بقلم: إسحق إبراهيم
كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحاً، وبسرعة البرق لملمت أوراقي للحاق بموعد داخل مقر الجريدة التي اعمل بها والكائن في وسط البلد تحركت إلى المحطة وجاء الأتوبيس الأخضر المميز، وبالرغم من الزحام وكثرة المنتظرين إلا إنني استطعت ركوب الأتوبيس.
كان الأتوبيس مكتظ بالركاب المتأخرين عن أعمالهم ومواعيدهم حيث تأخر قدوم الأتوبيس بعد الوقت، كان وجه السائق عابث كاره لنفسه يلعن ويسب كثيراً وبعد فترة أصابت الدهشة والاستغراب جميع الركاب ماذا يحدث؟ إننا مرتبطين بمواعيد مسبقة أن التأخير يرتبط عليه مشكلات عديدة والتزامات مالية، لقد قائم السائق بالوقوف على الجانب الأيمن من الشارع وهرول مسرعًا لا نعرف أين يذهب ولم يهتم السائق أن يذكر للركاب لماذا توقف؟ وأين سيذهب؟ وكم من الوقت سيستغرق في مهمته التي لم نعرفها؟ وعندما طال الانتظار وبدأ الركاب يضربون "أخماس في أسداس" ويظهر عليهم الضيق والضجر من تصرف السائق غير المسئول جاءت الإجابة وفي براءة مصطنعة وضحكات مفتعلة للكمسري قال إن السائق ذهب إلى صلاة الظهر في مسجد يوجد في الشارع المقابل، وفي محاولة منه لتهوين الأمر سارع وأضاف أن الصلاة لن تستغرق أكثر من ربع ساعة.

دار حوار لا يخلو من الاختلاف الواضح داخل الأتوبيس بين أغلبية ترى أن الأمر عادي وانتهى طالما ذهب السائق للصلاة وكأن شيئًا لم يحدث فقد قام السائق بأداء أحد الفروض الدينية، أما الأقلية داخل الأتوبيس عبّرت عن رأي آخر ووجّهت سهام النقد إلى هيئة النقل العام وقالت أن برنامج الرحلة الذي يفترض أن يتبعه السائق لا يتضمن الوقوف من أجل الصلاة ثم أن هذا الوقت الذي استغرقه في الصلاة يتقاضى السائق عنه مرتب وأجر عمل، أليس هذا حرام!! ومَن سيقوم بتعويض الركاب الذين تأخروا عن قضاء مصالحهم؟ وماذا للركاب المرتبطون بمواعيد عمل أو المرضى الذاهبين إلى طبيب ولا يطيقون الانتظار؟ وفجأة أرتفع صوت شاب أنا مسلم و"موحد بالله" ولا أوافق على سلوك هذا السائق، لديَّ موعد بمقابلة للحصول على وظيفة ولا توجد وسيلة مواصلات أخرى إلى هذا المكان ماذا افعل؟ أين السائق لنتصل به ليأتي ويستكمل الرحلة؟

وبينما مظاهر الغضب والضيق تزداد رويدًا رويدًا ظهر السائق في الأفق هو قادم يحمل في يده كوب من الشاي يشرب منه، ولا تظهر عليه أي علامات للشعور بالذنب أو الاعتذار عن التأخير أو حتى توضيح الصورة للركاب!!
صعد السائق إلى الأتوبيس وبدأ في استئناف الرحلة ولم يُعر اهتمامًا باستفسارات الركاب أو الانتقادات التي وُجّهت له وتركنا نتحدث وهو لا ينظر إلينا، وعندما لم تهدأ عاصفة الأسئلة رد على الفور قائلاً لم تخافوا سأعوض لكم الوقت المستغرق في الصلاة سأسرع حتى تلحقون بأعمالكم، ويا ليته ما فعل ذلك أصبح السائق يقود الأتوبيس بسرعة فائقة وفي كل مرة يحاول تخطى سيارة أخرى كادت قلوبنا أن تتوقف من شدة الخوف.
ينظر من الشباك بجواره ليسب هذا ويشتم ذلك ويطلب من آخر الابتعاد قليلاً ويسمح له بالمرور، ولم يهتم باستغاثات الركاب بخفض السرعة.. ولم تدخل الطمأنينة قلبي إلا عندما بدأ يتوقف في المحطة التي سأنزل بها وبسرعة نزلت خوفًا من تحرك الأتوبيس وحمدت لله على الخروج بالسلامة من هذه الرحلة وصليت من أجل باقي الركاب.

وتساءلت في نفسي عن دور المسئولين عن هيئة النقل العام ولماذا لا يرقبون هذه السلوكيات؟ لقد عطل السائق الركاب وكسر تعليمات الرحلة ولم يلتزم بالبرنامج الموضوع له، وضيع على الركاب التزاماتهم بالإضافة إلى أن قيادته للسيارة بهذه الطريقة ستؤدي حتمًا إلى أعطال كثيرة بالسيارة وستعمل على تخفيض العمر الافتراضي لها ناهيك عن البشر الراكبون وماذا سيحدث إذا كان منهم مريضًا بالقلب لا يتحمل هذه المخاطر؟!