بقلم: سوزان قسطندي
إلى روح أبى الحبيب عدلى أبادير :
لا أعرف كيف أرثيك، ولكن فراقك عنا بالجسد يدمى قلبى..
رغم أننى لم أرك بالجسد وأكاد لا أعرف شيئاً عن حياتك الشخصية، إلا أننى أشعر بأنى قد فقدت أبى..
نعم، أنا مدينة لك..
وأقل ما يمكننى تقديمه تعبيراً عن الشكر والإمتنان والعرفان بالجميل هو أن أذكرك بالخير دائماً..
حقاً "الصدِّيق يكون لذِكر أبدى" (مز 112: 6).

كنت أتخيل حياتك وأنت معنا بالجسد وكأن لسان حالك يقول مع القديس التائب والفيلسوف الثائر أغسطينوس "ستظل قلوبنا قلقة إلى أن تستريح فيك يا الله"..
كنت أشعر بروحك فتيّة رغم وهن الجسد مع عاملى السن والمرض- حيث أنك قد بدأت العمل القبطى العام وأنت شيخ فى سن 84 وحتى انتقلت إلى السماء فى سن 89 عام يوم 31 ديسمبر 2009 دون أن تتوانى عن العمل قط..
حقاً يقول الكتاب "الصدِّيق كالنخلة يزهو.. أيضاً يثمرون فى الشيبة يكونون دساماً وخضراً، ليخبروا بأن الرب مستقيم صخرتى هو ولا ظلم فيه" (مز 92: 12- 15)..
كان عشقك لمصر كبيراً.. كنت أشعر بقلقك الدائم على حقوق إخوتك الأقباط بل وجميع المصريين، حتى كنت تقول عن نفسك "أنا كشكول أمراض وأمشى على عكاز لكن أتحول إلى وحش كاسر حين أتحدث عن كل ما يسرق حقوق المسلمين قبل الأقباط"..
كنت رجل حقوقى صاحب رسالة قوية، صادق وأمين مع نفسك ومع الآخرين.. لم تكن من النوع الذى يتكم كثيراً دون أن يفعل شيئاً، ولكنك كنت تفعل كثيراً وكثيراً حتى أخذت القضية القبطية شهرتها العالمية..
قدمت من مالك، ومن صحتك، ومن بنات أفكارك الكثيروالكثير..

مؤتمرات الأقباط التى عقدتها قد إستطاعت لفت إنتباه  الحكومة المصرية كما كثير من حكومات الدول التى تعاطفت مع قضيتنا: المؤتمر الأول فى زيورخ سبتمبر 2004 ، والثانى  فى واشنطن نوفمبر 2005 تحت شعار "مسلمون ومسيحيون من أجل الديمقراطية وحقوق المواطنة فى مصر" والذى شارك فيه د. سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون ود. أحمد صبحى منصور زعيم جماعة القرآنيين ود. جهاد عودة رئيس قسم العلوم السياسية وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى، والثالث فى زيورخ مارس 2007 تحت شعار "الأقليات فى الشرق الأوسط".. وذكر المهندس كميل حليم والذى أنشأ التجمع القبطى الأمريكى فى نوفمبر 2005 أن التجمع قد بدأ بفكرة من المهندس عدلى أبادير بضرورة تنظيم أقباط أمريكا، وظهر التنسيق بين المنظمتين فى المؤتمر الذى عقده التجمع فى شيكاغو يوليو 2007 تحت شعار "القضية القبطية.. معالجة جديدة للواقع والآليات" والذى شارك فيه أعضاء من الكونجرس الأمريكى .. وتتزايد منظمات الأقباط إلى حوالى خمسة عشر منظمة أو تزيد فى أوربا وأمريكا وأستراليا، وتتنامى نشاطاتها عبر تنظيم المؤتمرات وتدشين المواقع الإلكترونية  والمراكز الإعلامية الدولية..
منظمة الأقباط متحدون لحقوق الإنسان والتى أنشأتها من مالك الخاص فى سبتمبر 2004 يتنامى نشاطها حتى لقد صار موقعها الإلكترونى منبراً حراً للأقباط، وبدأ مع الوقت يأخذ طابع الإنتشار والتأثير على الرأى العام المصرى..
كنت تريد تحريك الضمير المصرى والعالمى.. وقد تحرَّك.. حتى أنه لأول مرة فى تاريخنا الحديث يشير رئيس أكبر دولة فى العالم إلى حقوق الأقباط -وذلك أثناء إلقاء أوباما خطابه التاريخى فى جامعة القاهرة يونيو 2009.

نعم، بدأ صوت أقباط الداخل المكتوم يخرج ويعلو ويصف ويحاور ويطالب ويشجب..
صوت الأصاغر الحبيس يتحرر..
وعن نفسى فقد بدأت أطالع موقع الأقباط متحدون منذ أوائل عام 2005 - أى بعد إنشائه بأشهر قلائل، ووجدت الفرصة سانحة لإبداء رأيى (كقبطية) بحرية من خلال التعليق على الأحداث والمقالات.. وبتشجيع من إدارة الموقع لكل من يرغب فى كتابة المقالات بدأت أكتب، فكان أول مقال لى فى 9 فبراير 2006، وإلى الآن أكتب وأعبِّر عن نفسى وأبدى رأيى وأتحاور بحرية- مما يثقلنى ويثرينى كما مجتمعى أيضاً..
فصوتى هذا الصغير الذى كان حبيساً وأعطيته فرصة الإنطلاق هو الذى ينطلق الآن فيباركك ببركة الرب "كنت محبوساً فأتيت إلىّ.. أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25).

أبى..
آن الأوان لكى تستريح فى الرب- بعد أن أراك الرب بعضاً من ثمر أتعابك من أجل إخوتك الأقباط وأنت حى بعد- حسب وعده الصادق "طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤ  14 :  13).. فلينعم عليك الرب بمغفرة خطاياك وليكافئك بإكليل البر عن جميع العطايا والخيرات التى كنت تقدمها فى الخفاء لإخوتك الفقراء والضعفاء أيضاً، لتقول مع الرسول بولس "قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعى حفظت الإيمان وأخيراً قد وُضِع لى إكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الرب الديان العادل" (1تى 5: 7، 8).. هنيئاً لك الميلاد الجديد "مع المسيح ذاك أفضل جداً" (فى 1: 23)..
وليعزينا الرب بتعزياته الصالحة عن غيابك عنا بالجسد.. وليعين الرب أبناءك وتلاميذك لكى يكملوا مسيرتك فى العمل القبطى بنشاط.. وإلى أن نلقاك فى سماء المجد حيث "يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم" (مت 13: 43)، أذكرنا أمام عرش النعمة الذى أنت واقف أمامه.
إبنتك المحبة سوزان قسطندى

أتقدّم بخالص العزاء للأسرة الكريمة.. ولأسرة الأقباط متحدون.. وللشعب القبطى والمصرى كله..
وأطلب من الإخوة الأقباط العمل على تخليد ذكرى الأب والزعيم القبطى الكبير عدلى أبادير..

وأضع أمامكم بضعة إقتراحات محددة لذلك :
1- تعديل لوجو منظمة الأقباط متحدون- ليحوى صورة عدلى أبادير.
2- تخصيص جائزة ووسام عدلى أباديرلحقوق الإنسان- تمنحها منظمة الأقباط متحدون كل عام لأفضل من يقومون بالعمل الحقوقى من المصريين (وقد سبق أن إقترح ما يماثلها الأخ جرجس بشرى فى مقاله "جائزة عدلى أبادير لحقوق الإنسان بمصر" 23 مارس 2009، كما سبق واقترحت جائزة أبادير للديمقراطية فى مقالى "المستشفى الديمقراطى" 29 فبراير 2008)..
3- إنشاء نادى ثقافى وإجتماعى ورياضى كبير يحمل إسم عدلى أبادير- بمساهمة من جميع الهيئات القبطية بداخل مصر وخارجها، ويديره رجال أعمال أقباط، ويهدف لخدمة الأقباط فى مصر.