بقلم: صفوت سمعان يسى

إلى صاحب كل ضمير حـي وحس إنساني، وإلى صاحب كل من يمتلك إيمانًا بالله وبالدنيا والآخرة، وإيمانًا بالثواب والعقاب، وإلى كل عاقل في الوطن يؤمن بـ"مصر" والمصريين، إلى كل مواطن يؤمن بالعدل، فالعدل أساس الملك، ويؤمن بالحق، فالعدل والحق هما الله.

 

إن ما جرى للأقباط، ومعهم مجموعة من النشطاء المسلمين، هو مجزرة بكل المقاييس بيد الشرطة العسكرية والأمن المركزي، ومعهم من ساندهم من المتطرفين الدينيين والبلطجية المأجورين ضد مسيرة سلمية ضخمة غير مسبوقة تاريخيًا، وهي خرجت كإحتجاج على أوضاع أقل ما تُوصف أنها مهينة لـ"مصر" قبل أن تكون مهينة للأقباط أنفسهم. وبرغم أنها خرجت بشعاراتها الطائفية بسبب انتهاكات كنائسهم وضرب وقتل أبنائهم بسبب تلك الشعارات، فكان لابد من أن يرفعوها لكي يقولوا للجميع إنه إيماننا ولا يمكن أن نتنازل عنه مهما حدث.. أليس ما يفعله أيضًا المسلمون من التظاهر والإحتجاج غيرة على دينهم بسبب الرسوم المسيئة وحرق المصحف سابقًا؟؟ هل قلنا عليها أنها مظاهرات طائفية عنصرية؟؟!!!.

 

 

ولكن يؤلمني أشد الإيلام أن يحدث كل ذلك الغدر وقتل المتظاهرين السلميين بيد الجيش، المؤسسة الوطنية المفترض أن تحميهم لا أن تقتلهم وتدهسهم، وأن يقوم إعلامها الرسمي بطلب النزول للشارع لإنقاذهم!!، بخلاف نداءات إذاعة المترو لإنقاذ الجيش من.. منْ؟؟.. الأقباط..!!! في تحريض إعلامي سافر لم تشهده "مصر" طوال العقود الماضية، وأن يتعاونوا مع البلطجية والمتطرفين لسحق عظامهم!!!.. وإن لم تكن هذه هي الفتنة الطائفية، فما هي الفتنة الطائفية؟؟؟ وإن لم يكن هذا هو الاضطهاد بعينه، فما هو الاضطهاد؟؟!!!

 

ويصدر من منْ؟؟ الجيش والشرطة.. وهي مؤسسات سيادية بالدولة، خاصة بحماية كل المصريين، لا لتطبطب وتستمع وتنفِّذ لفصيل كل طلباته كأوامر، بينما الفصيل الآخر تنزل عليه بالمطرقة وتسحله لكي لا يفتح فاه مرة أخرى، وتتَّهمه لمجرد طلبه ما ينص عليه الدستور والقانون من حقوق أولية بسيطة، بأنه يلوي ذراعه ويتآمر عليه!!!.. وآخرون قالوا: لقد ارتفعت نبرات أصواتهم وتعالت مطالبهم بحيث يريدون بناء كنيسة في كل مكان، فلابد من إيقافهم عند حدهم!!!.

 

ومنْ يكذِّب كل ما جرى من أحداث دموية مؤسفة، ويسترح ضميره، فليفتح مئات الفيديوهات على صفحة التواصل الاجتماعى، ليرى ما جرى للأقباط بأقل وصف هو "مذبحة طائفية".. قتل، وضرب، وسحل على الهوية.. قتل بسبب كونه "مسيحي"!!!.

 

ومن المحزِ للنفس، والأكثر إيلامًا، هو ممارسة كل ذلك العنف والقتل غير المبرَّر تحت هتاف ولعن "انتم كفرة ولاد كفرة يا كافرين"، والهجوم على المسيرة تحت هتاف "الله أكبر"، وما يعنيه ذلك من فرز طائفي، وكأننا أعداء لـ"مصر" لا مصريين أبًا عن جد!.. يا لله، كيف يحدث كل ذلك بيد الجيش والشرطة، وسابقًا قبلها المؤسسات الدينية الرسمية، المفتي وكذلك شيخ الأزهر كفَّرنا تحت تبرير بأن الشخص الكافر هو الذي لا يؤمن بالإسلام، وبحجة نحن نكفِّرهم أيضًا، بالرغم من أننا لم نتطرَّق لتلك للناحية الخلافية الإيمانية إطلاقًا!!!.

 

 

فإذن ماذا يتبقى للآخرين من باقي الشعب؟ والمجندين من الجيش والشرطة؟ من عامة الشعب غير المدرك لمصطلح الكفر بالمعنى الإسلامي المؤسسي الأزهرب، ولكن يدرك معناه من خطب شيوخ الزوايا بأن من يعتبر "كافر" يستحل دمه وعرضه؟.

 

فمنذ قيام الثورة انهالت علينا دعاوى التكفير والذمية والجزية والهجرة من "مصر" من كافة التيارات الدينية، وكأن الثورة قامت لإعلاء العنصرية وتزكية الطائفية، بعد أن بدأت وطنية وانتهت بكارثية حتى اليوم..!

 

ونظرًا لتكرار الأحداث الطائفية مرارًا بيد أو تحت رعاية مؤسسات الدولة، سواء بالصمت أو السكوت عن عشرات الأفعال الطائفية الموجَّهة تجاه الأقباط، بالرغم من أنهم لم يطلبوا لا رئاسة ولا حزب ولا كرسي ولا أي منصب كبير، أو تكرارها تحت يد الراديكاليين الإسلاميين..

 

وحيث أن مؤتمر المجلس العسكري لم يقل كلمة واحدة مفيدة، وأن عساكره لم يطلقوا طلقةً واحدة، وعرباتهم لم تدهس أحد، وحيث أن الأحداث الطائفية بدءًا من "القديسين" و"صول" و"إمبابة" وضرب رهبان دير عُزَّل بالمدفعية ودهسهم، وقتلى "الأتوستراد" و"منشأة ناصر"، وأحداث "عين شمس"، وإلقاء قبطي من الدور الثالث، وقطع أذن آخر بـ"قنا"، ورفض محافظ قبطي، وانتهاءًا بهدم وحرق كنيسة "إدفو" المرخَّصة، بخلاف عشرات الأحداث الصغيرة.. لم يقدَّم أي متَّهم للعدالة، ولم يُحاكَم أي جاني أو محرض، وإنما كان هناك قانون واحد هو قانون الجلسات العرفية، وهي وصمة عار ليس على من يوافق على عملها، وإنما وصمة عار وسبه للقانون المصري الذي وضع على الرفوف لحين يجد من يطبِّقه!!!.

 

وبناءً على ذلك، نطالب بلجنة دولية للقيام بتحقيق محايد في تلك الأحداث المأسوية، وأن يشترك بها مصريون مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والأمانة والحيادية والوطنية من الشخصيات العامة، على أن تقوم بكشف كل المحرضين والمتواطئين في الأحداث والانتهاكات، على أن تحدد مدة زمنية للتحقيقات، وأن تعلن نتائجها فور انتهائها علنًا، على أن تتَّخذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت أنه شارك أو تورَّط فيها.

 

 

والتساؤل الأخير بناءً على خبرتي الطويلة في العمل الحقوقي: أين دور أجهزة المخابرات العامة والمخابرات العسكرية والأمن الوطني والبحث الجنائي التي كانت تطاردنا وتحاصرنا ليل نهار، إذا عملنا ندوةً أو مؤتمر أو تدريب أو محاضرة، بعشرات الأسئلة، ومن يحاضر؟ ومن يحضر؟ وكشف بالأسماء والمواعيد!!.

 

 

أين كانت تلك الأجهزة قبل وأثناء وبعد المسيرة؟ ألم تصل إليها معلومات أو نما إلى علمها أية مؤامرات حتى يمكن الإبلاغ عليها وإجهاضها قبل تشتعل أو تنفجر؟ وهذا هو دورها الأساسي منع وقوع الأحداث قبل حدوثها، ونجاحها يقاس بذلك وسقوطها يقاس بفشلها في منع ذلك.. ألم ترسل مئات من مندوبيها للتحري والتواجد في المسيرة؟ أم هي تعلم وسكتت؟ أم هي مشتركة سلبًا والعلم عند الله؟.. والله وحده قادر على أن يأتي بحق الضحايا الذين ظُلموا بقتلهم وظُلموا مرة أخرى باتهامهم بالبلطجة!!!.

 

برجاء عدم دفع الأقباط نحو جدار الحائط وضربهم وخنقهم، حتى لا يلجأوا للعنف، وساعتها ستخسر "مصر" كلها لا الأقباط وحدهم.

 

ملحوظات:

التحقيق الدولي– لجنة رفيق الحريري لبنان– لجنة أحداث الغارات على غزة– لجنة أحداث الاعتداء على سفينة مرمرة التركية.