د. نادر نور الدين

قسمت منظمة الأغذية والزراعة السلع التموينية الأساسية إلى خمس مجموعات أساسية تضم خمسا وخمسين سلعة تدخل جوف البشر يوميا ودوريا. هذه المجموعات هى مجموعة الحبوب وتضم القمح والذرة والأرز والشعير والشوفان ومعها أيضا البقول، ومجموعة اللحوم وتضم لحوم المواشى والطيور ومجموعة الزيوت وتضم مختلف أنواع الزيوت من صويا وعباد شمس وذرة وكتان وزيتون، وصولا إلى زيت جوز الهند، ثم مجموعة الألبان ومنتجاتها وأخيرا مجموعة السكر أيضا بمختلف أنواعه، خاصة القصب والبنجر. هذا الأمر يوضح أن جميع الخضراوات والفاكهة لا تعتبر من السلع الغذائية الأساسية فلن يضير الإنسان ألا يتناول السبانخ أو البازلاء أو الفاصوليا أو الموالح والموز لأسابيع أو شهور أو سنين، ولكنه لا يستطيع أن يعيش هذه المدد دون أن يتناول المخبوزات أو الأرز أو اللحوم البيضاء والحمراء أو الزيوت أو السكريات.

وعلى ذلك فإن أزمات السلع الغذائية الأساسية تمس حياة البشر وتؤثر فى معيشتهم وتتأثر أيضا ببعض السلع التى ترتبط معها خاصة الوقود والطاقة التى تمثل 30% من إنتاج الغذاء، سواء فى إنتاج الأسمدة والمبيدات ومنظمات النمو وأجهزة التبريد والحفظ والتسخين وشاحنات وسفن نقل الغذاء والآلات الحقلية للحرث والعزيق والحصاد وغيرها. وعادة يمكن للمتخصصين فى مجال السلع الغذائية توقع أزمات الغذاء وارتفاع أسعارها، أو توقع انخفاض الأسعار للإسراع أو للتروى فى الاستيراد، خاصة فى الدول النامية التى تستورد جزءا كبيرا من غذائها. يتم ذلك دوريا بمتابعة الإنتاج فى الدول المصدرة والدول المستوردة وكذا فى دول الاكتفاء الذاتى، خاصة الدول الكثيفة السكان، ويتم ذلك عبر متابعة منصات الإنتاج والاستهلاك والمتوافرة بسهولة للباحثين والمتخصصين. فمثلا زيادة إنتاج القمح فى الولايات المتحدة وكندا (42% من الإنتاج العالمى لكليهما) وروسيا (25% من صادرات القمح العالمي) وأوكرانيا (5%) والأرجنتين وفرنسا وأستراليا وهى المناشئ السبعة الكبرى لصادرات القمح بما يعنى توقع حدوث انخفاض فى أسعار القمح والحبوب.

وبالمثل فإن متابعة الإنتاج فى كل من الصين والهند وهما دولتان تحققان الاكتفاء الذاتى من القمح وفى نفس الوقت دولتان كثيفتا السكان تمثلان معا ثُلث تعداد سكان العالم، وبالتالى فإن انخفاض الإنتاج بأى منهما بسبب العوامل المناخية يعنى دخولها كمستوردين جدد للقمح، وبالتالى يمكن التوقع بزيادة الأسعار بسبب زيادة الطلب، خاصة إذا لم تكن هناك زيادة محسوسة فى الدول الكبرى المنتجة والمصدرة للقمح.

نفس الأمر يتحقق فى حال تراجع مساحات زراعة القمح فى مصر كأكبر بلد مستورد للقمح فى العالم ومعها إندونيسيا والبرازيل والجزائر والمغرب ودول الاتحاد الأوروبى فهذا يعنى زيادة الطلب على القمح وتوقع ارتفاع أسعاره. هذا يوضح أن هذا الأمر متخصص إلى حد كبير ويفهمه خبراء الزراعة والأمن الغذائى وبورصات الغذاء العالمية والمتخصصون فى التخزين والصوامع والحفاظ على الغذاء، سواء من التلف أو الفقد.

تحدث أزمات الغذاء فى كثير من السلع. الأرز له أهميته ولكن يظل بديلا للخبز والمكرونة، وبالتالى يمكن تحمله حتى تمر الأزمة، خاصة فى الدول العربية التى يمثل الخبز والحبوب فيها نحو 82% بينما يمثل الأرز وحدة نحو 65% من مكونات مائدة دول جنوب آسيا. فأزمة الأرز التى مرت بها مصر فى نهاية العام الماضى كانت بسبب فرض سعر منخفض لتوريد الأرز لا يزيد على نصف السعر فى السوق، وبالتالى امتنع أغلب المزارعين عن توريده، ثم تم فرض تسعير غير عادل للأرز ورأى التجار أنه غير منصف فانتظروا حتى مرت مدة التسعير وأعادوا الأرز للأسواق بمبدأ الإتاحة بسعر 30 جنيها رغم أنهم اشتروه بسعر 15 جنيها فقط وقتها من المزارعين وظهر بعض التجار مبررا بأنهم رفعوا السعر حتى لا يطعمه المزارعون للمواشى كبديل للأعلاف المرتفعة السعر, ثم عادوا وبرروا الأمر بأنه بسبب ارتفاع أسعار المكرونة بديل الأرز متناسين أن المكرونة مصنعة من القمح المستورد بالدولار، بينما الأرز منتج محلى بالكامل ولا يرتبط بالدولار، ولكن هذه هى طبيعة أسواق الغذاء التى لا تتمتع بأى مرونة ولا تخضع لقوانين العرض والطلب لأن المواطن مضطر إلى شرائها بأى ثمن حفاظا على حياته وحياة أسرته.

وتعتبر أزمات السكر عالميا هى الأسهل فى حلها وترتبط بالوفرة للمطروح فى الأسواق وأيضا بسبب أماكن التخزين المحدودة فى المنازل والتى لا تتجاوز 10 كجم للأسرة مع توفير حصص المخابز ومصانع الحلويات والمقاهى والكافيات من السكر وإحكام الرقابة عليها وقت الأزمات حتى لا تزاحم المواطن فى الحصول على السكر المخصص له. وبالتالى فيمكن خلال أسبوع واحدالقضاء على أزمة السكر فى أى بلد بطرح كميات يومية متتالية سوف تنفد بسرعة خلال أول خمسة أيام كما هو متوقع، ثم يتناقص الإقبال عليه حتى تنتهى تماما فى اليوم السابع، ويعود السكر للتوافر للجميع فى جميع المنافذ كما سيقل الإقبال عليه بعد ذلك لمدة شهرين نتيجة لتخزين البعض كميات من السكر بدأ يستهلكها بعد أن اطمأن الى انتهاء الأزمة وعودة توافر السكر.

الوقاية من حدوث الأزمة وتجنب وقوعها أفضل كثيرا من وقوعها وفقدان ثقة المستهلك، ثم العمل على حلها ويتحقق ذلك بتوفير الكميات المناسبة لكل فترة زمنية، خاصة أوقات الذروة فى رمضان ودخول المدارس والجامعات والأعياد والشتاء مع قراءة جيدة للإنتاج العالمى وليس لبورصات وأسعار الغذاء فقط.

نقلا عن الاهرام