلة.. فى تصورك هل لا تزال هذه القضايا تحتاج لمناقشة فى مصر والوطن العربى؟

- بالتأكيد هذه القضايا تحتاج إلى النقاش والجدل والتطوير فى أى مجتمع من المجتمعات فما بالك بالمجتمعات العربية، ومصر التى تواجه تحديات متعددة، وتواجه تيارات متطرفة فكريًا ودينيًا، وتمر بمرحلة دقيقة للبحث عن إجابات وجودية قد لا يدركها المجتمع؛ لكنها تفرض نفسها عليه.

إن الإجابة نعم، نحن فى حاجة لإعادة النظر فى مثل هذه القضايا دائمًا لأن من ركائز المجتمع أنه فى حالة تغير مستمر وتطور مستمر اجتماعى واقتصادى وفكرى؛ وبالتالى فهذا الكتاب الرواية محاولة لطرح هذه القضايا بمفاهيم جديدة.

■ الرواية تشتبك مع قضية تجديد الخطاب الدينى فى مصر.. هل لا يزال الخطاب الدينى يحتاج لتجديد وتأويل مغاير عن التأويل التراثى؟

- الآن من الأصلح أن نقول- إعادة النظر فى الموروث الدينى- الذى يحاول أن يفسر القرآن والسنة، لأن موقفنا طوال القرون الماضية هو التسليم بكل ما قاله السلف الصالح وكانت العقلية المهيمنة تقديس هذا الموروث وعدم مناقشته، حتى وإن كان يتناقض مع العقل ومع العلم ومع الفكر ومع المنطق.

وما أطرحه أنه يجب إعادة النظر فى كل هذا الموروث من خلال الفلسفة والعلوم باستخدام المنطق والتجربة.

■ قلت إنك تتمنى أن يتعامل الأزهر مع روايتك الجديدة بتعقل.. لماذا الأزهر؟

- لم أستهدف أحدًا.. وقلت إن ردود أفعال الشيوخ على روايتى سيكون لها دور كبير فى رد فعل الجمهور أو القراء هذا ما قلته.

عادة وللأسف الشديد دأب الشيوخ على رفض كل ما هو خارج عن الموروث، ورفض أى إعادة نظر فى هذا الموروث وتقديس الأفكار وعدم المساس بأى شىء؛ فهذا الكتاب من خلال شخصية الفيلسوف وما يقوله يطالب بأن نتحرر من الموروث الدينى الذى تركه شيوخ وعلماء هم بشر، أفكارهم قابلة للصواب وللخطأ.

■ قلت انك استوحيت فكرة الرواية من حوارات أفلاطون التى تقوم على التناقض.. نريد أن نتعرف على تفاصيل ذلك؟

- ما قصدته أن هناك منهجين للتفكير؛ الأول أن هناك حقائق مطلقة لا تقبل التناقض ولا تقبل التفكير ولا تقبل النزاع الفكرى، وهناك منهج آخر للتفكير يعيد النظر فى الموروث ويرى أن المجتمع، حينما يتطور بمعنى أننا الآن أصبحنا نركب السيارة ونشاهد التليفزيون.. وهذا التطور المادى القائم على العلم يستتبعه تطور فكرى وروحانى ومنطقى، وهذا ما ينبذه الشيوخ للأسف الشديد.

■ ألا يخشى شريف الشوباشى أن تلاقى روايتك أو حتى أنت مصير رواية نجيب محفوظ أو سلمان رشدى؟

- أنا لم أكتب أى شىء ضد الدين، ثانيًا إن الظروف الآن تغيرت من عهد نجيب محفوظ وسلمان رشدى، والناس أصبحت تتقبل أكثر الأفكار الجديدة، وأصبحت لا تثق ثقة عمياء فى الشيوخ الحاليين.

■ فى أعمالك الأدبية التى صدرت من قبل مثل مجموعتك «الشيح عبدالله» وكتابك «تحطيم الأصنام» صرخة غاضبة لتخليص العقل العربى من هيمنة الأصنام الفكرية الجاثمة عليه بأفكارها البالية منذ قرون.. هل ما زلنا فى حاجة لتفسير ظاهرة تأخر العقل العربى؟

- بالطبع؛ لأن المنهج الرافض للتطوير والمنهج المتمسك بالتقاليد بحذافيرها لا يزال مهيمنًا ومسيطرًا على المجتمع، فلا بد من انتفاضة فكرية ومعنوية وعقلانية حتى نرى العالم من خلال التطور العظيم الذى حدث فى مصر والمجتمعات الأخرى خلال القرن الأخير.

■ فى عام ٢٠١٥ دعوت لمليونية خلع الحجاب فى «ميدان التحرير».. هل لا تزال الدعوة قائمة متجددة لدى شريف الشوباشى؟

- لم أقل مليونية، ولكن طالبت بخلع الحجاب لمن ترتديه قسرًا وقهرًا وقمعًا وخوفًا من والدها أو من أخيها أو من جيرانها من المجتمع.. وأنه بالتأكيد لا يزال هناك ملايين الفتيات يرغبن فى خلع الحجاب وأنا أتحدث كثيرًا مع فتيات وسيدات ولكن لا يجرؤن على خلع الحجاب طالما هناك هذا الخلل المجتمعى الرهيب؛ فإن هناك خللًا فى حقوق المرأة.

شريف الشوباشى تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وروايتك عن طالب بكلية الآداب قسم الفلسفة.. هل مجتمعنا فى حاجة لإحياء وتجديد الفلسفة؟

- بالطبع؛ لأن الفلسفة تشهد الآن محنة فى العالم كله وفى حاجة إلى تجديد، وأنا آخذ من الفلسفة المنهج.

شريف الشوباشى كاتب تنويرى.. لماذا فى رأيك هناك انفصال بين الشارع وخطاب الكتاب التنويريين فى مجتمعنا المصرى؟

- تفسيرى أن هذا أمر طبيعى جدًا؛ لأنه عندما يقف مفكر تنويرى وشيخ من شيوخ الأزهر فإن الجمهور أو غالبية الناس ستميل إلى شيخ الأزهر فكريًا؛ لأنه بالنسبة لهم يمثل الدين، وهم يخشون يوم الحساب، إنما التنويرى «مش هينفعهم فى حاجة»؛ فهذا أمر طبيعى.

وحدث فى أوروبا فى عصر النهضة الأوروبية والتنوير كان هناك كبار الكتاب التنويريين مثل روسو وفولتير يواجهان غضب الجماهير فى فرنسا وانجلترا وإيطاليا، وغيرها.

■ ماذا بعد روايتك «الشيخ والفيلسوف» من أعمال أدبية أو مؤلفات؟

- العمل القادم سيكون عملًا روائيًا؛ حيث استقريت على فكرتها التى تتشابه مع رواية «الشيخ والفيلسوف» وتطرح أفكارًا فلسفية عميقة.

نقلا عن الدستور