|
|
مابين
القديم والحديث
بقلم الأب/ بيجول باسيلي
جميع
لغات البشر العريقة في العالم، لها أشكالها
التاريخية القديمة ولها أشكالها الحديثة، فاللغة
كائن حي ينمو ويتطور ولا يمكن أن يبقى أو أن يقف
جامداً.
وما أكثر المفكرين والباحثين الذين تناولوا هذا
الموضوع بالدراسة والتحليل، باعتبار اللغة ظاهرة
إنسانية يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى،
من ناحيتي النطق والألفاظ المسموعة، ثم التعبير عن
هذه الأصوات بالإشارات والرموز والعلامات المكتوبة.
وفي مصر كانت المحاولة الأولى للإنسان للتعبير عن
الأصوات المنطوقة والمسموعة، وكذلك المعاني
والدلالات المميزة لها، بأشكال ورموز وإشارات مكتوبة.
فكانت الكتابة الهيروغليفية بعلاماتها الصوتية
والمعنوية، ثم الكتابة الهيراطيقية ثم الكتابة
الديموطيقية ثم الكتابة القبطية الحالية.
وكانت اللغة القبطية من ناحية النطق أو اللفظ، تشمل
عدة لهجات أهمها:
اللهجة الصعيدية، اللهجة البحيرية، اللهجة الفيومية،
اللهجة الأخميمية، اللهجة البشمورية، ولهجات فرعية
أخرى كثيرة.
وكان وجود كل هذه اللهجات المختلفة، أمر عادى ووضع
طبيعي، نتيجة انعزال المناطق الجغرافية المتعددة،
وتباعد المسافات بينها، مع عدم توافر وسائل
الاتصالات السهلة والمباشرة أو المواصلات المريحة
والسريعة بين مختلف مناطق البلد الواحد كما هو متاح
لنا اليوم.
والفروق ما بين لهجة وأخرى من هذه اللهجات القبطية
لم تكن فقط في طريقة نطق بعض الحروف الساكنة أو
المتحركة، وإنما كانت أيضاً في طريقة تهجئة وكتابة
الكلمات بالإضافة إلى بعض الفروق في طريقة صياغة
الجملة أيضاً.
وبعد الاحتلال (الفتح) العربي لمصر في منتصف القرن
السابع الميلادي، ثم محاولة تعريب الدواوين بعد ذلك
بمدة، بأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك، في ولاية
عبد الله بن عبد الملك، في القرن الثامن الميلادي،
عانى الأقباط، أشد أنواع المعاناة، وصارعوا أمرَّ
ألوان الصراع الرهيب، من أجل الحفاظ على لغتهم
القبطية.
ويحدثنا عن هذا الصراع، كُتّاب ومؤرخون كثيرون، مثل
تقي الدين المقريزي، وأبو عمر محمد بن يوسف الكندي،
وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري، والدكتور أحمد مختار
عمر، والدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف، والسيدة سناء
المصري، وغيرهم.
وعندما اضطر الأقباط إلى تعلم اللغة العربية، كتبوها
بحروف لغتهم القبطية في بادئ الأمر، فقد وجدت بعض
الوثائق أو المخطوطات العربية المكتوبة بالحروف
القبطية، وفي فترة تالية وجد العكس، أي مخطوطات أو
كتابات قبطية ولكنها بحروف عربية، وللأسف يوجد اليوم
الكثير من هذا النوع.
ولا بد من ملاحظة أن كلا النوعين من هذه الكتابات أو
المخطوطات، أي العربية بحروف قبطية، والقبطية بحروف
عربية، لا تمثل سوى أدنى مستوى أدبي، وأحط مستوى
لغوي، من مستويات اللغة، وبالأخص في مجال النطق
بالحروف والأصوات المتقابلة في كلا اللغتين.
وأمام هذا الضعف والتردي الذي فُرِضَ على اللغة
القبطية ووضعت فيه بلهجاتها المتعددة الأساسية
والفرعية، وللنهوض من هذه الحالة السيئة، كان لابد
أن يفكر الأقباط تفكيراً عملياً وضرورياً، وهو توحيد
كل هذه اللهجات في لهجة واحدة موحدة يتم التركيز
عليها، أو الاتفاق على اعتبار إحدى هذه اللهجات،
اللهجة الرسمية للكنيسة القبطية، موحدة لجميع
الأقباط في كل مكان، بدلا من التشتت بين خمسة لهجات
أساسية ولهجات فرعية أخرى مختلفة.
وهذا هو ما قد تم بالفعل، في أيام البابا خريستوذولس،
بابا الإسكندرية ال ٦٦ ـ (١٠٣٦ ـ ١٠٧٧) م (٧٦٣ ـ ٧٩٤)
ش، حيث أصبحت اللهجة البحيرية هي اللهجة الرسمية
الموحدة والمستخدمة في نسخ جميع المخطوطات والكتب
الكنسية والصلوات والقداسات والألحان، وكل جوانب
الحياة للأقباط في جميع أنحاء مصر.
(موجز تاريخ القبط ـ وليم ورل ـ ترجمة د.مراد كامل ـ
ص١٨١
(المرجع في قواعد اللغة القبطية ـ مطبوعات جمعية
مارمينا ـ ص ٣٦٩)
ولو لم يكن البابا خريستوذولس في القرن الحادي عشر،
قد أتم هذه الخطوة الهامة والجبارة لحياة المجتمع
القبطي، بتوحيد لغة الأقباط في لهجة واحدة موحدة
لجميع الأقباط، لكان لزاماً على الأقباط إن آجلا أو
عاجلا أن يقوموا بهذا العمل الأساسي، ولقد استجاب
جميع الأقباط لهذا الإنجاز الهام، وأجاد أهل الوجه
البحري والقبلي وجميع مناطق مصر على السواء، استخدام
هذه اللهجة القبطية الموحدة، في كتابة المخطوطات وفي
صلوات والقداسات وأداء الترانيم والألحان والتسبحة،
وغير ذلك من أوجه النشاط والحياة الكنسية
والاجتماعية.
فاللهجة القبطية التي يستخدمها الأقباط اليوم في
داخل مصر وخارجها، يجب أن تأخذ اسمها الحقيقي الصحيح
وهو "اللهجة القبطية الموحدة" ومن الخطأ أن نسميها
بالبحيري القديم أو البحيري الحديث.
ولكن هذا لا يمنع الدارسين والباحثين في مجال
الدراسات القبطية من دراسة اللهجات القبطية القديمة،
سواء البحيري أو الصعيدي أو الفيومي أو الأخميمي أو
البشموري أو غيرها من اللهجات الأساسية أو الفرعية
المختلفة.
بل إنه من الملاحظ أن غالبية الباحثين في مجال علوم
القبطيات من الأجانب، يركزون على اللهجة القبطية
الصعيدية القديمة، أكثر من غيرها من اللهجات الأخرى،
وذلك لوفرة ما وقع تحت أيديهم من المخطوطات بهذه
اللهجة.
فنجد أن القاموس القبطي الشهير الذي ألفه العلامة –
كرام ـ وظهر سنة ١٩٣٩م اعتمد في ترتيب الكلمات على
هجاء الكلمة في اللهجة الصعيدية القديمة.
ويذكر لنا التاريخ أن الكنيسة القبطية قد مرت بفترات
متواصلة صعبة وقاسية من المعاناة الشديدة
والاضطهادات المريرة، بل ومن محاولات الإبادة
الجماعية.
وكان نتيجة ذلك، نقص عدد الأقباط وانحدار أوضاعهم
الاجتماعية ومستوياتهم الروحية والثقافية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، عندما جاء البابا كيرلس
الرابع، البابا ال ١١٠ (يونيو١٨٥٤ ـ يناير١٨٦١)،
والملقب بأبو الإصلاح، ورغم المدة الوجيزة التي
قضاها كبطريرك، فقد قام بعدة إصلاحات جذرية لأحوال
الأقباط المتردية، مما استحق معه لقب ـ أبو الإصلاح
ـ عن جدارة، فقد وضع نصب عينيه تخليص الأقباط من
تراكمات المؤثرات العربية والإسلامية الدخيلة على
سلوكيات وأوضاع الأقباط، كالزواج بأكثر من زوجة، أو
اتخاذ الجواري والإماء، أو غير ذلك من العادات
الغريبة والأمور الشاذة، التي كان بعض الأقباط
يمارسها تشبهاً بالآخرين.
ومن أهم ما قام به هذا المصلح العظيم من إصلاحات، هو
موضوع اللغة القبطية والهوية الوطنية، فقد لاحظ أن
لهجة الكنيسة الموحدة قد تأثرت بمؤثرين أساسيين:
١ ـ تأثير الأصوات العربية على الألفاظ القبطية.
٢ ـ تأثير اللهجات القديمة كاللهجة الصعيدية أو
الفيومية أو الأخميمية أو البشمورية على اللهجة
القبطية الموحدة.
فبالنسبة إلى المؤثر الأول (الأصوات العربية) | | |
جميع الحقوق محفوظة لـ دراسات مصرية، موقع تابع
للأقباط متحدون |
© 2006 Copts United
http://www.copts-united.com/,
all rights reserved . Best view : IE6 ,IE7 Screen
resolution 800 by 600 pixels |
|
|
|