بقلم: د. مصطفى النبراوي
تُقاس قدرة الشعوب على النمو والتقدم بمستوى حيويتها، وتقاس حيوية الشعوب بقدرتها على قراءة المتغيرات المحيطة بها سواء المحلية منها أو الدولية ثم كيفية التعامل معها. تذكرت هذه الحقائق عند مشاهدتي للتجربة الإيرانية وتحرك الشعب دفاعًا عن إرادته وحريته.
نعم.... لا توجد في إيران تعددية حزبية بل تيارات سياسية داخل إطار مرجعي واحد، وبالتالي فإن المرشحين الأربعة لا يمثلون أحزابًا أو حتى أيديولوجيات سياسية بل وجهات نظر مختلفة داخل ثوابت متفق عليها.
نعم...... النظام الإيراني نظام ديني بمعنى أنه محكوم بمرجعية أو ثوابت دينية كولاية الفقيه، فولاية الأمة بيد الفقيه أو المرشد وليس بيد الرئيس أو أي من المؤسسات المنتخبة، والفقيه لا يخضع للانتخابات بل يتم تعيينه ضمن آليات معقدة ويستمر مدى الحياة وشرعيته فوق كل الشرعيات الأخرى وله سلطات دينية وزمنية وتتجسد سلطته من خلال: مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام اللذان يرجعان مباشرة له نظرًا لسلطته الكبيرة في تعيين أعضائهما وعزلهم.

نعم...... لا يجوز لشخص من غير الطائفة الشيعية التقدم للانتخابات الرئاسية كما أن المرشح يجب أن يتمتع بمواصفات تتوافق مع شروط دينية يحددها المرشد الأعلى ومجلس المحافظة على الدستور، لذلك تم انتقاء أربعة مرشحين من بين 470 تقدموا للترشح لمنصب الرئاسة.
نعم...... بالرغم مما تقدم فإن التنافس الشديد بين المرشحين والنسبة الكبيرة للمشاركة في الانتخابات تفوق 70% وخصوصًا الشباب ومشاركة النساء حيث تظهر الإحصاءات أن نسبة مشاركة النساء تفوق الرجال، تدل على الرغبة في التغيير وخصوصًا على مستوى السياسات الداخلية. فمن تابع الحملات الانتخابية وما رُفع بها من شعارات سيلاحظ بأنها تركز على شئون داخلية كالفقر والبطالة والحريات الشخصية والثقافية والفساد.
نعم...... وبالرغم من السخونة التي شهدتها الحملات الانتخابية بين المنافسين جميعهم وأنصارهم أيضًا إلا أن عملية التصويت مرت بهدوء شديد دون أحداث عنف أو اشتباكات ومع إعلان كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي عدم اعترافهم بنتائج الانتخابات... وتبعهم الرئيس الإيراني السابق المُعتدل محمد خاتمي. خرجت مظاهرات تعم شوارع طهران رافضة وتدعو إلى سقوط الاستبداد.

وجدير بالذكر أن عدد الناخبين الإيرانيين يصل إلى حوالي 39 مليونًا و165 ألفًا و191 صوتًا فاز أحمدي نجاد بأكثر من 62%  ليحصل على 24 مليونًا و527 ألفًا و516 صوتًا في حين حصل أقرب منافسيه مير حسين موسوي على نسبة 33.75% بعدد أصوات 13 مليونًا و216 ألفًا و411 صوتًا، وفاز بالمركز الثالث محسن رضائي بنسبة 1.73% ليأتي مهدي كروبي في المركز الرابع والأخير بنسبة 0.85 من جملة الأصوات.
نعم......  إن كانت الانتخابات في إيران لا تعني وجود ديمقراطية بمفاهيمها ومرتكزاتها الليبرالية الغربية إلا أنها تؤسس لديمقراطية موجهة أو تحت الوصاية، وهذا النمط من الديمقراطية مرّت به غالبية الأنظمة الديمقراطية في بداياتها إلا أن هامش الحرية والتعددية في إيران مازال أقل والوصاية أشد.
نعم...... وجود مرجعية وشرعية أعلى من مرجعية وشرعية إرادة الأمة المُعبر عنها من خلال انتخابات نزيهة هو الخلل الإستراتيجي في الديمقراطيات الموجهة والأبوية حيث القرار النهائي ليس للأمة من خلال انتخابات حرة وغير مشروطة بل بيد مرجعيات تنصب نفسها صاحبة ولاية على الأمة. لذا لا نستبعد صحة ما ذهب إليه المرشح مير موسوي من وجود تلاعب وتزييف وتوجيه للأمور من طرف المرشد الأعلى لإنجاح نجاد.
نعم...... أن الانتخابات الإيرانية بالرغم مما شابها ومن خضوعها لمرجعيات غير ديمقراطية، إلا أنها تمثل حالة تستحق أن يتوقف عندها المفكرين والكتاب المهتمين بالديمقراطية بشكل عام، وبالتحولات الديمقراطية في العالم العربي، ذلك أن ما بين الاستبداد المطلق والديمقراطية المثالية أو الكاملة درجات من التنمية السياسية والانتقال الديمقراطي يجب المرور عليها.
أن القدرة التي أظهرها الشعب الإيراني في الدفاع عن إرادته التي منحها لمرشح المعارضة "موسوي" رغم كل القيود والبطش التي تمارس عليه.... سوف تكسبه تقدير واحترام شعوب العالم الحر وتعطي للشعوب المغلوب على أمرها الأمل والقدوة.
 أن الشعوب قد تتوقف عن النمو... قد تتجرثم... لكنها لا تموت.
 أن الاستبداد دائمًا إلى زوال.
 أن طلب الحرية يبدأ دائمًا بعشقها.
 أن الحرية والديمقراطية ليست هبه ولا منحة.
 أن الحرية والديمقراطية دائمًا استحقاقاتها داخلية، وأن العامل الخارجي يلعب دور المشجع فقط.
 أن يكون هناك دائمًا البديل الجاهز سواء فيما يتعلق بالأشخاص أو السياسات.
هل تستوعب الشعوب العربية درس الثورة الخضراء في إيران؟؟؟