بقلم: إسحق إبراهيم
حفلت الصحف المصرية الأيام الماضية بتصريحات مثيرة للجدل وخطيرة حول مشاركة الأقباط السياسية خاصة تولي منصب رئاسة الجمهورية، واتفق عدد من المسئولين السياسيين والدينيين على رفض تولي قبطي هذا المنصب. فقد شدد البابا شنودة على عدم جواز تولي قبطي للرئاسة، قائلاً في حوار على قناة "ON TV": "إن الغالبية العددية ليست قبطية، لذلك لا يصح أن يأتي قبطي من الأقلية العددية يرأس الغالبية، القبطي لا يستطيع أن يكون عضوًا في مجلس نقابة المحامين فكيف سيكون رئيسًا للجمهورية كلها؟!". في نفس السياق جدد الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب رفضه تولي قبطي لرئاسة الجمهورية لأنها «تخضع لشخصية الدولة وتحكمها الأغلبية». وأضاف في ندوة نظمت في الولايات المتحدة الأمريكية "لم يأت رئيس جمهورية لأمريكا يهوديًا، وفي الهند تولى مسلم رئاسة الجمهورية لأنه منصب شرفي، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد منصب رئيس الوزراء. فقضية رئاسة الدولة هي تعبير عن شخصية الدولة هذا الأمر لا يضايق أحدًا ولا يزعج أحدًا، إنما منصب رئيس الوزارة فمرحبًا بالكفاءات أن تأتي".
أما الدكتور أحمد فتحي سرور "رئيس مجلس الشعب" فقد قال في حوار مع قناة البي بي سي: ليس هناك ما يمنع الأقباط من الترشح لرئاسة الجمهورية، وأضاف سرور إنه لا يوجد نص في الدستور المصري يشترط في رئيس الجمهورية بأن يكون مسلمًا، وبالتالي من حق قبطي أن يترشح طبقًا للدستور، لكنه أوضح أن مصر لا يوجد فيها تمييز ضد الأقباط الذين يبتعدون عن السياسة لأنهم يفضلون "البزنس" عليها. وأشار إلى أن وزير العدل طلب منه ترشيح عدد من الأقباط لتعيينهم في المجلس ولم يجد أسماء لترشيحها.

هذه التصريحات تحمل رسالة خاطئة وسيئة، فهي تتضمن دعوة مستترة إلى بقاء الأقباط على حالهم من الاستبعاد والتهميش السياسي، فالباب مغلق بالضبة والمفتاح أمام أي طموح سياسي عند الأقباط ليس فقط على مستوى تولي أكبر منصب في البلد ولكن على كافة المناصب القيادية، فالإضافة إلى مخالفة تصريح البابا والدكتور الفقي للدستور الذي لم ينص صراحة على دين معين لرئيس الجمهورية فأن التصريحين يمثلان انتهاكًا لحق أي إنسان في المشاركة في الحكم، ولا يختلف الرأيين عن موقف جماعة الإخوان المسلمين التي تمنع ترشح الأقباط لهذه المنصب كما جاء في برنامجها المعلن قبل عامين.

استند البابا والدكتور الفقي على حجة واحدة وهي أن الأقباط أقلية، ومن ثم يجب أن يكن رئيس الجمهورية من الأغلبية، فلا يصح أن يأتي قبطي من الأقلية ليرأس الأغلبية. هذا منطق مغلوط يمكن لآخرين استخدامه بنفس الطريقة للاعتراض على تولي الأقباط أي مناصب قيادية، ونجد من يقول أنه لا يجب أن يختار محافظًا قبطيًا لأنه لا توجد أغلبية مسيحية في أي محافظة من محافظات الجمهورية، خاصة أن المحافظ هو ممثل رئيس الدولة في الأقليم الذي يديره وتخضع له جميع الهيئات والمؤسسات في المحافظة، ونجد من يقول أنه لا يجب أن يختار قبطيًا قاضيًا أو شرطيًا لأنه سيقود أغلبية من المسلمين وأقلية من المسيحيين، وكذلك الترشح لعضوية مجلس الشعب، فالشعارات التي يرفعها المتعصبون من عدم اختيار غير المسلم ستجد حجج وأسانيد تدعمها.
وهذا يعنى أن نسدد باب الأمل لدى الأقباط بالحصول على حقوق وفرص متساوية، فكيف نطالبهم بالانخراط في المجتمع وهناك قائمة من المحظورات أمامهم وسقف لطموحاتهم لا يجب أن يتخطوه؟! كيف نصبح مواطنون متساوون مع نظراءنا في المجتمع ونحن محرومين من معظم حقوق المواطنة؟! ما سبل إقناع الشباب القبطي بالاندماج في الوطن والمشاركة في الأنشطة المجتمعية؟!

الدكتور فتحي سرور يرمي بالكرة في ملعب الأقباط، يدافع عن الدولة ويحاول أن يصورها بأنها تبحث وتبحث عن أقباط لاختيارهم في المجالس التشريعية ولا تجدهم!! وكأن الأقباط الذي يفوق عددهم عدة ملايين لا يوجد بينهم قيادات مؤهلة لنيل عضوية المجلس!! بعيدًا عن الكفاءة لم يحدد الدكتور سرور المعايير التي يتم الاختيار عليها: هل درجة الولاء للنظام أم مستوى النفاق للسلطة والحاكم أم رضاء الأجهزة الأمينة، وهذه المعايير أظنها تنطبق على بعض الأقباط أيضًا!!
نعم نجح أقباط في البيزنس لأن مظاهر التمييز في هذا المجال درجته أقل وغير واضحة، فمن يملك المال يصعب ممارسة التمييز ضده لكن أغلبية الأقباط هم مواطنون مصريون عاديون يعملون في الجهاز الحكومي أو القطاع الخاص ويعانون من أجل العيش حياة كريمة، قطاع كبير منهم سلبي مثل قطاعات كثيرة من المصريين المسلمين فقدت الأمل في النظام وجدوى المشاركة السياسية، إضافة إلى مظاهر الاستبعاد والتهميش بسبب ديانتهم المسيحية!!

Ishak_assaad@yahoo.com