بقلم: عـادل عطيـة
   لم يفد دور كاسندرا، التي امتلكت موهبة النبوءة الصادقة التي وهبها لها أبولو في شيء، بخصوص التطورات المستقبلية!

   فابنة بريام الجميلة، التي اعترضت سدى على دخول الحصان المشهور أسوار طروادة، لم يصدقها اجاممنون هو الآخر، حين أنبأته بمصيره المأسوي!
   وهكذا منذ العهد القديم، منذ الروايات الأسطورية الأولى التي لاحقت خيال الشعوب، ومنذ نصوص الألف نبيّ ونبيّين الذين جازوا إلى الوجود منذ خلق العالم، يُسجل في حوليات التاريخ، التقليد المزدوج المتمثل بالواقع النبوي، وبانعدام التصديق لدى البشر!

   هذا التقليد، نجده غزيراً في الكتابات المقدسة، لامعاً بالنبوءات المسيانية؛ فأولئك الذين نبذوا المسيح وصلبوه ـ كما يقول بليز باسكال ـ، هم أولئك الذين يحملون الكتب التي تشهد له، والتي تقول أنه يتعرض للنبذ وللاستهجان. هكذا بيّنوا أنه هو إذ رفضوه، كما جرى البرهان عليه أيضاً، سواء عن طريق اليهود العادلين الذين استقبلوه، أو عن طريق الأشرار الين نبذوه. إذ كان تم التنبوء بالأمرين معاً!

   لماذا حالات الغموض المموّهة التي يتم تدوين المستقبل تحت غطائها. وإذا لم يدرك الإنسان مغزى النبوءات قبل تحققها، أو إذا لم يصدقها، فما نفعها، وبأي هدف يكتبها الأنبياء؟!

   بداية، تصدر النبوءات، التي يجرى التحقق منها فيما بعد، عن فم الروح القدس؛ لأن سرور الله أن يشركنا في أفكاره من نحو العالم، وفي إعلان مقاصد نعمته من نحو شعبه، وليطمئن كل مؤمن بأنه لا يحدث شيء لم يعيّنه قبلاً ولم يره قبل وقوعه، ومن أجل ابراز مجده وقوته وقدرته الأبدية التي أوحت بها؛ "فتعرفون أني أنا الرب إلهكم"!

   لذلك، يتطلب امتحان الزمن ألا تجري الإشارة إلى الأحداث المستقبلية، إلا عن طريق الغموض المقصود الذي يبقي النبوءات في ظل ملائم، حتى اليوم الذي يكون فيه تسلسل الأسباب والنتائج التي تمارس عليها الإرادة البشرية، قد بات متقدماً كفاية لا يعود توقيفه. هذا التسلسل الذي يسميه البعض "القدر"، ونسميه نحن المؤمنون "ملء الزمان"، الذي عند اكتماله نستطيع فهم النصوص ذات الاستحقاقات البعيدة!

   وألا يجري الاعتقاد بصحتها قبل وقت طويل من تحققها؛ حتى لا تدمر نفسها بنفسها، وتغدو خاطئة بصورة آلية، بفعل الالغاء الأكيد لحرية الاختيار!
   وألا تكون واضحة كل الوضوح؛ حتى تنتظر عدة قرون لتفرض نفسها على الجماهير، وتغدوا مفيدة!

   وألا يكون المعنى مخفياً إلى الحد الذي لا يظهر اطلاقاً؛ حتى يمكنه أن يفيد كبرهان على صدق النبوءة!
  
ما الذي تم صنعه إذن في عرض مقاصد إرادة الله؟
   لقد تمت تغطية المعنى في حشد من المقاطع. وتم كشفه بوضوح شديد في بعضها بحيث هو أوضح من الشمس، ولكنه مدعماً بعمى مشابه للعمى الذي يلقيه الجسد في الروح حين تكون خاضعة له؛ كي لا تتم معرفة المعنى!

   لذلك نحن محظوظين؛ لأن الصور التي تم اخفاء معنى النبوات المسيانية تحتها، هي تلك التي استعادها المسيح المخلص في ملء الزمان المبارك!