عيد اسطفانوس

لم أستفد من أخطائى الا بعد فوات الأوان،تقلدت وظائف كثيرة وباحترافية شديدة وابداع وفكر خارج الصندوق سرعان ماأصير أشبه بالنجم ، وينتابنى احساس زائف بأننى محور المنظومة الرئيس ، وأننى الأهم فى كل فريق العمل ،والاحساس الاخطر الذى كان يتملكنى أحيانا هو أن دولاب العمل سيتأثر وربما يتوقف فى حال غيابى ، ورويدا رويدا يتسلل شعور الغرور والخيلاء ،وتبدأ نبرة التهديد بترك الوظيفة عند كل مشكلة لاعتقادى الوهمى الراسخ بأن كل شئ سيتوقف بدونى ، وفى لحظة غضب أغادر وحتى لا يلتصق بى وصف عاطل وارضاءا لغرورى سرعان ماأبحث عن وظيفة أخرى وأجدها ،ويتكرر نفس السيناريو وأظنه تكرر كثيرا حتى أننى كنت أبحث عن وظيفة وأنا لازلت أشغل وظيفة ، وتقدم العمر وتراكمت خبرات نقد الذات وفحصت الشريط الطويل واكتشفت محتوى جعبة  الاوهام التى كنت أحملها على كتفى  دون أن أدرى ،وهم الرجل الأوحد الذى يستطيع مالا يستطيعه بقية البشر ،وهم الرجل الملهم الذى لا يأتيه الباطل من أى اتجاه، وهم الرجل الساحر الذى يحل كل المشاكل ، أما أخطر هذه الاوهام فكان  الاعتقاد بأن كل شئ سيتوقف بدونى أما الحقيقة العارية التى كشفتها السنين أن كل الوظائف التى غادرتها تم شغلها واستمر العمل بها ولم تغلق أبوابها ولم تنهار كما كنت أتوهم بل أن بعضها نجح نجاحا مبهرا لأن دما جديدا ضخ فى الشرايين .
 
ومن الواضح أن هذا الشعور يتوغل ويتغول كلما ازداد حجم المنصب وأهميته ،فيظن المسئول أن لابديل عنه وأنه وحده ولا أحد غيره يستطيع فاما هو أو الطوفان ، وقد عايشنا أحداث جسام فى العقد المنصرم كان كل أبطالها من هؤلاء الذين اعتقدوا واهمين أن لابديل عنهم ،هؤلاء الذين اعتلوا كراسى الحكم فى بلادهم وتشبثوا بها بدعاوى الوهم الكاذب  ، وهم أنهم الاجدر والأقدر والأنسب وكل أفاعيل التفضيل المضلله ، وبالطبع تلعب جوقات المنافقين والمدلسين الدور الأبرز فى ترسيخ  هذا المفهوم فى وجدان العامة والدهماء ،ويصبح الجالس على الكرسى هو مبعوث العناية الالهية ، وهو ربهم الأعلى وأن تغييره أو نقده خطيئة كبرى تستحق العقاب أرضا وسماء ، والغريب أن هؤلاء الذين صنعوا هذه الالهه وهتفوا باسما ئها هم أنفسهم    الذين قتلوهم قتلوا ربهم الأعلى ومثلوا بجثته  والآخر احتفلوا بيوم صعوده على المقصلة وتعقبوا نسله و نسل نسله والثالث قطعوا رأسه والرابع مثلوا به وهو حى فى مسرحية محاكمة هزلية والخامس قابع فى نفس السجن مع قدامى معارضيه  .
 
هذا هو مصير من أوقفوا سريان الزمن وسدوا  شرايين التغيير وعطلوا السنه الالهية فى التبديل والتوالى ،هؤلاء الذين سأم الناس اطلالات وجوههم  التى شاخت ، ثم حانت  اللحظة الحاسمة وان كانت قد تأخرت كثيرا حانت لحظة الانفجار العظيم ، لحظة ازاحة هؤلاء الذين جثموا على صدور شعوبهم ،وكانت لحظات دراميتيكية عنيفة سالت دماء  ومثل بجثث وفتحت سجون وهرب من هرب ،ولازال البعض متشبثا ولم يع دروس التاريخ وأهمها درس التداول السلمى للسلطه ودرس التغيير الحتمى للوجوه والافكار ودرس التقدم فى اتجاه عقارب الزمن ، والغريب أن جميعهم كان لديهم فرص ذهبية ــ  والحقيقة تقتضى القول أن نفرا من هؤلاء كان مناسبا فى حينه ولكن ليس الى الابد ــ نقول أنه كان لديهم فرص ذهبية ليكونوا أبطال لو تركوا كراسيهم بارادتهم طوعا ليفسحوا المجال لوجوه جديدة ودماء جديدة وفكر جديد ، لكنه الوهم وقد  احتل العقول ، وهم الرجل الأوحد الذى يستطيع مالا يستطيعه بقية البشر، وهم الرجل الملهم الذى لا يأتيه الباطل من أى اتجاه، وهم الرجل الساحر الذى يحل كل المشاكل ، وهم الرجل الذى لايكبر ولا يشيخ ، بالاضافة بالطبع لنشوة السلطة وبريقها الأخاذ الذى يعمى البصر والبصيرة .
 
ودفع الجميع الثمن مضعفا حكام وشعوب ، الحكام الذين حكموا الناس بمبدأ أنا ربكم الأعلى ، والشعوب التى صدقت الكذبة بل ودعموها ودعوا لافتدائها بالروح والدم ، ولازال الدم يسيل والارواح تزهق وبشر مشردون وكلها تداعيات حتمية فالله ليس بظلام للعبيد .