( ١٨٨٧ -- ١٩٦١ )

د. ممدوح حليم

  لعبت الإرساليات الأجنبية المسيحية دوراً إيجابياً ممتازاً في المجالات التعليمية و الاجتماعية وغيرها. وفي السطور التالية سنتعرف على أيقونة رعاية الأطفال الأيتام و الفقراء في مصر وهي ليليان تراشر ، تلك الفتاة الأمريكية التي حضرت إلى مصر وعمرها ٢٣ عاما تاركة أسرتها وخطيبها وكل شيء لتؤسس ملجأ في أسيوط مازال يحمل اسمها حتى الآن.

   ولدت في ٢٧ / ٩ / ١٨٨٧ في ولاية فلوريدا ، واشتركت في صباها في حملات تبشيرية هناك ، وفي عام ١٩٠٥ التحقت بمدرسة لتتلقى دروسا في العهد القديم ، وكانت تواظب على حضور اجتماعات الصلاة.

   وفي الفترة ما بين ١٩٠٨ -- ١٩١٠ ، عملت كمساعدة في إحدى الملاجئ في ولاية كارولاينا ، حيث أحبت هذه الخدمة وتعلقت بها.

 ذهبت ليلة لإحدى الكنائس لتستمع إلى إحدى المرسالات العائدات من الهند التي روت خبراتها ، آنذاك شعرت برغبة جامحة في أن تكون مرسلة ، لكن إلى افريقيا بصفة خاصة. حدثت خطيبها لكي يصاحبها فرفض فتركته ولم تتزوج.

تعرفت على مرسل يخدم في أسيوط هو القس برلسفورد، فذهبت معه إلى هناك، وقبل سفرها فتحت الانجيل لتجد أمامها الآية :
" إني لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر، وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم. فهلم الآن أرسلك إلى مصر." (أعمال الرسل ٧: ٣٤)

  وصلت أسيوط في ٢٦ / ١٠ / ١٩١٠ ، وافتتحت أول ملجأ في ١٠ / ٢ / ١٩١١ . كانت تستخدم الحمار في تنقلاتها بين القرى لتجمع الأطفال ، وكذلك المراكب البسيطة وكادت تغرق مرة وهي في طريقها لإحدى القرى في زمن الفيضان.

   خدمت في حياتها ما يزيد عن ١٠ آلاف طفل فقير ويتيم وأرملة إلى أن رحلت عن العالم في ١٧ / ١٢ / ١٩٦١

 لم تكن خدمتها سهلة إذ كانت الأوبئة والأمراض كثيرة ، كما أنها شهدت الحربين العالميتين الأولى والثانية في مصر، وقد طلب من الأجانب في الحرب العالمية الثانية مغادرة مصر فرفضت أن تترك أطفالها ، كما شهدت أحداث ثورة ١٩١٩ التي انتهزها بعض الغوغاء لسلب ونهب ممتلكات الأجانب، لكن ذلك لم يثنيها عن مواصلة رسالتها السامية النبيلة.

 لقبت بأم النيل وقديسة أسيوط وقديسة القرن العشرين. ولقد زارها عرفانا وتقديراً كل من الرئيس محمد نجيب ، وفيما بعد الرئيس جمال عبدالناصر ، ولا ريب في أن ملجأها هو فخر أسيوط ومن أبرز معالمها كونه أول ملجأ للأطفال من صبيان وبنات في مصر.