بقلم: عـادل عطيـة
   يأتي فصل الشتاء في موعده؛ ليصل بين نهايات عام يمضي، وبدايات عام يجئ!

   يأتي للناس المتشوقة إلى حكايات آتية من الضباب الأعلى!

   .. عن برده، الذي بلون ندفات الثلج، ينسل بهدوء وسكينة كزغب النبتات الشائكة، وينساب في دواخلنا؛ فنلتقي وعائلتنا. ونلتئم في دفء العاطفة المتيقظة!
   .. وعن غيماته، التي من خلالها، تنطلق الألوان العجيبة الساحرة المنبثقة من ارتشاح نور الشمس!

   .. وعن قطرات مطره المبتهجة المتهللة، وهي تعطي لتراب الأرض رائحة أكثر ادهاشاً من العطر، وأشبه ما تكون برائحة الحياة المتجددة، بل أكثر روعة!
   فنكتشف في النهاية، أنها قصتنا العتيدة، والمشتركة بيننا!

   يأتي الشتاء، وعندما تلمسنا بلوراته البيضاء الندية ؛ نستعيد ذكريات طفولتنا البريئة، وكل صفاتها الجميلة التي ننساها في خضم مشاغلنا، وتطفو أهازيجنا العاطفية الحالمة على مرآته، وقد استطارنا الفرح!

   يأتي الشتاء؛ ليغسل بزخاته الفياضة النقية: بيوتنا، وأشجارنا، وطرقاتنا، وكل معالمنا العارية؛ ليحفزنا بلغته المهيبة السامية، أن ننظف ـ بكل إرادة صالحه ـ: قلوبنا من تلوثات الماضي.. وعقولنا من الأفكار الرديئة.. وعيوننا من سواءات الآخرين!

   يأتي الشتاء؛ فهل نترك لأمطاره الطيبة الفرصة لمواصلة رسالتها النقائية؛ فتأخذ في طريقها كل أتربتنا المتناثرة، التي لوثت طبيعتنا الحسنة إلى مصارف النهائية، قبل أن نصير طيناً أخلاقياً، ووحلاً؟!

   يأتي الشتاء؛ ليسقي بغيثه المبارك، أرضنا العطشى بجنون الرغبة المقدسة؛ فتمتلئ: دروبنا، ومزارعنا، ومساربنا، بينابيع الخير. فهل نحاكيه، محاكاه "جالب المطر"، المذكور في التقاليد الأمريكية الهندية؛ فيحمل كل منا غيماته الملأى بالعطايا، ويمضي إلى حيث يمطر؛ فنعشّب صحراء المحرومين من نبض الحياة الكريمة، ومباهجها المتوهجة؟!

   قد تفاجؤنا السيول الهطال الجارفة، وقد دمرت سدودنا، وجسورنا، ومنازلنا. لكن لا بد أن نشخص إلى فوق، إلى حيث قوس قزح، الذي لا يزال ـ منذ الزمن البعيد ـ، يتجلى بألوان الطيف السبعة في وقته، على فضاء: فزعنا، ومخاوفنا، من طوفان كان في الماضي، ونظن بأنه قد يعود مجدداً.. فنستعيد الثقة في عهود،  ومواعيد الله الصادقة التى لا تُنقض، وننال حكمة الشتاء!
adelattiaeg@yahoo.com