بقلم: إسماعيل حسني
يبدو أن السلفيين قد أخطئوا في قراءة ثورة 30 يونيو فتصوروا أن الشعب المصري قد ثار على الإخوان المسلمين الذين حاولوا استعباده باسم الدين ليسلم أمره إلى غيرهم من وكلاء الله على الأرض.
 
لقد ثار الشعب على الإخوان عندما تأكد أنهم ليسوا سوى عصابة من الأفاقين تخفي شبقها إلى السلطة خلف شعارات دينية زائفة، وأن ما وعدوا به من حلول إسلامية وقرآنية للمشكلات المستعصية كان محض نصب واحتيال.
 
يجب أن يدرك السلفيون أن سقوط الإخوان قد أسقط معهم كافة العلامات التجارية التي ابتدعها الإسلام السياسي لابتزاز مشاعر الناس الدينية من أجل الوصول إلى السلطة، وأن الشعارات الدينية الجوفاء مثل الإسلام هو الحل والدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله والحكم بما أنزل الله والاقتصاد الإسلامي والمجاري الإسلامية وغيرها لم تعد تنطلي على أحد، بل أصبحت تستفز مشاعر الناس ولا يرون فيها غير دجل وتنطع وافتئات على دين الله.
 
لقد أثبتت سنة كاملة من حكم الإخوان أن السماء لم ولن تمطر حلولا سياسية واقتصادية، وأن المشكلات الأرضية لا يمكن حلها إلا بالعلم والعمل والتضحية، وأن دور الدين في النهضة هام وجوهري ولكنه يجب أن يظل بعيدا عن أروقة السياسة، ليقوم بإتمام مكارم الأخلاق، وترقيق القلوب، وإعداد النفوس للتعايش والبذل والعطاء.
 
فإذا كان السلفيون حقا يعملون من أجل الدعوة إلى الله كما يدعون فأولى بهم أن يعودوا إلى المساجد ويعملوا على إزالة آثار العدوان الإخواني على الدين والأخلاق، وأن يتفرغوا للتصدي إلى ظواهر التشكك والإلحاد التي بدأت تنتشر في المجتمعات العربية خاصة بين صفوف الشباب كرد فعل مباشر للبلطجة الإخوانية باسم الدين.
أما إذا كانت السلطة هي الهدف، وأصر السلفيون على ممارسة العمل السياسي، فينبغي أن يمارسوه على أرضية مدنية سياسية تهتم بمصالح الناس وقضاياهم الحياتية، وليس على أرضية دينية يفرضون من خلالها الوصاية على الشعب باسم الدين.
 
وهذا ما لا يستطيع السلفيون أن يفعلوه لأنهم مسكونون بأيديولوجية دينية معادية لحرية الإنسان وحقوقه تدفعهم إلى البلطجة وفرض أفكارهم وأحكامهم الدينية على الناس بقوة السلاح أو بقوة القانون والبوليس كما تفعل العصابات الإجرامية والدول الفاشية.
 
إن مواقف السلفيين هذه الأيام تؤكد أن إغراء السلطة قد أزاغ بصرهم، وأعمى بصيرتهم، ويسوقهم إلى ارتكاب نفس الأخطاء التي كلفت الإخوان نظامهم وتنظيمهم وقريبا جدا رقاب قياداتهم. فهم لا يعملون على التآلف مع القوى الثورية التي أطاحت بالإخوان والتعاون معها من أجل إعادة بناء الدولة وتنشيط دولاب العمل والإستثمار، بل يسعون لسرقة ثورة 30 يونيو كما سرق الإخوان ثورة 25 يناير، ثم الإستيلاء على السلطة بدعم القوى الأجنبية التي استطاعت بنفوذها وأموالها رفع الإخوان إلى عنان السماء ولكنها لم تغني عنهم شيئا حين أسقطتهم الإرادة الشعبية.
 
إن السلفيين يقدمون أنفسهم اليوم لأمريكا والسعودية على أنهم البديل الجاهز للإخوان، وأنهم قادرون على تنفيذ المهام التي فشل الإخوان في تنفيذها من احتواء فصائل الإسلام السياسي، وحماية أمن إسرائيل، وبيع سيناء، وإعداد المنطقة للإشتراك في المغامرات العسكرية الأمريكية القادمة، هذا فضلا عما يقدمونه من خدمات جليلة للنظام السعودي مقابل ما ينفقه بسخاء على الكثير من الجماعات السلفية كالحيلولة دون قيام دولة مدنية حديثة في مصر تحرج هذا النظام وتفتح عليه أبواب التغيير، ناهيك عن فتح أسواق مصر على مصراعيها للمستثمرين السعوديين بدلا من حلفاء الإخوان القطريين.
 
إن لم يتعظ السلفيون بما حاق بأبناء عمومتهم المأسوف على جماعتهم، وأصروا على البلطجة، وفرض خزعبلاتهم الأيديولوجية على الناس، وعرقلة مسيرة الثورة بتشويه رموزها المدنية، والتمسك بمواد دستور 2012 الفاشي، فسيلحقون بالإخوان في قائمة أعداء الشعب وفي مزبلة التاريخ. 
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وعلى نفسها جنت براقش.