بقلم د .ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر 


     ولد القديس بطرس الرسول في قرية بيت صيدا الواقعة على بحر طبرية قبل ميلاد السيد المسيح بعدة سنوات وكان يعمل بصيد الأسماك مع أخيه أندراوس وكانوا تلميذى يوحنا المعمدان. ثم أقام بعد ذلك مع عائلته في كفر ناحوم 

     وإيضا كان بطرس واحد من التلميذين الذين ذهبا ليعدا الفصح الأخير وأحد الثلاثة الذين عاينوا إقامة ابنة يايروس بعد موتها , وتجلى المسيح على جبل طابور , وصلاته في جثسيماني وأحد الأربعة الذين سمعوا عن خراب أورشليم والهيكل .

و إيضا توجد نحو عشرة أحداث هامة قبل أسبوع الالام هي : شفاء حماته في كفر ناحوم ( مت 8 : 14و15 )، ثم صيد الكمية الكبيرة من السمك وما نتج عنها من تسليم نفسه بالكامل ليسوع ( لو 5 : 1 ــ 11 )، دعوته ليكون رسولاً وتأهيله روحياً لذلك ( مت 10 : 2 ). التصاقه بسيده كما ظهر في محاولته السير على الأمواج ( مت 14 : 28 ). نفس الإِرتباط بالسيد كما بدا في قوله : " يارب إلى من نذهب ؟ " ( يو 6 : 68 ).  اعترافه الرائع بيسوع بأنه هو "المسيح ابن الله الحي " وما أعقب ذلك من توبيخ له ( مت 16 : 13 ــ 23 ). الامتيازات الرفيعة التي حظي بها مع يعقوب ويوحنا في مشاهدة إقامه ابنة يايرس ( مرقس 5 : 37 )، وتجلي الرب ( مت 17 : 24 ). 

أما الأحداث التي بدأت بأسبوع الالآم، فنعرف عنها الشيء الكثير لأنها مسجلة في كل الأناجيل، وتكاد تكون بنفس الترتيب. وتبدأ بغسل السيد لرجليه في ليلة الفصح الأخيرة، وقد أخطأ خطأين في تلك المناسبة ( يو 13 : 1 ــ 10 )، أولهما اعتداده الجريء بنفسه وبشدة ولائه ومحبته لسيده، وتحذير سيده له من هجمة الشيطان القادمة عليه ( لو 22 : 31 ــ 34 ). وقد تكرر ذلك مرتين قبل أن يلقى القبض على الرب في البستان ( مت 26 : 31 ــ 35 ). 

ثم اصطحاب الرب له مع ابني زبدي لمشاهدة معاناة الرب في جشسيماني، وتنبيه الرب لهم أن يسهروا ويصلوا، وفشلهم في ذلك حيث أنه كلما جاءهم وجدهم نياما ( مت 26 : 36 ــ 46 )، ثم تهوره في قطع أذن ملخس ( يو 18 : 10 ــ 12  )، ثم تخليه عن الرب، وهو يقاد أسيراً، وسيره وراء الموكب من بعيد، ودخوله إلى قصر رئيس الكهنة، ثم إنكاره له " قدام الجميع "، وتأييده ذلك الإِنكار بقسم ثم يلعن وحلف، ثم تذكره لتحذير الرب له عند صياح الديك وعندما التفت الرب ونظر إلى بطرس، خرج إلى خارج وبكي بكاء مراًّ ( مت 26 : 56 ــ 28، مرقس 14 : 66 ــ 72، لو 22 : 54 ــ 62، يوحنا 18 : 15 ــ 27 ). 

وهكذا نرى أن قصة سقوط بطرس قد سجلها البشيرون الأربعة، ولكن كما يقول أحدهم : " لم يصفها أحد منهم في صورة مخزية كما سجلها مرقس. وإذا كان إنجيل مرقس ــ كما هو المعتقد عموماً ــ قد راجعه بطرس نفسه بل قد كُتب بارشاده، فإن في ذلك الدليل القوي على مدى إخلاصه وندمه الصادق ". ولا نسمع شيئاً عن بطرس بعد ذلك حتى صباح يوم القيامة،  فحالما سمع الأخبار الأولي عن ذلك، أسرع مع يوحنا إلى رؤية القبر  ( يو 20 : 1 ــ 10 ) كما أن الملاك يذكر اسمه ــ بخاصة ــ للنسوة ( مرقس 16 : 7 ). وفي نفس اليوم يرى بطرس يسوع حياً قبل أن يراه أحد آخر من الاثنى عشر ( لو 24 : 34، اكو 15 : 5 ). ثم عند بحر طبرية يعطى الرب الفرصة لبطرس للاعتراف ثلاث مرات بالرب يسوع الذي سبق أن أنكره ثلاث مرات. ومرة أخرى يكرر الرب له الدعوة ليكون رسولاً له يرعى غنمه وخرافه. ثم ينبئه بالميتة التي سيموتها. ثم أم الرب له : " اتبعني انت " ( يو 21 ). 

1- أما الفترة الثانية ــ من صعود المسيح إلى تجديد بولس، فيسجلها الكتاب بأكثر إيجاز. فبعد الصعود ــ الذي كان بطرس أحد شهوده ــ " قام بطرس وسط التلاميذ " في العلية في أورشليم واقترح عليهم انتخاب من يحل محل يهوذا ( أ ع 1 : 15 ــ 26 ). وفي يوم الخمسين كرز بأول عظة إنجيلية ( أ ع 2 ). ثم وهو برفقة يوحنا، يشفي الرجل الأعرج عند باب الهيكل، فيلقى القبض عليه ويدافع عن نفسه أمام السنهدريم، " ولما أطلقا أتيا إلى رفقائهما " ( أ ع 3،4 ). ثم يقبض عليه مرة أخرى ويجلد (الأصحاح الخامس )، ثم بعد ذلك " لما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس " ( الأصحاح الثامن ). ثم يعود إلى اورشليم ( حيث يظن أن بولس قد زاره وقتئذ الزيارة المذكورة في غلاطية 1 : 18 )، وبعد ذلك أخذ يجتاز بجميع الأماكن، فشفى إينياس في لدة، ثم أقام طابيثا من الأموات في يافا التي مكث فيها أياماً كثيرة، وفي تلك الأثناء رأى وهو على سطح البيت، رؤيا أقنعته بأن يكرز بالأنجيل لقائد المئة الأممي في قيصرية. ثم يوضح هذه الأمور " للرسل والإخوة الذين كانوا في اليهودية " ( أعمال 9 : 32 ــ 41 والأصحاحان العاشر والحادى عشر ). 

وبعد فترة وجيزة، ثار اضطهاد آخر ضد الكنيسة، ومد الملك هيرودس أغريباس " يديه ليسيء إلى أناس من الكنيسة، فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف " ووضع بطرس في السجن ناوياً أن يقتله هو أيضاً. " أما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله " فأنقذه الله من السجن بمعجزة ( الأصحاح الثاني عشر ). ثم يختفي من المشهد قليلا حتى نراه في المجمع الكنسي في أورشليم عند النظر في موضوع الختان وحفظ الناموس، فأضاف شهادته إلى شهادة بولس وبرنابا لتأكيد التبرير بالإِيمان وحده ( الأصحاح الخامس عشر ). 

وحدث بعد ذلك أن زار أنطاكية، وكانت له شركة مع المؤمنين من الأمم، ولكن لما " أتى قوم من عند يعقوب.. كان يؤخر ويفرز نفسه خائفاً من الذين هم من الختان " فأضطر الرسول بولس إلى مقاومته " مواجهة لأنه كان ملوماً " ( غل 2 : 11 ــ 14 ). 

ولا نعلم إلا القليل بعد ذلك عن بطرس سوى إنه كان يجول يخدم مصطحبا معه روجته ( اكو 9 : 5 )، وأنه كتب رسالتين، وأن رسالته الثانية قد كتبها قرب نهاية حياته ( 2 بط 1 : 12 ــ 15 ). 

ويقول التقليد إنه مات شهيداً في رومية حوالي 67 م وهو في نحو الخامسة والسبعين من عمره. وكان الرب قد سبق أن أنبأه بالموت العنيف الذي سوف يتجرعه ( يو 21 : 18و 19 )، ويقال إنه استشهد فعلاً بالصلب في حكم نيرون، كما يقال إنه قد صلب منكس الرأس بناء على طلبه إذ حسب نفسه غير مستحق أن يشبه سيده في موته. 

ويجب ملاحظة أن التقليد المختص بزيارته لروما، هو مجرد تقليد ولا أكثر من ذلك، وقد قام على خطأ في حسابات بعض الآباء الأولين " الذين زعموا أنه ذهب إلى روما في عام 42 م عقب نجاته من السجن ( أ ع 12 : 17 )، ولكن ــ كما يقول " شاف " ــ لايمكن التوفيق بين هذا وصمت الكتاب المقدس، بل ومع حقيقة أن الرسول بولس كتب رسالته إلي رومية في 58 م دون أن يذكر كلمة احدة عن سبق خدمة بطرس في تلك المدينة، علاوة على أن بولس كان محترصاً لئلا بيني " على أساس لآخر " ( رو 15 : 20، 2 كو 10 : 15و16 ). 

ولكن ليس من السهل أيضاً إنكار أن بطرس قد قضي الجزء الأخير من حياته في روما وأنه مات فيها شهيداً، وأنه دفن هناك ــ ربما بالقرب من الفاتيكان. أما غير ذلك من التفاصيل فلا يمكن القطع به بما وصل إلينا من مصادر متيقنه. 

وكثيراً ما يطلق عليه لقب " أمير الرسل " ويبدو أنه كان مقدامهم في كل المناسبات، كما يذكر اسمه أولاً في كل قوائم أسماء الأثني عشر رسولاً. 
كما يقول أحدهم : " إن فضائله وأخطاءة إنما نبتت من طبيعته المتحمسة "، ولكن نعمة الله قد أعطته الغلبة على ذلك، وأضفت عليه هذا التواضع الجميل والوداعة الباهرة كما يبدو في رسالتيه. 

ولا يجب أن يؤخذ تقدمه على الرسل ــ المشار إليه أنفاً ــ إلي افتراض أنه كان له أي نوع من السيادة على سائر الرسل، فليس ثمة دليل على ذلك، كما أن الرب لم يخلع عليه مطلقاً مثل هذه الرئاسة، كما أنه لا يدعيها لنفسه مطلقاً، كما لم يسلّم رفقاؤه بها ( انظر في هذا الصدد مت 23 : 8 ــ 12، أ ع 15 : 13، 14، 2 كو 12 : 11، غل 2 : 11 ). 

وكما يقول الكثيرون من المفسرين : إن التاريخ الرسولي يوضح لنا ذلك ويحدد لنا المقصود منه، فقد كان بطرس هو الذي فتح باب الإِنجيل أمام إسرائيل في يوم الخمسين ( أ ع 2 : 38 ــ 42 )، وأمام الأمم في بيت كرنيليوس ( أ ع 10 : 34 ــ 46 ). ويجمع البعض بين هذا القول وبين الإِرسالية العظمى لكل التلاميذ ( مت 28 : 19 ). 

كرزاته: وأيضاً بشر بالمسيح في يوم الخمسين . وكانت خدمته في اليهودية والجليل والسامرة وكان الرب يتمجد على يديه فهو الذي شفى المقعد على باب الهيكل الجميل ( أع 3 ) وشفى أينياس من مدينة اللد وأقام طابيثا فى يافا ( أع 9 ) وقد فتح على يديه باب الإيمان للأمم في شخص كرنيليوس ولكن كان عمله الأساسى هو تبشير اليهود وهو الذى قال عنه بولس الرسول مع يعقوب ويوحنا أنهم المعتبرون أعمدة في كنيسة الله كما كرز في أنطاكية ولكنه لم يكن مؤسسها وطاف في بلاد بنطس وغلاطية وكبادوكية وبيثينية وبعض مقاطعات أسيا الصغرى أي تلك الأقاليم التي وجه إليها رسالته الأولى ، وقد ختمت حياة هذا القديس فى روما حينما حكم عليه بالصلب منكس الرأس في عهد الإمبراطور نيرون  في شهر يوليو 64 م  .

كتاباته : كتب بطرس رسالتيه في أواخر حياته كما يبدو بصورة خاصة في رسالته الثانية ( 2 بط 1 : 12 ــ 15 ). وقد وجهت كلتا الرسالتين إلى نفس الأشخاص الذين كانوا ــ في الأساس ــ مسيحيين من اليهود المشتتين في كل ولايات أسيا الصغرى، حيث غرس بولس ورفقاؤه الإِنجيل ( ابط  1 : 1 ــ 2، 2 بط 3 : 1 ).