د. أحمد الخميسي
شهد شهر أبريل الجاري ثلاث خطوات متلاحقة، متتالية، أشعلت الخوف من خطر الحرب الاقليمية بل والدولية. الخطوة الأولى قامت بها إسرائيل
في مطلع الشهر حين قصفت القنصلية الإيرانية في دمشق، بالتزامن مع قصفها سوريا وجنوب لبنان واستمرارها في إبادة الشعب الفلسطيني. الخطوة الثانية كانت حين ردت إيران في 13 أبريل على العدوان على قنصليتها فاخترقت الأجواء الإسرائيلية للمرة الأولى بأكثر من ثلاثمئة طائرة مسيرة وصاروخ . الخطوة الثالثة التي أغلقت الدائرة مؤقتا كانت حين شنت إسرائيل غارة جوية في 19 أبريل على محافظة أصفهان التي تقع فيها منشآت نووية إيرانية. ثلاث خطوات متتالية، متلاحقة، أشاعت الخوف والذعر من نشوب حرب اقليمية وصولا إلى الخوف من حرب دولية كبرى. وفي هذا السياق حذر أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من أن الشرق الأوسط " على حافة الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل".

وبداية يجب أن نلاحظ أن إسرائيل كانت البادئة بالعدوان، تأكيدا لسيطرتها المفردة ، المتبجحة، التي تجعلها تشن الغارات الدورية من دون عقاب على سوريا، وجنوب لبنان، ومنشآت إيران، إلى جوار إبادة الشعب الفلسطيني لأكثر من نصف عام من دون أي عقاب. وقد تناول الكثيرون طبيعة الرد الإيراني، إن كان مسرحية، أم ردا عسكريا، متجاهلين تماما أن اسرائيل كانت البادئة ومن ثم فأن من حق إيران أن ترد على العدوان بالشكل الذي تراه. من ناحية أخرى تعود خطورة الرد الإيراني إلى أنها المرة الأولى التي تقوم فيها دولة في المنطقة باختراق الأجواء الإسرائيلية وإثارة الذعر حسب شهادات العديد من المراقبين في تل أبيب، ويضاعف من خطورة الوضع دخول حزب الله طرفا في الرد على إسرائيل بقصف مواقعها في الجنوب. وفي مجمل ذلك المشهد لا يمكن اغفال حقيقتين : الأولى الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني الذي يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني، وبسط سيطرته العسكرية على المنطقة العربية بالتهديد أو التلويح بالقوة. الحقيقة الثانية أن ذلك الكيان مدعوم بشكل مطلق من قوى دولية على رأسها أمريكا، التي قامت مؤخرا باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة بصفتها دولة مستقلة معترف بها. ولا تخدع أحدا تلك التمثيليات الصغيرة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي مع قادة إسرائيل والتي يدعون فيها أن ثمت خلافات بينهم بهذا الشأن أو ذاك. والحقيقة أن اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على عضوية فلسطين الكاملة يعني نظريا منح اسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة إبادة الشعب الفلسطيني. ولطالما استخدمت القوى الاستعمارية الابادة السياسية أولا قبل الإبادة والاحتلال الفعلي، وعندما احتل الانجليز مصر في 1882 وضعوا الأساس النظري لذلك بادعاء أن الشعب المصري ليس مؤهلا للتحضر والديمقراطية، وأنهم بثكنات الجنود والرصاص ونهب ثرواته سيؤهلونه للتحضر.

وعندما تنفي أمريكا حق فلسطين في إقامة دولتها – خلافا لكل مواثيق الأمم المتحدة – فإنها فعليا تقول إنه لا وجود للشعب الفلسطيني، ومن ثم فإن إسرائيل لا ترتكب أي مجازر، لأنه لا وجود لذلك الشعب. عادة ما تسبق الإبادة السياسية الإبادة الجماعية. هكذا كان الأمر مع الهنود الحمر، الذين صورتهم أمريكا بصفتهم برابرة ، متوحشين، وبعد أن وضعت الأساس النظري للإبادة قامت بإبادتهم. أما عن خطر الحرب الاقليمية أو الدولية فإنني أستبعد تلك الاحتمالات رغم خطورة الموقف، وخطورة التصعيد، لأن تلك الحرب ليست في مصلحة أي طرف اقليمي أو دولي. ومواقف القوى الدولية ذات التأثير مثل الصين وروسيا لا تتجاوز الإدانة المبدئية للعدوان الاسرائيلي من دون الانزلاق للصراع، وكذلك مواقف معظم الدول العربية، لذلك أستبعد الحرب الاقليمية، ومن باب أولى الدولية، ويبقى الأمل معلقا على صلابة الشعب الفلسطيني.
نقلا عن الدستور