نادر نور الدين محمد
تَعتبر منظمة الأغذية والزراعة أن التربة الزراعية هى مرادف لكلمة «الغذاء»؛ أى أنه بدون الترب الزراعية لا يوجد غذاء، وبالتالى فإن تدهور إنتاجية الأراضى الزراعية مُضر بالبشرية، سواء بأخطاء بشرية أو عوامل مناخية، مثل انجرافها بالماء أو الرياح، وهما يمثلان 84% من أسباب تدهور إنتاجية الأراضى الزراعية فى العالم، أو تملحها بسبب استخدام مياه رى مالحة أو نشع مياه البحار على الأراضى الزراعية، وكذلك تلوثها أو غياب وانقطاع المياه والأمطار عنها.. وأخيرًا، بسبب نضوب العناصر الغذائية من التربة، خاصة فى المزارع الصغيرة، التى يعانى أصحابها من الفقر بما يجعلهم غير قادرين على شراء الأسمدة لأراضيهم لتعويض ما أخذته زراعتهم من خصوبة التربة، فتنضب العناصر الغذائية ولا تجد النباتات ما تتغذى عليه.. لذلك استخدمت المنظمة العالمية كلمة «صحة الأرض الزراعية Soil Health»، حيث تعبر الصحة عن كل شىء فى الأرض الزراعية، من إنتاجية وخصوبة وثبات.. وغيرها، وأصبحت تطلق على متخصص الأراضى الزراعية لقب «طبيب الأرض Soil Doctor»، الذى يتابع حالاتها الصحية، شأنها شأن الإنسان الصحيح القادر على العمل وعلى الإنتاج.. وغالبا ما يكون للتدهور علاج عن طريق استصلاح الأراضى، تعود بعده الأرض إلى كامل إنتاجيتها.

إهمال تدهور الأراضى الزراعية قد يأخذنا إلى فقدان الأرض الزراعية وإلى الأبد، وأن تصبح غير منتجة للغذاء، شأنها شأن الصحراء، وهو ما أطلق عليه لقب «التصحر» المشتقة من الصحراء Desertification from Desert؛ أى انضمام الأراضى الزراعية للصحراء وليس زحف الصحراء على الأراضى الزراعية.

و«التصحر» لقب خاص بالأراضى الزراعية وحدها، وقد يحدث بسبب توالى تدهور الأرض الزراعية حتى يصبح استصلاحها واستعادتها مستحيلة أو غير اقتصادية؛ أى يتكلف استصلاحها مبالغ تفوق سعرها أو سعر الأراضى المماثلة، أو لا يغطى عائد إنتاجها تكاليف الاستصلاح على المدى المقبول.. فلا استصلاح بأى ثمن.

وقد يحدث التصحر مباشرة دون المرور بالتدهور، مثل غمر المياه المالحة للترب الزراعية بزلزال بحرى، ثم عدم انحسارها مرة أخرى، أو البناء على الأرض الزراعية، أو نضوب مياه الآبار التى ترويها، أو حلول الجفاف والقحط بانقطاع الأمطار لسنوات طويلة، أو تراجع تدفقات الأنهار عن معدلاتها واستمرار ذلك، فمن المعلوم أن 80% من زراعات العالم هى زراعات على الأمطار، وأن 20% فقط هى زراعات مروية فى المناطق الجافة قليلة الأمطار والتى بها أنهار أو مياه جوفية، مثل: مصر ودول المناطق الجافة.

ترى منظمة الأغذية والزراعة أن عدد سكان العالم سيصل إلى 9 مليارات نسمة بدلا من 8 مليارات حاليًّا، وكان 7 مليارات عام 2000، وأن هذا الأمر يتطلب زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 60%، ولكن من 30% فقط زيادة فى المياه، لأننا نستهلك حاليا 70% من مياه العالم وغير متاح لزيادة الإنتاج إلا 30% فقط، كما سيحتاج العالم إلى 50% زيادة فى إنتاج الطاقة، وهى تمثل 30% من مكونات الإنتاج الزراعى فى الحرث والزراعة والحصاد والرى وإنتاج الأسمدة والمبيدات ومنظمات النمو والتبريد والتسخين والتصنيع الزراعى.. وغيرها. فالعالم يزرع الآن نحو 1500 مليون هكتار (نحو 3600 مليون فدان)، منها 300 مليون هكتار بالرى، وبالتالى فإن العالم غير قادر على إنتاج المزيد من الغذاء إلا على قدر المياه المتوفرة مستقبلا للزراعة، وأن شعار العالم حاليا هو «إنتاج غذاء أكثر من مياه أقل»؛ أى استخدام أصناف عالية الإنتاجية فى مختلف صنوف الغذاء، وهذه الأصناف سوف تأكل غذاءً أكثر من الترب الزراعية، وعلينا ملاحقتها بإضافة المزيد من الأسمدة الكيميائية وإلا سيؤدى نضوب العناصر الغذائية من التربة إلى تصحرها، ومن هنا كان علينا التوسع فى إنتاج الأسمدة مستقبلا لملاحقة زيادة إنتاج الغذاء، سواء من نفس الحقل أو بالتوسع الزراعى.

تبقى أن أشير إلى أمر مهم، وهو أن الحد الأدنى لنصيب الفرد من المياه والمحدد من الأمم المتحدة بألا يقل عن ألف متر مكعب للفرد فى السنة فى مختلف مجالات حياته فى الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلى والحفاظ على البيئة هو فقط متوسط احتياجات الفرد فى الدول المتقدمة والنامية والفقيرة، ولكنه فى النهاية مجرد متوسط، وبالتالى فإن احتياجات الدول الصناعية الكبرى التى تستهلك 57% من مياهها فى الصناعة ونحو 30% فقط للزراعة و20% فى الاستهلاك المنزلى والحفاظ على البيئة يختلف عن احتياجات الدول النامية التى تستهلك 85% من مياهها فى الزراعة و5% فقط فى الصناعة و10% فى المنازل والبيئة، قد يستطيع الفرد أن يعيش بنحو 600 متر فقط فى السنة فى مختلف مجالات حياته، حيث لا تمتلك الدول الفقيرة مصانع لأى من الطائرات والسيارات والمعدات الثقيلة للحفر والرفع ولا سفن ولا غواصات ولا شاحنات ولا سفن فضاء ولا تنتج أجهزة الحاسوب والموبايلات ولا مختلف الأجهزة الكهربية والإلكترونية، كما أن منازلها صغيرة وليست قصورا ولا تضم مسابح أو ملاعب جولف ولا فنادق فاخرة، وبالتالى فإن العجز المائى نسبى وليس مطلقًا، ويمكن أن ينحصر فى زيادة استيراد الغذاء، مع حتمية تطوير الزراعة والرى لترشيد استخدامات المياه.

هذا الأمر يفسر لماذا نتوسع زراعيًا فى استصلاح الأراضى رغم الفقر المائى الأممى، وأن نصيب الفرد من المياه فى مصر يبلغ 800 م3 فى السنة شاملًا مياه إعادة الاستخدام؛ لأننا لسنا دولة كبرى فى استهلاك المياه.

* كلية الزراعة جامعة القاهرة
نقلا عن المصرى اليوم