بقلم : سوزان قسطندي
سأحكى أربعة مواقف حدثت معى وأمامى.. فى زمن قريب.. ومكان حدوثها مترو الأنفاق- كعادتى فى إنتقائه كمكان يصلح للدراسات  الإجتماعية- حيث يجمع من أطياف المجتمع العديد من الشخصيات ذات الثقافات المختلفة والتى لا تربطها علاقات شخصية.. والشخصيات محل الدراسة منتقاه من مراحل عمرية متقاربة ووضع اجتماعى متقارب.. فيكون مرجع السلوك هو الوازع الدينى أو الأخلاقى.

الموقف الأول:
جلست إلى جوار فتاة مسيحية (سافرة).. ثم وقف أمامنا شاب ذو لحية قصيرة..
وابتدأ يتلو من آيات القرآن بصوت يعلو ويخبو بين الحين والحين..
فكنا نسمعه بوضوع حين يقول: "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.. لكم دينكم ولى دينى" ..
وينخفض صوته مرة أخرى.. ويعود ليعلو - حتى شعرت أن جميع من فى العربة يسمعونه وينظرون إلينا- حينما يقول: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم.. من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار"..
وعندها لم أتمالك نفسى إلا وقد رفعت نظرى إليه، وأحدقت النظر فى عينيه..
فخجل من أن ينظر إلىّ..
ولكنه ابتدأ يخفض صوته.. حتى توقف تماماً !!

الموقف الثانى:
كنت أجلس، ووقفت إلى جوارى فتاة مسيحية.. وكان يقف أمامنا شاب تبدو عليه ملامح الروشنة..
كان يضع فى أذنيه سماعات تخرج من محمول يضعه فى جيب بنطلونه..
وابتدأ يحرك شفتيه ويتمتم بكلمات لا نسمعها..
فتخيلت لبرهة أنه قد بدأ فى تلاوة القرآن -الذى يسمعه..
وإذ به يحرك إحدى قدميه.. ويخبط بإحدى يديه على العامود.. بإيقاع منتظم..
فأدركت أنه يستمع لموسيقى أجنبى..
وبعد قليل إبتدأ يخرج المحمول من جيبه ويحمله بيده..
فبدا الصوت مسموعاً لنا- وكان لأحدى الأغنيات الأجنبية ذات الرتم السريع..
ربما كان ينقص هذا الشاب التواجد فى صالة ديسكو ليلهو راقصاً مع الشباب والفتيات !!

الموقف الثالث:
كنت جالسة فى ركن بالعربة.. وجلس بجوارى شاب..
أخرج من جيبه وريقات بها آيات قرآنية..
وكان يقرأها سراً- أو هكذا كان يبدو لى..
ثم إبتدأ يتحرش بى.. ويحتك بى..
فنظرت إليه لعله يرتدع، فلم يرتدع..
وفى حركة إنفعالية وقفت.. ثم وضعت حقيبتى بجواره لتكون فاصلاً بينى وبينه.. وجلست مرة أخرى- بعد الفاصل..
وكانت عيون جميع من فى العربة متجهة نحونا.. ترقب ماذا يحدث- فى صمت..
فلما هدأت غرائزه، أدخل الوريقات إلى جيبه.. واكتفى باختلاس النظر إلىّ بين الحين والحين !!

الموقف الرابع:
كنت جالسة وإلى جوارى رجل متوسط العمر.. ووقف أمامنا شاب مسيحى يبدو من ملامحه أنه خشن الطباع، ومعه زوجته الشابة قليلة الجسم هادئة الملامح.. وقفا فى صمت..
وبعد برهة فوجئنا بالشاب يستأذن الرجل الذى يجلس إلى جوارى أن تجلس مكانه زوجته- دون أن يبدى أسباباً لذلك..
ربما كانت حاملاً فى الأشهر الأولى من الحمل ومتعبة بعض الشئ- هكذا فكرت..
فقام الرجل عن طيب خاطر.. وجلست مكانه الشابة القبطية دون أن تنطق ببنت كلمة- إلا أن زوجها قد شكر الرجل الكريم !!

إنها مواقف يومية شبه عادية.. ولكنها تكشف عن نظرة المسلم للقبطية وإتجاهاته السلوكية نحوها- بحكم الوازع الدينى أو الأخلاقى:
فالبعض تسيطر عليه مشاعر بغضة من نحوها- باعتبارها كافرة.. فيتفنن فى إذلالها !!
والبعض الآخر يستخدمها ويتخذها ساتراً له -من جمهور المتعصبين- لحماية حريته فى ممارسة اللهو !!
والبعض الآخر يرى فيها ملك يمين لإشباع شهواته الخاصة- متستراً بالدين !!
والبعض الآخر يحترمها كإنسانة.. ويهتم لأمر راحتها وسلامتها !!

إنها نماذج قليلة لا تكفى لتغطية جوانب دراسة بهذا القدر من الأهمية.. ولكنها خطوة على طريق طويل لتعميق الجانب الإنسانى والأخلاقى لدى الشباب المصرى.. وتوجيه الدعوة لتصحيح النظرة الدينية لدى المصريين -والتى تبدو معادية للآخر- لتسير فى إتجاه قبول الآخر واحترامه والتعاون معه.. من أجل بنيان البيت المصرى والوطن الغالى مصر.