ألفي كامل شنّد
تطور الانقسام الثقافي في كنيسة الاسكندرية الاولى آبان حكم الرومان لمصر  بين  الاقباط  ذو الأصول والموروث القرعوني، الذين يقطنون  المدن والريف.
 
والمصريين الاغريق ذو آلاصول اليونانية والثقافة الهلينية الذين يقيمون في مدينة  الاسكندرية ، تطور إلى إنقسام ديني  عقائدي أيضا بعد مجمع خلقيدونية المسكوني الذي أنعقد سنة 451 ميلادية بطلب من الامبرطور مارقيان،  وعلى أثره إنشق الاقباط والسريان والارمن عن حياة الشركة في  الايمان مع كنيسة القسطنطنية وروما  حول   مصطلح «طبيعتين» الذي كان يوازي عندهم لفظة (شخصين).
 
وكانوا يفضلون عليها تعابير أخرى وردت عند البابا كيراس الكبير  (٤١٢-٤٤٤م) مثل عبارة «طبيعة واحدة» في قولته الشهيرة: «طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسدز
 
انقسمت كنيسة الاسكندرية إلى قسمين: الأوّل رفض قرارات المجمع. وهم الاقباط، وأتبعوا موقف بطريركهم ديسقورس الذي كان يتمتع بنفوذ  ديني وقومي في آن وأحد . والثاني تمسّك بقرارات خلقيدزنية.، وكانوا أقلية صغيرة جدا من  الروم الملكيين ، أغلبهم من البيزنطيين ، وأقام لهم الامبرطور بطريركا بدلا من ديسقورس. .وكانت الفترة مابين  4(541-64) فترة عصيبة في تاريخ كنيسة الاسكندرية .
 
ذاق  الاقباط خلالها من الملكيين الخلقيدونيين الذين أتبعوا الامبراطور شتى ألوان القمع والتعذيب.‬
 
وبعد دخول الاسلام مصر. ظلّ الملكيون في مصر قليلي العدد، وأقام بطاركتهم في القسطنطينية في غالب الأوقات. ومن ذلك يتضح وجود خلقيدونين (الروم الملكيين) في مصر بعد الانشقاق وبصفة مستمرة.
 
 وبعد إنشقاق الخلقيدونين الارثوذكس (القسطنطنية)عن الخلقيدونيين الكاثوليك (روما) في سنة 1054م بسبب ازدهار مركز القسطنطنية الروحي ، ورفض لانصياع لسلطة بابا روما  ثم سقوط القسطنطنية في أيدي الغزاة العثمانيين المسلمين ، سعى البابوات الكاثوليك  إلى نشر نفوذهم  الروحي شرقا وغربا ، وعقيدتهم  الكاثوليكية على الكنائس الشرقية، ومنها مصر ، حبث لم يكن للكاثوليك وجود  في مصر بالمفهوم  الكنسي الرسولي  : سلطة روحية واكليروس  وشمامسة يقومون بمسئولية الرعاية الروحية، وكنائس تمارس فيها الاسرار الكنسية: المعمودية والعشاء الرباني حسب الإيمان الكاثوليكي وسلطة خليفة بطرس الرسول بابا روما . ويمكن القول ، لم يكن للكاثوليك حضور في العصور الوسطى في مصر .
 
و لا توجد  آدلة تاريخية (وثيقة معمودية أوزواج أو سيامة قسيس أو أسقف قبطي) تؤكد وجودهم قبل مجيء القديس فرنسيس الأسيزي البلاد في العام 1219. وحصول الملكة جوفانا ملكة نابولي وصقلية في سنة  سنة 1363  على مرسوم من السلطان الاشرف زين الدين شعبان سلطان مصر السماح بدخول الفرنسيسكان مصر ليتملكوا بيعة كنسية  لخدمة أبناء القنصليّات الأوروبيّة التجاريّة الذين أصبح وجودهم في البلاد مُنَظَّمًا ومستمرًا في القرن السابع عشر. وكل ما يمكن  الاستدلال عليه هو أعتناق المعلم جرجيوس  والد المعلم غالي وزير مالية محمد على باشا المذهب  الكاثوليكية في القرن التاسع عشر الميلادي على أيدي الآباء الفرنسيسكان في  طهطا حيث أستوطن الأباء الفرنسيسكان الاوائل وحيث  و ولد المعلم غالي في سنة 1775. . ومن الشائع  ان المعلم غالي أنضم  إلى الكثلكة بأمر من محمد على باشا  ومعه مجموعة من أقاربه، لكن ما يدحض هذه الرواية أنه كان  لغالي أخ أصغر  يدعى فرنسيس ، ولعل في أسم أخوه أحد الأدلة على أعتناق الوالد الكاثوليكية وسمى أبنه فرنسيس  تيمنا باسم القديس فرنسيس الأسيزي، مؤسس رهبنة  الفرنسيسكان .
 
كذلك زواج المعلم غالي من المدعوة "كتورة" أو "كاترينا" ، وهي من أسرة الزير الشهيرة بأخميم، وهذه الأسرة ورد ذكرها كثيراً بسجلات الآباء الفرنسيسكان آنذاك.
 
وتعزز الحضور الكاثوليكي في القرن الثامن عشر، مع توافد الاجانب آبان فترة حكم محمد علي،  تتبعهم كنائسهم إلى مصر: الروم الكاثوليك والموارنة والأرمن والكلدان  والسريان. وحضور  الكنيسة اللاتينيّة في القرنَيْن الماضيَيْن في مصر وتوافد عدد من ارساليات الرهبانيّات الكاثوليكية .   واندامجهم في نسيج المجتمع المصري من خلال أقامة المدارس والمشافي العلاجية وذلك  بتشجيع من أقراد الاسرة العلوية الحاكمة في اطار مشروع بناء مصر الحديثة نشر التعليم الحديث وتعليم الفتيات. وعدد من الانشطة الثقافية. وهم بدورهم  قاموا بعمل تبشيري بين الاقياط  للانضمام إلي الكرسي الرسولي بروما . فقد جاء في   يوميات الاباء اليسوعيين في مصر ، زيارة الأباء  للقري ، وتفقد عدد من عائلات الهراطقة(الارثوذكس) وعدد من العائلات المنشقة(البروتستانت). وقيام البابا غريغوريوس السادس عشر في العام 1839 بتأسيس  النيابة الرسوليّة للاتين في مصر والجزيرة العربيّة لتُصبح بعدها نيابة مستقلة لمصر فقط منذ العام 1921.
 
ومن المغالطات الشائعة  ربط حضور الكاثوليك في مصر بالحملة الفرنسية . ويقال إن كلمة كثلكة عرفت في مصر بعد الحملة الفرنسية 1798م حيث وردت لاول مرة في مقال للشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر ورئيس ديوان القاهرة فى الحديث عن أثر التأثير الثقافي للحملة الفرنسية. لكن من الموثق ان  نابليون وجنوده جاءوا  إلي مصر محّملين  بعداء الثورة الفرنسية للدين،  وخالية من الطابع الديني. وسعى  نابليون منذ وطأت قدماه أرض الاسكندرية التودد للمسلمين لكسب رضاهم بخلاف الاقباط . فقد ذكرت وثائق الحملة الفرنسية أ ن نابليون بعث برسالة لوالي حلب أنه حامي الإسلام، بل بطل من أبطاله فقال: «لسنا كفار العصور الهمجية الذين يأتون إليكم لمحاربة إيمانكم، إننا نعترف بأن إيمانكم رفيع القدر، وسوف نعتنق دينكم إذا حلت الساعة التي يصبح فيها الفرنسيون الراشدون مؤمنين حقيقيين.». وتشير الكتابات التاريخية إلى أن الأقباط كانوا يتمنون رحيل هذا الأجنبي الذي لم يفدهم بشيء، بل كان وجوده بينهم يزيد كره المسلمين لهم.
 
نشأة الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة:
انطلقت الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة بفضل توجيهات مجمع نشر الإيمان في روما ، وجهود الآباء الفرنسيسكان الذين عملوا على تكوين إكليروس وطني كاثوليكي. أرسل الآباء الفرنسيسكان واللعازرين  بعض الشبّان الأقباط إلى روما للدراسة، منهم روفائيل طوخي وصالح مراغي اللذان رُسِمَا أوّل كاهنَيْن قبطيَّيْن كاثوليكيَّيْن في عامَي 1735 و1736  ثم  استلمها أسقف جرجا الأنبا أنطونيوس فليفل عام 1758م . ومن بعده تولى إدارة شؤون الأقباط الكاثوليك النواب الرسوليون حتى تمكن الكرسى الرسولى في عام 1824  من الحصول على سماح السلطات العثمانية – التي كانت تحكم مصر حينها – بتنصيب بطريرك للأقباط الكاثوليك، ولكن تلك الموافقة كانت حبر على ورق ، وفي عام 1829 م سمح الأتراك للأقباط الكاثوليك ببناء كنائسهم الخاصة.
 ووفى 21 نوفمبر 1895 م أصدر البابا ليون الثالث عشر منشوراً بعنوان "المسيح الرب" تضمن المنشور قراره بتنصيب بطريرك للأقباط الكاثوليك، وفي ذات العام قسمت الطائفة  إلى ثلاث أبرشيات وفي عام 1899 م أًقيم الأنبا كيرلس مقار بطريركا للإسكندرية على الأقباط الكاثوليك ، ومقره القاهرة واستمرت مدته 3 سنوات فقط .
 
ومن بعده بقي الكرسي البطريركي شاغرا مدة أربعين عاما ولكنه كان يدار من قبل الأنبا مكسيموس صدفاوي ، حتى تم تنصيب مرقس خزام عام 1947م. وتوالى بعده على الكرسي البطريركي أربعة بطاركة .  ويبدو من تعدد النواب الرسولين ، وبقاء الكرسي البطريركي شاغرا أربعين سنة ان ولادة  الكنيسةالقبطية الكاثوليكية كانت قيصرية. 
 
وتتكون الطائفة حالياً من 9 ابروشيات، ويقدر عدد ابنائها بنحو 200 الف نسمة.  وهى  تنمو ببطء. ويكاد ينحسر عدد أعضاءها بعد مرور قرنين من الزمن على  أنطلاقها عند حصاد المرسلين  الاوائل في فترة  الليبرالية التي شهدتها مصر آبان حكم الاسرة العلوية ، تحظى بالدعم الروحي والمادي من كنيسة روما والكنائس الكاثوليكية  الغربية . ويفخر أتباعها بانتسابهم إلى الكنيسة الجامغة.
 
وتعد  جمعيات الرهبات والراهبات  الكاثوليكية مثل الفرنسيسكان والجيزويت وراهبات الراعي الصالح والمحبة مركز ثقل الحضور الكاثوليكي في مصر حيث  تؤدي دوراً اجتماعياً بارزاً  في ميدان التعليم  والثقاقة والرعايا الصحية .ويعملون على تعزيز العلاقات الودية بينهم وبين باقي المسيحيين وخدمة كل أفراد المجتمع المصري.