بقلم : شريف إسماعيل

لقد هالني واستوقفني شراسة الموقف الامريكي من ثورة يونيو،  فقد كان موقف متعنت وملفت للنظر ومحل اندهاش، فهم يرون و يسمعون ما يريدون أن يرونه فقط، بالرغم لمخالفته للواقع والحقيقة ،فحجم معارضة واشنطن ضد الثورة  وغضبهم عليها  مستمر حتي ألان، وحجم التحريض الغربي ضد مصر،  وسرعة اتخاذ القرارات العقابية ضد الحكومة ، أمر ملفت للنظر، والإسراع  بوقف  المعونات و وقف التعاون مع مصر، كان أمر مستغرب.
 
 فمن الواضح ان الغضبة ضد مصر  كانت أكبر بكثير من  كونها ثورة ضد مرسي يرغب الغرب في رؤيتها انقلاب، فالمواقف التي اتخذتها واشنطن والاتحاد الأوروبي  كانت غير مبررة ، واذا كنا نتكلم عن الشرعية، فلماذا فمثل هذا التحرك لم يتخذ لدعم مبارك؟ بل طلبت  منه ان يعتزل الحكم .
 
انها  تطبيق لسياسية ازدواجية المعايير، والتساؤل ألان:لماذا التمسك بمرسي؟ وهل الأمريكان حريصين علي مصلحة مصر أكثر من الشعب المصري؟
نحن أمام معادلة سياسية تتكون أركانها من النوايا  أو الأهداف  والمعطيات و النتائج،  فحتي نصل الي تفسير مقنع  يوضح حقيقة الموقف الأمريكي  وأبعاد التحرك الأوروبي، فيجب  علينا ان نحلل تلك المعادلة ،  لنقف علي حقيقة  الموقف فمن كان يبتز من؟ 
 
النوايا أو الأهداف
بداية المشهد ظهرت عندما خرجت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في ٩ أبريل ٢٠٠٥ بتصريح لواشنطن بوست أعلنت فيه عن سياسة جديدة للرئيس بوش  تجاه الشرق الأوسط  ، بهدف دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان و حماية حقوق الأقليات ،وذلك من خلال نشر الفوضي الخلاقة وبناء شرق أوسط جديد .
 
هذا التصريح يتزامن مع بداية العلاقات الأمريكية مع الاخوان ، والتي بدأت في نفس العام بلقاءات كانت تتم بشكل سري في جينيف.والسؤال هنا لماذا اختارت أمريكا التحالف مع الاخوان ؟ 
 
"تأصيل علاقة الاخوان بالغرب "
فمن المعروف ان  بريطانيا هي الدولة الأقدر بين دول الغرب علي فهم الفكر العربي  والتعامل معه،  وان المخابرات الانجليزية هي  أول من أسست نظرية الإسلام السياسي، بهدف خدمة أهدافها،  بل و أول من  قدم الرعاية لجماعة الاخوان المسلمين، خاصة وان العالم العربي متدين بالفطرة و يسهل التأثير علية، والوصول إلية عبر بوابة الدين ، ومن هنا كان خيار بريطانيا  وقرارها ، برعاية جماعة الاخوان المسلمين،
 
وقد جاء بوثائق الخارجية البريطانية والتي أفرج  عنها مؤخرا، بعض الحقائق التي توضح أسباب رعاية المخابرات الانجليزية للاخوان، فقد أشارت  الوثائق الي أن فكرة الإسلام السياسي  اعتمدتها المخابرات البريطانية كمنهج سياسي  و وظفته بالشرق الأوسط ، بهدف مواجهة أية  مخاطر أو تطورات قد تطرأ علي الأوضاع السياسية ويمكن ان تهدد مصالح بريطانيا ، و اعتبرت ذلك الأسلوب هو الأمثل والفعال والقادرة علي مواجهة  فكرة القومية العربية أو النظام الاشتراكي أو الفكر الشيوعي  أو النفوذ السوفيتي بالشرق الأوسط .
 
هذا بالإضافة الي  أن وجود الجماعة ككيان مجتمعي سياسيي ، قادر علي مواجهة نفوذ الأحزاب السياسية و الحكومات و يمثل تهديد مباشر لأي حاكم في حال لجؤ الجماعة الي العنف و الفوضي داخل البلاد، كان هذا هو  مضمون  ما جاء بالبرقيات الشفرية للخارجية البريطانية، والتي أوضحت لماذا اختارت بريطانيا جماعة الاخوان المسلمين كحليف استراتيجي دعمته بالمال و النفوذ ووفرت له الحماية عندما أطاح  بهم الرئيس عبد الناصر، ومن هنا  بدأ الأمريكان  التحرك من حيث توقف حليفهم الانجليزى، فقد اتبعت الولايات المتحدة  خطي الإنجليز  و نفس الخطة، لضمان مصالحها بمنطقة الشرق الأوسط،  بل  وطورت هذه الخطة من خلال توظيف التيار الإسلامي للحرب بالوكالة لصالح  الولايات المتحدة .   
 
" المعطيات و تحليل المضمون ".
لقد استثمرت واشنطن لهفة الاخوان في فتح قنوات اتصال معهم ووظفوا تلك العلاقة لدعم موقفهم بمصر،  وتمهيدا لدور مستقبلي للتنظيم الدولي للجماعة في محيط العالم العربي،  حيث  بدأت العلاقة تتوثق بعد مبادرة  من الدكتور سعد الدين أبراهيم و القريب من دوائر القرار بواشنطن ، والذي مهد الطريق لأول لقاء بين الاخوان و الإدارة، وقد نجح الاخوان في  إقناع واشنطن وفى تسويق نفسهم كظهير سياسي  و كحليف استراتيجي لأمريكا،  يمكن الاعتماد علية في تنفيذ سياسات واشنطن بالشرق الأوسط ، وهو ما دفع أدارة بوش للضغط علي نظام مبارك  للسماح للاخوان بدخول الانتخابات، حيث  تولت مباحث أمن الدولة  التنسيق مع الإرشاد علي عدة أمور، منها الدوائر التي سيدخل فيها الاخوان و شكل المعارضة،  والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، وقد وافق الاخوان علي شروط ،  ودخلوا انتخابات ٢٠٠٥ وحصدوا ٨٨ مقعد، وقد كان من الملفت للنظر حجم الدعم الذي والته واشنطن للإخوان  في ذلك الوقت  بالرغم من كونهم جماعة سياسية محظورة،  سواء من خلال تصريحات مباشرة من واشنطن تؤيد مواقفهم  أو من خلال اجتماعات و زيارات السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي  للمرشد أو  الاجتماع بنواب الاخوان ، فضلا عن الدعاوى التي تلقاها قيادات الاخوان لزيارة واشنطن و الاجتماع بأعضاء الكونجرس و المنظمات اليهودية ، وبشكل تدريجي أصبح الاخوان يمثلون شوكة في خصر الحكومة، و ورقة في يد الإدارة تضغط بها علي مبارك. 
 
" الوعود و الالتزامات "
منذ اليوم الأول لثورة ٢٥ يناير، وقبل مشاركة الاخوان في الثورة ،بدأت الاجتماعات بين الإرشاد و السفيرة الأمريكية ، وترتيب لقاءات  لقيادات الجماعة  مع مسئولي الإدارة سواء بالقاهرة أو بواشنطن ، بهدف  الوقوف علي فكر  ورؤية الاخوان  للمرحلة المقبلة  و الضمانات التي يمكن ان تحصل عليها أمريكا مقابل تمكين الاخوان من الحكم و كان أهم هذه الضمانات، هو التعهد بتنفيذ مخطط واشنطن لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط و القبول بتقسيم مصر وفق هذا المشروع الي دويلات إسلامية و تحوز علي نسبة٤٠٪ من مساحة مصر الكلية و الي  دويلة مسيحية تحوز علي حوالي نسبة ٢٠٪من مساحة مصر بأجمالي ثلاثة محافظات في صعيد مصر ، ولها ميناء بحري علي البحر الأحمر.
 
هذا بالإضافة الي دولة نوبية متصلة بنوبة السودان علي أن يستقطع جزء من الحدود السودانية  لصالح هذه الدولة، مقابل تنازل مصر عن حقها في حلايب و شالتين، أما الكيان الرابع فهو بدو سيناء والذين سيمنحوا حق الحكم الذاتي لمدة خمس سنوات، ثم  حق تقرير المصير،  و يخيروا فيه بين أما  بالبقاء علي وضعهم أو العودة للوطن الأم، هذا بجانب أقرار الجماعة القبول بنظرية الحلول الغير تقليدية لإقرار السلام  بين إسرائيل و الفلسطينيين و المتضمن الإقرار بمبدأ تبادل الأراضي و زيادة مساحة غزة علي حساب مدينتي رفح و الشيخ زويد  بسيناء، هذا بجانب ملف السيطرة علي حماس وتطويع المسار الفلسطيني الإسرائيلي و الحفاظ علي كامب ديفيد . 
 
" الخلاصة "
كل هذه الالتزامات أقرها مكتب الإرشاد من أجل الوصول لحكم مصر،  وهي أيضا التي دفعت الإدارة الأمريكية لان تضغط علي مبارك للتنازل عن الحكم، وهي لنفس الأسباب دعمت مرسي ووقفت وراء الاخوان في محاولات مستميتة لضمان دور للجماعة حتي بعد سقوط مرسى، فجماعة الاخوان المسلمين هم مشروع واشنطن للفوضي الخلاقة و الشرق الأوسط الجديد و الذي يهدف الي تقسيم العالم العربي الي كيانات مذهبية وعرقية و طائفية، وبما يضمن دخول المنطقة العربية الي دائرة التطاحن و الصراع  من جهة، ويضمن إعلان الدولة اليهودية من جهة أخري.
 
وبعد تهيئة المناخ السياسي لذلك، يمكن أن نصل الي حل هذه المعادلة والي حقيقة  فهم: وهي أن الأمريكان كانوا يبتزوا مبارك بالإخوان.