نانا جاورجيوس
صباح الخير يا مودام، صباحك نور يا أم أحمد، والنبي يا مودام بقالي كام يوم مش عارفة يغمض لي جفن، كل ما أفتكر جوزي إللي طفش مع جارتنا من كام سنة ولا عاد بيسأل عني ولا بيعرف ولاده والسنين بتجري والعيال بتكبر. الواد أحمد دخل الجيش ومصاريفه زادت علىّ، لولا مِشنِّة العيش دي والكام كيلو زبدة على الجبنة القريش إللي بأجيبهم من البلد و بأقعد بهم كل يوم مكنتش عرفت أسد جوعهم بالعيش الحاف. البت عبلة بنتي على وِشْ جواز وأنتِ عارفة إن المحاكم حبالها طويلة ومعنديش فلوس أرفع قضية نفقة. ولا عُدتُ حتى أعرف لجوزي عنوان، بعد ما قطع زياراته عنا ولا عاد يعرف العيال ولا حتى بيحن عليهم بنظرة، أصله سابنا و راح يعيش مع السِت إللي بيعرفها بحجة أنها وحدانية ومحتاجة لراجل يحميها، ليكسب فيها ثواب. طب بذمتكِ يا أبلة مأنا أهو من غير راجل ولا عمري طلبت حماية من حد، طب يحميني من إيه ومن مين، ده الحامي ربنا. آل يحميها آل ! يحميها مقابل أن تمنحه نفسها، وهي فاكرة إنها منحته أغلى ما عندها. هو مش عارف إن السبب إللي خلاه يعرفها هو نفس السبب إللي خلّى غيره يوماً يعرفها ولنفس السبب، إللي سبقه  عرفها برضو بدعوى حمايتها من باقي الرجال ! أنا متعلمة ومعايا إعدادية وأعرف إن الست مش بس جسم يأكله الرجل وبعدين يرميها وهو فاكر أنها منحته أغلى ما عندها، وللّا إيه رأيكِ يا أبلة ؟
 
- كلامك صحيح يا أم أحمد، جسد المرأة أرخص ما تملك حين تمنحه. لأنها تملك ما يفوق اللالئ والجواهر ثمناً. المرأة هي من تمنح عالم كامل يموج في ذاتها، في كينونتها المصانة وليست المهدرة، في حواسها وأحاسيسها، في قلبها وعاطفتها، في أمومتها و ضعفها، تمنح كيانها بسخاء بما يحمله من مشاعر حيّة نابضة ،منسكبة تفيض حلاوة كالشهد وأحلى كلما إنحنت كشجرة على مجرى عذب، كلما علت أمواج بحر الحنين لوطن بأكمله. قد تتناثر رائحة الأدخنة حولها حد أن تدمي قدميها كلما ثقلت عليها قسوة العيش في ليالي الوحدة و زمهريرها، المرأة لا تحتاج لأكثر من دفء الأمان كي تفيض بسخاء وهذا هو عطائها الحقيقي أن تعرش عنابتها بنشوة أفراح لا تنتهي على أسرتها و مجتمعها. تنفخ فيهم من روحها لتفتح الأبواب المنغلقة فتلون الحياة، شريطة ألا يكون المجتمع ذكوري يرها مستضعفة وبنصف رجل، فإن رآها الرجل هكذا فممن سيحميها ؟

فالجسد تملكه كل إمرأة وأي إمرأة حتى نساء الملاهي و الشوارع الليلية. هذه الحقيقة قد تدركها المرأة أو لا تدركها، وإن أدركتها أحيانا يصبح من الصعوبة أن تبوح بها بعض من اللواتي تتصف بالسطحية الفكرية. فجسدها في نظرها هو أغلى ما تملك بل كل ما تملك، فماذا تبقى لها بعدما منحته؟! أما المرأة الحُرة فهي تدري أن قيمتها في فكرها وما تمنحه من قلبها وتفيض به من روحها فهي تفيض بكل غالي وما يفوق ثمنه جسدها الذي إنتهكته الذكورة الفارغة.

ريَّحتي قلبي الله يريّح قلبكِ يا أبلة، كلامك فكرني بأغنية عبـ الوهاب: وعشق الروح ملوش آخر لكن عشق الجسد فاني. هو أنا مقلتلكيش، جارنا المسيحي أبو ميشيل، جارنا من زمان أوي ، يجي كده من ستة وأربعين سنة، فتحت عيني عالدنيا وهو جارنا، طولة العمر ليكِ مات من كام يوم، ومن ساعتها وعيني مش عايزة تبطّل عياط عليه، والنبي يا أبلة لو جرالي حاجة ومُتْ، أمانة عليكِ تمشي في جنازتي وتخلي بالك من العيال. بعد الشر عليكِ يا أم أحمد ربنا يخليكِ لعيالك لحد ما تشوفي ولادهم، هو حد عارف مين هيموت قبل مين ؟.

ده كان حديث الصباح، وقصة أم أحمد بياعة الخبز، تلك المرأة التي أدركت أنها كإمرأة هي سِر الحياة حتى وهي في أقسى أيامها و شظف الحياة.