د. نادر نور الدين محمد
مع انفجار بركانين فى كل من إسبانيا وإيطاليا، دخل على الخط أهل التصريحات بغير علم، ليحذروا المصريين من قرب وصول غازات أكاسيد الكبريت إلى مجالنا الجوى ومدى أضرارها على مصر، خاصة إذا هطلت الأمطار وأذابت هذه الغازات بها وسقطت علينا أمطار حامضية تضر كل شىء، على الرغم من بُعد بركان إسبانيا، كما أن بركان إيطاليا ليس بالقريب المخيف، وأن أغلب الرياح شمال البحر المتوسط تتجه شمالا، فتخلط غازات الهواء سواء من البراكين أو من الصناعة بأمطار أوروبا الغزيرة فتسقط أمطار حامضية على أراضى شمال أوروبا وشمال العالم فتزيد الأضرار.

ولإيضاح الأمر، فإن الأمطار الغزيرة على امتداد العام فى دول الشمال الأوروبى واليابان وكوريا ودول القطب الشمالى السويد والنرويج، فإن هذه الأمطار تقوم بغسيل كل العناصر والمعادن من التربة مثل الكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم وجميع الستة عشر عنصرا غذائيا اللازمة للنبات، وبالتالى لا يتبقى فى الترب الزراعية إلا أيون الهيدروجين من مياه الأمطار، وهو المكون الرئيسى لكل الأحماض، فتتحول هذه الترب فى شمال العالم إلى ترب حمضية تتطلب إضافة الجير وبعض محسنات التربة الأخرى للتعامل مع هذا الهيدروجين وتقليل حموضة التربة، فتجعلها أكثر صلاحية للزراعة.

هناك أيضا تساقط أوراق الأشجار فى كل دول شمال العالم، والتى مع انخفاض درجة الحرارة وارتفاع معدلات الأمطار، فإن هذه الأوراق تتخمر ولا تتحلل بسبب انخفاض درجة الحرارة، منتجة كميات كبيرة من الأحماض العضوية التى تزيد من حموضة التربة أو تتحول إلى أراضى مستنقعات نسميها أراضى «البيت»، والتى نستورد منها البيتموس لنضيفه إلى تربنا للاستفادة من حامضيته فى بلادنا الجافة، وبالتالى فإن أراضى دول شمال العالم لديها ترب حمضية فعلا، بسبب وفرة الأمطار ثم أحماض إضافية من بطء تحلل أوراق الأشجار المتساقطة فى الشتاء، ولتخمر هذه الأوراق وتُحدِث التأثير المزدوج لتزيد من حموضة الترب الزراعية.

ولأن الرياح فى شمال المتوسط وما فى مستواها من خطوط العرض تتحرك شمالا حاملة معها غازات الصناعة والزراعة ومختلف الأنشطة الحياتية، بالإضافة إلى وجود أكاسيد النتروجين والكبريت والكلوريد والفوسفور طبيعيا فى الهواء الجوى ومعها غاز الهيدروجين وجميعها تكون أحماضا عندما تذوب فى الأمطار، فإن هذه الدول تتضرر من الأمطار الحامضية التى تسقط على أراضيها الحامضية، فتعمل على زيادة تدهور هذه الترب وحاجتها إلى استمرار إضافة الجير لها بكميات مضاعفة لمعادلة التأثير الحمضى للتربة والأمطار فى عملية يطلق عليها «liming أو التجيير».

فى أراضى المناطق الحارة الجافة غير الاستوائية مثل مصر، فإن الأمر يسير على العكس تماما، حيث البخر مرتفع ويتجاوز عشرات ومئات المرات قدر الأمطار، حيث يسقط على مصر على سبيل المثال 20 ملليمترًا من الأمطار سنويا كمتوسط عام ولكن يتبخر منها 2000 ملليمتر، أى أكثر من مائة ضعف كمية الأمطار، ولذلك يطلق علينا اسم «المناطق الجافة وشديدة الجفاف».. هذه الحرارة المرتفعة تزيد من معدلات التبخير، وتتسبب فى تراكم الأملاح الضارة بكميات كبيرة على سطح وداخل الترب الزراعية.

وأيضا تراكم الجير والجبس بما يحوّل التربة إلى الظروف القلوية والجيرية التى هى عكس الحامضية، فيرتفع رقم القلوية كثيرا أعلى من رقم التعادل، بما يتسبب فى عدم صلاحية وترسيب العديد من العناصر الغذائية اللازمة لحياة النبات، ويحتاج الأمر كثيرا إلى إضافة الأحماض أو المواد التى تنتج أحماضا إلى تربتنا الزراعية فى المنطقة العربية وشمال إفريقيا والجنوب الأمريكى، وما يساويها فى خطوط العرض للمناخ الحار الجاف لمحاولة زيادة ذوبان الجير والجبس، وإعادة إذابة العناصر الغذائية النباتية حتى تتيسر لحياة النبات وتوفر الكثير من الأسمدة.. أى أن الأمر أنهم فى الشمال يضيفون الجير للترب الزراعية لتحسينها، بينما نحن فى الشرق الأوسط والمناطق الجافة الحارة نتخلص من الجير لتحسين التربة، بل إنه فى المناطق الحارة الجافة تتكون الأراضى الجيرية الخالصة التى لا نستطيع معها التخلص من الجير، لأنه يكوّن جسم التربة نفسها.

وأغلب أراضينا الشمالية الغربية وشمال الصحراء الغربية فى أراضى الساحل الشمالى الغربى حتى مطروح والسلوم والهضبة الليبية على الحدود الغربية هى أراضٍ تعانى من تراكم الجير بسبب مناخنا الحار الجاف، والذى نتمنى له أن تنزل عليه الأحماض من السماء سواء لإذابة الجير والأملاح والجبس أو لزيادة ذوبان العناصر المغذية للنباتات فى الترب الزراعية والتى تترسب فى المناخ الحار الجاف وأيضا عند ارتفاع القلوية.

فالأمر أننا نتمنى أمطارا حامضية تسقط على أراضينا الزراعية وصحارينا لتحسن خواصها القلوية وتعيدها إلى التعادل، وتجعل العناصر المغذية فى التربة ذائبة وأكثر صلاحية لامتصاص النباتات لها، وتوفر علينا كميات هائلة من الأسمدة نضيفها لأراضينا الزراعية، لتعويض ترسيب هذه المغذيات بسبب المناخ الحار الجاف، وتقوم بغسيل ما نعانى من مختلف تراكمات الأملاح غير الذائبة والتى تذوب فى الأحماض.

هذا الهلع الذى خلقه غير المتخصصين والمولعين بالإعلام للتحذير من الأمطار الحامضية بسبب عدم درايتهم بالأمور الزراعية وأحوال الترب الزراعية القلوية فى مصر، والتى تحتاج إلى أحماض أو أمطار حمضية نتمناها لتحسين أحوال أراضينا الزراعية وزيادة إنتاجها من الغذاء ومن مختلف المنتجات الزراعية. الأمطار الحامضية خير على أراضى مصر الزراعية وصحاريها.

ملحوظة: هل سيتحمل الفقراء وحدهم تداعيات التضخم العالمى وارتفاع الأسعار، أم ستقف معهم الحكومات وتزيد من مبالغ دعم الغذاء لملاحقة ارتفاع أسعاره بدلا من قيام الحكومات برفع الأسعار وتخفيض دعم الغذاء فى هذه الظروف الصعبة؟!.
nadernour@hotmail.com

* أستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة