نعيم يوسف
موقفان متناقضان تماما وقعا خلال اليومين الماضيين، فعندما بدأت أزمة الدولار، بادر بعض المصريون في الخارج لطرح فكرة تحويل الدولارات إلى البنوك الحكومية، حتى ولو كان سيترتب على ذلك خسارة القليل من المال، بينما عندما طرح الرئيس السيسي فكرة التبرع إلى صندوق تحيا مصر، ولو بجنية واحد لاقت هذه الدعوة سخرية لاذعة من المصريين المقيمين في الداخل.

لا شك أن المصريين في الداخل ضربوا مثالا رائعا عندما وضعوا نحو 68 مليار جنية تحت تصرف الدولة في مشرع قناة السويس، وهو ما يطرح عدة أسئلة تحتاج الإجابة عليها دراسات خاصة من قبل أساتذة متخصصين، وأولها: هل ارتبط معدل الوطنية بالمستوى الاقتصادي؟؟ بمعنى هل كلما كان الشخص غنيا أكثر كان لديه قدرة / دافعا أكثر للتبرع لبلاده؟؟

سؤال أخر: لماذا يظهر الشوق والحنين جليا عند المصريون وهم في خارج مصر؟؟ عندما يكونون في الداخل يكون شعورهم مثل باقي المواطنين، فاقدين الثقة في القيادة، والأمل في التغيير؟؟

ثم أهم سؤال، والذي يطرح نفسه بقوة: من أفقد المصريين إحساسهم بوطنيتهم ومسؤوليتهم تجاه بلادهم؟؟ من المسؤول عن إحساسهم المستمر بالغربة داخل وطنهم، والانتماء له عندما يكونون خارجه؟؟!! من الذي أفقدهم الثقة في أنفسهم أنهم قادرون على تغيير الأوضاع التي يتذمرون منها جميعهم؟؟

على الرغم أن إجابة هذه الأسئلة بالفعل تحتاج لدراسات متخصصة، إلا أنني كمصري يعيش على أرضها، يمكنني أن أجاوب على هذه الأسئلة بصفتي أحد الذين يمكن أن تجرى عليهم الدراسة.

إن الوضع العام الذي يعيشه المصري كل يوم، والناتج عن سياسات عامة فاشلة لكل الأنظمة السياسية، هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن فقدان الثقة في التغيير والأمل.

إن السحق الاقتصادي الذي يتعرض له المواطن المصري يوميا في غلاء الأسعار دون سقف قانوني وتشريعي من الدولة ليحميه، مسؤول بالدرجة الأولى عن إحساس المواطن بالغربة، وهناك الكلمة الشهيرة الخطيرة التي تتردد في جنبات الشارع المصري وتقول عن المسؤولين والأغنياء على حد سواء: "دي بلدهم هما مش بلدنا".

أما عن الوضع الأمني "فحدث ولا حرج" .. فقد أصبح المواطن المصري غير آمنا على نفسه حتى من الجهات المسؤولة عن تأمينه نفسها، بالإضافة إلى تركه فريسة سهلة -يوميا- للبلطجية في الشوارع، وتركه غنيمة ممتعة للنصابين والدجالين، حتى باتت إعلاناتهم تذاع يوميا وباستمرار عبر شاسات الفضائيات، بل وصل الأمر إلى دخول بعضهم إلى مجلس الشعب!!! ثم تطلبون من المواطن أن يكون وطنيا ومنتميا لبلد يشعر أنه غريب فيها، وفي حالة قهر مستمر له.. فكيف ذلك؟؟؟ انتظروا منه الوطنية عندما تغيرون الأوضاع أو تتركون له القدرة على تغييرها، أو عندما يكون خارج البلاد!!