حلم عزيز.. وثلاثين يوماً لتصحيح الأوضاع

بقلم- عماد حنا
الفيلم الكوميدي (حلم عزيز) الذي قام ببطولته أحمد عز، من الأفلام التي استطاعت أن تضحكني كثيراً، فهي تحكي قصة رجل مستبد جداً، أناني، لا يفكر إلا في نفسه، مبدأه في الحياة، لابد أن تأخذ كل شيء من الحياة حتى ولو كانت ليست من حقك. ولكن فجأة تتغير حياته عندما يزوره والده المتوفي في المنام، ليراه فوق سلم مكون من ثلاثين درجة ويطلب منه أن يصعد له، وينجح في اقناعه صعود درجتين ويستيقظ قبل أن يُكمل الصعود، وبطريقة أو بأخرى يفهم عزيز أنه لم يعد أمامه سوى ثلاثين ويذهب لأبيه (يموت يعني).

والمشكلة أن والده حذره من بئس المصير، وأن عليه أن يوفق من أوضاعه مع الناس، كي يذهب للجنة المنتظرة... وهكذا تدور أحداث الفيلم التي لا يسعفني المقالة لسردها كلها... ولكني سأحلل بعض الانطباعات التي راودتني وأنا أشاهد الفيلم..

في الواقع بالإضافة لكمية الضحك التي ضحكتها في الفيلم وهذا الأمر جيد، هناك أيضا أمر سيء في الفيلم وهو، ذلك الإقحام السياسي غير المبرر بتشبيه عزيز بطل الفيلم برئيس الجمهورية الأسبق، الأمر الذي لم أره جيداً ولا مقنعاً، بل ولا معنى له إلا إثارة الناس سياسياً كنوع من جذب الأنظار للفيلم، الأمر الذي لم يكن الفيلم يحتاج له لأن القصة فيها أفكار كثيرة تثير التفكير... وهي :-

- الموت ذلك المارد المخيف والمثير للرعب والرغبة في الهروب منه: لقد صور لنا الفيلم مشهد الخوف من الموت، في الواقع لقد أدان (عزيز) نفسه قبل أن يشاهد دينونة القدير، وعرف مصيره دون أن يفكر، لذلك كانت النهاية القريبة مصدر فزع، وترتب على هذا أنه بدأ يبحث عن المخرج، إلى أن وصل من خلال أحلامه أنه إذا تصالح مع من أساء إليهم وغفروا له سينال المصالحة الالهية... عرف ومع ذلك لم يهدأ.

- الغفران والشعور بالراحة : أدرك عزيز معلومة أنه ينبغي أن يسامحه الناس ليسامحه الله، وعلى الرغم أن صانع الفيلم لم يتجاسر ويأتي بذكر الله ولا مرة في الفيلم إلا أنه أتى لنا بتلك الآية التي علمنا إياها السيد المسيح في الصلاة الربانية "واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا" ولكن في الواقع ليس هذا هو الشرط الأساسي وإن كان مهم أن نصالح الناس، ولكن لم يفكر هذا الفيلم أن يجعلنا نتصالح مع الله، ربما لأنه لا يعرف الوسيلة الموجودة في الإنجيل وهي قبول عمل المسيح الفدائي.. لا نستطيع على أي حال أن نطلب من صناع الفيلم أن يعطونا بأكثر مما يستطيعون.. فالهدف الأساسي في الفيلم هو أن يتصالح صديقنا مع من أساء إليهم.. وهذا يعرفنا بأنواع من البشر يستقبلون محاولة المصالحة بطرق مختلفة.. ذكر منهم الفيلم أربع شخصيات وهي:

1. المنتهز للفرص: أول الشخصيات التي دمرها عزيز وأراد أن يتصالح معها كانت شخص تسبب عزيز في حرق مصنعه ودمره، فلجأ هذا الشخص إلى (الدروشة) وعاش في الجامع متصوفاً ورافضاً لأي حياة عالمية، ليأتي إليه عزيز بعرض قيمته عدة ملايين من الجنيهات.. فيفاصله ليحصل على أكبر عرض ليسامحه.. صفقة استفاد منها الطرفان – الأول شعر أن علاقته بالله اقتربت من الإصلاح والثاني سيعيش، فيترك عبادته ومسجده وتصوفه ويعيش كالأبن الضال الذي ذهب وراء الزانيات.. لنعرف أن هذا التصوف لم يكن إلا مجرد شكل يهرب به من مشاكله.

2. الغافرة من حيث المبدأ: هذه السيدة احتال عزيز على ابنها ودمر تجارته، فيذهب عقله ولم يعد مسؤول عن أفعاله، فكان عليه أن يجعل من الأم أن تغفر له بدلاً من الابن، ليجد سيدة مستسلمة لمشيئة الله، وذاكرة كل نعمة عليها ولا تحمل أي ضغينة.

3. الغافرة بعد التأكد من الإصلاح: وتلك كانت حبيبته التي خدعها وخالف ميعاده مع أسرتها لطلب يديها للزواج.. جاء يطلب الغفران ولكنها رفضت بقوة ولم تخضع لأي عروض. ولكننا نرى مع الوقت أنها تغفر له عندما تشاهده يتغير وتتأكد تماماً من إصلاحه.

4. الغافر بعد تغيير المعاملة: وهم عمال مصنعه، والذي لم يفكر أصلا في أن يطلب الغفران منهم، بل لم يكونوا ضمن حساباته من الأصل، ولكننا نرى أنهم تغيروا تماماً من كراهية إلى محبة بعد أن تغيرت معاملته لهم وأعطاهم حقوقهم.

وبالرغم من محاولات عزيز مع هؤلاء الشخصيات المختلفة كي تغفر له، نجد أنه حاول التراجع عن مخططه في الإصلاح بمجرد أن عرف أن "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" وبالتالي هو ليس مسؤول عن كل ماحدث لهم، ولولا أنه تعرض لضغط شديد ما كان قد أكمل المسيرة، إذا فالتغيير لم ينبع من الداخل، وذلك لأن التغيير مبني على أعمال فاشلة لا يمكن أن تغير القلب.. فالقلب لا يتغير إلا إذا تدخل الله في هذا وخلق قلباً جديداً، كما يوضح الكتاب المقدس.
وأخيراً وعند كلمة النهاية يثار بداخلك سؤال يتركه لك صناع الفيلم لتفكر فيه، وهو: ماذا يحدث لو عرفت أنك ستموت بعد ثلاثين يوماً؟