نادر نور الدين محمد
تشهد الأسواق المحلية ارتفاعات كبيرة فى أسعار الخضروات وعدد من السلع الهامشية غير الأساسية، حيث ارتفعت كثيرًا أسعار البصل والبطاطس ومختلف صنوف الخضروات الشتوية، بما قد يؤثر كثيرًا وينافس الحاصلات الاستراتيجية المهمة، التى تهم المواطنين مثل القمح والفول والعدس، وربما يطول الأمر بنجر السكر. هذا الغلاء فى الأسعار ومتطلبات بيوت المزارعين يمكن أن يدفع الغالبية منهم إلى التحول إلى زراعات الحاصلات المربحة، التى تدر عليهم دخلًا تحتاجه بيوتهم، فإذا كان سعر كيلوجرام البصل قد وصل إلى 40 جنيهًا، والبطاطس، رغم نزول المحصول الجديد إلى 30 جنيهًا، فمَن سيزرع القمح، الذى لا يتجاوز سعره 12 جنيهًا للكيلوجرام. وإذا كان سعر الحمص أو الينسون قد تجاوز 80 جنيهًا للكيلوجرام، فمَن سيزرع الفول، الذى لا يتجاوز سعره 40 جنيهًا، ومثله العدس، وقبلهما القمح، وجميعها سلع استراتيجية تمس حياة رجل الشارع وتمس أيضًا الدولة التى تستوردها بالدولار، الذى يمر بأزمة فى الوقت الحالى؟!.

هذا الأمر كان يستلزم دراسات كاشفة، سواء من وزارة ومعهد التخطيط وكذلك من مراكز الدراسات المستقبلية سواء عن تداعيات التوسع فى تصدير الخضروات والفاكهة، والتى ستتسبب فى ارتفاع أسعارها محليًّا، وبالتالى أثر ذلك على تراجع مساحات زراعات السلع الاستراتيجية التى نستوردها، خاصة القمح والذرة وزيوت الطعام والفول والعدس والسكر وغيرها. الأمر ليس بسبب التوسع فى الصادرات فقط، بل إن الأمر مرتبط بارتفاع الأسعار فى الأسواق المحلية، والذى يُشعر المزارع بأنه ليس بحاجة إلى التصدير بسبب غلاء الأسعار المحلية لكل الخضروات والحاصلات الهامشية.

إن تراجع مساحات زراعات القمح، فى ظل استمرار أزمة روسيا وأوكرانيا، مع احتمالات ارتفاع أسعار البترول، يمكن أن تتسبب فى ارتفاعات مقبلة فى أسعار القمح، فى ظل تفضيل أغلب المزارعين المصريين التحول إلى زراعات البصل والثوم والبطاطس والحمص والينسون والفاصوليا والبسلة ومختلف صنوف الخضروات، بما سيتسبب فى ضغوط كبيرة على الخزانة العامة للدولة لاستيراد قمح أكثر يعوض تراجع مساحاته، كما سيضيف أعباء على المواطنين لملاحقة ارتفاع أسعار الخضروات واللحوم والدواجن والبيض، وبالتالى زيادة المعاناة وتراجع الرضا العام عن الأداء الحكومى، حيث تُقيَّم الحكومات فى العالم بمدى ثبات أسعار السلع الأساسية، وزيادة الدخول، وتراجع الضرائب ومعدلات البطالة، وجميعها دون المستوى المأمول. هذا الأمر سيمتد أيضًا على زراعات بنجر السكر، فى ظل صعوبات تسلم مسؤولى المصانع كامل المحصول، وانتظارهم أيامًا طوالًا لتوريد المحصول، بما سيفاقم من أزمة السكر، ويقلل من كفاءة عمل وإنتاج مصانع سكر البنجر، فى ظل ارتفاع أسعار البصل والبطاطس عنه، والتى تتوافق مع تاريخ زراعته.

نفس هذا الأمر سينطبق على حاصلات الموسم الصيفى القادم، والتى تبدأ زراعتها فى إبريل ومايو، حيث سيتوسع المزارعون فى زراعات الأرز عالى الاستهلاك للمياه، فى وقت قيام إثيوبيا بالملء الرابع، مع احتمال بدء السنوات العجاف لفيضان النهر، والتى بدأت فى الموسم المنقضى، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الأرز الحالية فى الأسواق المحلية، ووصولها إلى 35 جنيهًا للكيلوجرام، رغم أن التجار اشتروه من المزارعين بسعر 15 جنيهًا فقط للكيلوجرام فى العام الماضى، وأنهم برروا رفع أسعاره بأمور غير حقيقية، مثل أن الفلاحين سيستخدمون الأرز علفًا لمواشيهم لرخص أسعاره، وهم يعلمون أن الأرز لا يُستخدم علفًا أبدًا لأنه يسبب تلبكًا معويًّا حادًّا للمواشى يتطلب تدخل الطبيب البيطرى، ثم ادعاء أن ارتفاع أسعار المكرونة بديلة الأرز هو السبب، وهى حجة واهية لأن المكرونة مُصنَّعة من القمح، الذى نستورده بالدولار، بينما الأرز منتج مصرى بالكامل، ولا يرتبط نهائيًّا بالدولار، وأن السبب الوحيد هو مبالغة التجار فى أرباحهم، وغياب الرقابة. وعمومًا، وبشكل عام، فمهما كانت الغرامات المُوقَّعة على المخالفين لزراعته، فإن الفلاح يعلم أنه لا أحد يمكن أن يوقع عليه عقوبة المنع من الزراعة لأن الدولة هى التى ستتضرر من ذلك، وأن أقصى عقوبة لعدم سداد الغرامة هى الحرمان من الأسمدة المدعمة، وهذا أيضًا يضر بالدولة أكثر من الفلاح، حيث سيتراجع محصول الزراعة التالية بنسبة 30% إذا ما أضاف الفلاح نصف كمية الأسمدة المقررة فقط بسبب ارتفاع أسعارها، وعدم قدرته على شراء كامل الكمية، أو تتراجع بنسبة 50% فى حالة عدم إضافة المزارع للأسمدة نهائيًّا، وفى كلتا الحالتين ستكون الدولة هى المتضررة، وستضطر إلى استيراد كمية التراجع فى محصول الأرز بالعملة الأجنبية المكلفة لأن سعر طن الأرز فى أقل مستوياته يبلغ من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف سعر استيراد طن القمح.

هذا الأمر سيطول خطط الدولة فى التوسع فى زراعات الذرة الصفراء للأعلاف، والتى نستورد منها 12 مليون طن عالميًّا، وارتفعت أسعارها بسبب أزمة أوكرانيا وروسيا، اللتين تصدران نحو 20% من تجارتها ومعها التوسع فى زراعات فول الصويا وعباد الشمس، والتى نستورد منها 100% من احتياجاتنا لتحول المزارعين إلى زراعات الخضروات والبصل والبطاطس والتوابل وغيرها، وبالتالى ستكون الدولة هى الخاسرة بسبب تركها الأسواق دون رقابة أو متابعة.

السلع الغذائية لا تنطبق عليها قواعد العرض والطلب فى أسعارها لأن المواطن سيشتريها بأى ثمن للحفاظ على حياته وصحته، وبالتالى فهى معدومة المرونة، وتكون أسعارها أسعار إذعان، من المفترض متابعة أسعارها جيدًا بعلم وحكمة وحساب الأضرار والفوائد المقبلة لارتفاع أسعارها أو تصديرها دون مراعاة الأسواق الداخلية أو مستقبل إنتاج السلع الاستراتيجية الأكثر أهمية.
نقلا عن المصرى اليوم