بقلم: د. مصطفى النبراوي
سؤال لأمانة سياسات الحزب الوطني
- أتوجه هذه المرة بهذا الخطاب إلى أمانة سياسات الحزب الوطني -إيمانًا بدورها الهام والمتصاعد على مستوى رسم السياسات وتوجيه الحكومة– وأبدأ بسؤال العنوان.. أين يقع إصلاح الجامعة على سلم أولوياتكم؟ فللأسف الشديد في كل مرة يتولى أمر الوزراة المختصة بالتعليم العالي وزيرًا جديدًا تُطرح رؤى جديدة ووسائل جديدة للتطوير، ورغم ذلك فإن الواقع يؤكد أن الخدمة التعليمية الجامعية في تدهور مستمر ووصلت إلى حدها الأدنى، فالحقائق تؤكد أن الجامعات المصرية دون استثناء خارج المنافسة لعدم القدرة. فعلى مستوى الدائرة العربية تأتي الأردن في مقدمة الدول التي تقدم خدمة تعليمية جامعية متقدمة، وعلى مستوى الدائرة الأفريقية تأتي دولة جنوب أفريقيا في مقدمة دول القارة. الجامعة المصرية خارج المنافسة.. بعد أن كانت في خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي تتوازى إن لم تكن تتقدم على بعض جامعات أوروبا وكانت المسافة بينها سواء على مستوى أعضاء هيئة تدريسها وطلابها وإنتاجها العلم وبين جامعات المرتبة الأولى في أوروبا لا تزيد عن خمس أو عشر سنوات تقدم علمي، الآن وصلت المسافة إلى أكثر من المائة عام أن لم تزيد.

- أعتذر عن هذه المقدمة السوداء، وعذري أنها الحقيقة التي تؤكد على أن كل خطوات التطوير والإصلاح التي تأتي مع كل وزير جديد لا تصب في خانة الإصلاح الحقيقى للجامعة، ولذلك أناشد أمانة لجنة السياسات إذا كانت تسعى إلى تحديث ونهضة مصر وتتطلع للعب دورًا أكبر في التخطيط لمستقبل مصر أن تبدأ بالجامعة لكونها تمثل قاطرة المجتمع فهي أنسب دوائره لتفعيل خطوات الإصلاح الحقيقي بحيث تكون عناصرها سواء (هيئة التدريس - طلاب – إداريين) نواة حقيقة مؤمنة وداعية لنهضة مصر مرة أخرى. فالجامعة ركن أساسي وجوهري في عقل الأمة وضميرها، فهى البوتقة التي تخرج منها الرؤى والأفكار والأبحاث في فروع المعرفة كافة.. وقد أثبت التاريخ الحديث أن تقدم الأمم مرتبط بالمستوى العلمي لجامعتها.
* إنني من الفريق الذي يؤمن بأن النقد الذاتي أحد أهم قيم الديمقراطية وأول خطوة على طريق التغيير والإصلاح وأن نشر وشيوع هذه القيمة في مجتمعنا سوف يقربنا كثيرًا من تحقيق الحَلم، وعلى يقين من أن إصلاح الجامعة إصلاح كامل وشامل يُعد من أهم مفاتيح الإصلاح العام. لذلك أرى أن الخطوة الأولى في العلاج الناجع هي تشخيص المرض ثم تأتي الخطوة الثانية وهي العلاج الذي يشفي من المرض ولا يسكّنه فقط.

ما هى أبعاد الأزمة:
في تقديري أن أزمة الجامعة والبحث العلمي في مصر ترجع إلى نوعين من المشاكل:
1- مشاكل إدارية
2- مشاكل مهنية أو فنية.

أولاً: المشكلة الإدارية وتداعياتها:
من بديهيات الإدارة العامة أن الأداء الفعال لأي مؤسسة مرتبط أساسًا بمدى توافر هيكل إداري مؤهل وواضح ومستقر، والواقع الجامعى لدينا للأسف الشديد يفتقر لذلك.
أهم صور هذه المشكلة:
1. المؤهلات التي على أساسها يتم اختيار القيادة الجامعية لجميع مستوياتها (رئيس الجامعة ونوابه / عميد الكلية ووكلائه)، حيث تأتي في مقدمتها الولاء الأعمى للرئاسة الأعلى، فغالبية القيادات تفتقد إلى الرؤية الإستراتيجية الواسعة لإدارة الموقع وعدم الرغبة في الإجتهاد والتجديد والتغيير–بل العكس هو القائم- استسلام للأمر الواقع حفاظًا على الاستقرار المصتنع الهش ومنعًا للتوتر الذي قد يصاحب عمليات التغيير، والهدف الأول دائمًا هو استمرار القيادة في موقعها بغض النظر عن تدهور وحدة العمل.
2. السلطة المطلقة للقيادات وسيادة المؤثرات الشخصية وتنحي الموضوعية في اتخاذ القرار. تؤدى في الغالب إلى صدور قرارات يجانبها الصواب وفى بعض الأحيان متضاربة.
3. انشغال القيادات العلمية بالمسائل الإدارية اليومية مما يؤثر على رؤيتها الشاملة للعملية التعليمية والبحثية بالإضافة إلى أن أغلب القيادات غير مؤهلة علميًا بفن الإدارة.
4. تعاظم سلطان مركزية الجهاز الإداري على اتخاذ القرار مما يؤثر بالسالب على حرية الحركة العلمية سواء على مستوى القسم أو الكلية.
5. إنخفاض مستوى دخل عضو هيئة التدريس وما له من تأثير سلبي على تفرغه للعطاء التعليمي والبحثي، ودفعه إلى البحث عن وسائل أخرى لزيادة دخله والتي قد يكون بعضها مُهين لمقام عضو هيئة التدريس.

ثانيًا: المشكلة الفنية وتداعياتها:
1. عدم وجود توازي بين نظم التعليم الجامعي وخطط التنمية، وكان نتيجة ذلك أن سوق العمل يعاني فائضًا أو نقصًا كبيرًا في نوعيات مختلفة من الخريجين وهي نتيجة مباشرة لنظام القبول المعمول به في الجامعة.
2. مناهج التعليم وطرق التدريس التي لا تواكب التقدم العلمي ومعدله بل في بعض الأحيان لا تتلائم مع الواقع المعاصر. والتي تصنف تحت نوعية التعليم العام وسيادة ثقافة الذاكرة التي تفرّخ خريجين يفتقرون إلى التدريب والتخصص والإبداع.
3. تعدد وازدواجية المؤسسات التعليمية والتباين فيما تقدمه من خدمة تعليمية. (الجامعات الحكومية – الكليات التي تدرس باللغة الأجنبية داخل الجامعات الحكومية - الجامعات الخاصة – الجامعة الأمريكية – فروع الجامعات الأجنبية في مصر – الجامعة الفرنسية - الجامعة الألمانية – الجامعة البريطانية)، وهذا بالضرورة يؤدي إلى تعميق الفئوية والتمايز الذي يفقد التعليم غايته الأساسية وهي تكوين المجتمع المتعلم المتماسك ثقافيًا والمتجانس في وحدته البنائية.
4. التوسع الغير مدروس في التعليم الجامعي والأهتمام بالكم وليس الكيف دون النظر إلى احتياجات التنمية. بل أن بعض هذه الكليات لا يتوافر لها شروط الصلاحية مثل (المكان المناسب – أعضاء هيئة التدريس – المكتبة – المعامل)، وفى الوقت نفسه تضاءل فرص نظم التعليم الأخرى الموازية للتعليم النظامي مما يشكل عبء ثقيل عليه.
5. ضعف الميزانية المخصصة للتعليم والبحث العلمي سواء بالمقارنة بالدول المتقدمة أو بدول الجوار، مما يؤثر بالتالي على مستوى الخدمة المقدمة والمستوى العلمي الدقيق للبحث، وإن كنا لا ننكر التزايد المطرد في ميزانية التعليم والبحث العلمي في السنوات الأخيرة إلا أنها ما زالت بعيدة عن المتوسط العالمي.
6. الخلل في توزيع القوى البشرية من العاملين في قطاعات البحث العلمي، حيث تتركز النسبة الكبرى (73.25) في قطاع التعليم العالي وانخفاضها في قطاع الإنتاج (13.43) وقطاع البحث العلمي (13.32)، وهي نسب مخالفة لما هو كائن في البلدان المتقدمة حيث تزداد النسبة في قطاع الإنتاج عن باقي القطاعات.
7. نظام التكليف المتبع في تعيين المعيد والمدرس المساعد والإعتماد فقط على التفوق العلمي كأساس للتمييز، وكذلك نظام التعيين الآلي لعضو هيئة التدريس وهي أنظمة عقيمة لا تفرز بالضرورة الأكفأ والأصلح.
8. غياب أو ندرة الإبداع لدى المعلم والمتلقي وتفشي الأمية الثقافية في المجتمع الجامعي، وهذا يرجع في تقديري إلى كثرة المحرمات الثقافية والعلمية وغياب العقل الناقد، فالعقل الناقد ضروري لاقتحام هذه المحرمات وهو أيضًا مفجر لملكة الإبداع.
9. انحصار المساحة المخصصة للدروس العمليه المعملية، وبالتالي تنحصر العملية التعليمية (إن وجدت) في تراكم معرفي نظري يعجز حامله على تطبيقه وما يمثله هذا من إهدار للزمن والاستثمار.
10. سيادة ما يُعرف بالكتاب الجامعي (المذكرات) واختفاء "الكتاب الأم"، وما يتبع ذلك من تحديد وتحجيم المعرفة وتعظيم ثقافة الذاكرة وإعاقة نمو ثقافة الإبداع، وما تبعه من استسلام المتلقى لما يُقدم له على الرغم من أنه هو الخاسر الأول.
11. تواضع مستوى المكتبات وقلة الجيد منها سواء على مستوى القسم أو الكلية في معظم الجامعات. وهذا بالتالي يعيق التواصل والإتصال بالمعرفة.
12. انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وتداعياتها السلبية على بناء شخصية الفرد والمجتمع.

13. فيما يتعلق بالبحث العلمى: بدايةً هناك عوامل محددة Limiting factors لقيام بحث علمي حقيقي وهي: 1- قدرة فكرية أبداعية. 2- مناخ أكاديمى عام ملائم لنمو واستمرارية البحث العلمي. وفي تقديري أننا نعانى عجزًا شديدًا في هذان العاملان وخصوصًا العامل الثاني.
ومن أهم مشكلات البحث العلمي:
* تضاءل قيم السؤال والشك والبحث والتجريب في المجتمع.
* أنه بعيد عن مشكلات المجتمع واحتياجاته.
* غياب التنسيق بين المراكز البحثية المختلفة.
* عدم تفعيل قيمة الميزة النسبية التي يمكن أن تتمتع بها مصر عند التخطيط للبحث العلمي.
* ضعف التمويل وعدم استمراريته.
* غياب حرية البحث العلمي وحصانته وخصوصًا فيما يتعلق بالإبداع الفكري.