د.أحمد الخميسي
ظهر يوم الأحد 25 فبراير 2024 مشى على مهله طيار أمريكي في الخامسة والعشرين من عمره قاصدا مقر السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وهناك توقف ثم أشعل النار في نفسه، وكان قد قال : " اسمى  آرون بوشنل، من القوات الجوية الأمريكية، وأنا على وشك القيام بعمل احتجاجي متطرف، ولكن مقارنة بما شهده الناس في فلسطين على أيدي الإسرائيليين، فإنه ليس عملا متطرفا على الإطلاق. إنها إبادة جماعية برعاية أمريكية، ولن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية".
 
بعد ذلك سكب أرون سائلا على جسده وأضرم النار في نفسه وهو يصيح " الحرية لفلسطين".
 
توفي آرون في اليوم التالي متأثرا بالحروق الشديدة، ولم يترك سوى وصية يهب فيها كل مدخراته لأطفال فلسطين. توفي في مطلع الشباب، في عز الصحة، بل وفي قمة الأمان الاجتماعي لأنه بعد أن حصل على شهادة في علوم الحاسوب عام 2020 التحق بالعمل بعدها مهندسا بقسم البرمجيات في القوات الجوية الأمريكية.
 
نحن إذن أمام شاب ناجح، ولا يتبقى سوى أن ترى وجه آرون بوشنل في صوره على الانترنت، وسترى وجها جميلا لشاب يبتسم بطيبة الفلاحين وبنكران الذات الذي يتسم به الانسان الحقيقي. قبل أن يضرم بوشنل النار في نفسه احتجاجا على ابادة الشعب الفلسطيني في غزة، كان يتابع – وفق حسابه في فيس بوك- صفحة " طلاب من أجل العدالة في فلسطين" التي أنشأها طلاب جامعة ولاية كينت.
 
وعندما أشعل بوشنل النار في نفسه كان يشعلها في الأكاذيب الأمريكية والدولية التي رافقتها وفي الصمت الرسمي الذي وقف يتشدق بشتى التصريحات متفرجا على إبادة مئة ألف انسان فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء وملاحقة ومطاردة مليون آخر، وبحياته التي ضحى بها رسم بوشنل دائرة النار التي تطوق أمريكا بصحوة الضمير في كل بقعة من بقاع الأرض.
 
وبالرغم من ذلك  واصل الكذب عمله بوقاحة فأشارت صحيفة نيويورك تايمز ضمنيا إلى أن بوشنل قد يكون مريضا عقليا، من دون أن تذكر شيئا عن سبب احتجاجه أو دوافعه.
 
وقد سبق في مطلع ديسمبر العام الماضي أن أحرق شخص نفسه أمام القنصلية الاسرائيلية في أتلانتا، ( عاصمة ولاية جيورجيا الأمريكية ) تاركا خلفه علم فلسطين، وفي حينه لم تفصح السلطات عن اسم المحتج ولا عمره ولا أي شيء يخصه، لكن هذه المرة كان احتجاج آرون بوشنل في العاصمة واشنطن حيث من الصعب التعتيم على الحدث. فقط ابحثوا في الانترنت عن صورة " ارون بوشنل"، وتأملوا ذلك الوجه الأقرب للطفولة، لكي تصون ذاكرتنا جمال البطولة، عندما تصبح آلآم الآخرين كل حياة الإنسان، وكل موته، وكل سيرته التي تفوح بالأمل والشجاعة.