المجامع المسكونية (2)

ابقلم/ سوزان قسطندي
 6 ديسمبر 2006

مجمع القسطنطينية المسكوني الثاني عام 381م لمواجهة بدعة مقدونيوس:
كان مقدونيوس (مكدونيوس) أولاً من حزب الأريوسيين، وتمكن هؤلاء بواسطة نفوذهم عند قسطنس قيصر من أن يرسموه بطريركاً لكرسي القسطنطينية عام 343م، فدخل المدينة محفوفاً بالجنود وثار شغب بين المؤمنين والأريوسيين، وكان مقدونيوس يضطهد أتباع بولس البطريرك الشرعي المعزول.
وفيما بعد تغير قسطنس على مقدونيوس لأنه نقل جثة أبيه قسطنطين الكبير من مدفن إلى آخر، فأمر بطرده من كرسيه عام 360م ونفيه إلى مكان يدعى "بيلي"، على أنه لما كان بطريركاً لم يكن يُعَلّم إلا تعليم أريوس فلما عُزل أراد أن يكون مبتدعاً بدعة جديدة.. فإدَّعى أن الروح القدس عمل إلهى منتشر في الكون وليس بأقنوم منبثق عن الآب والإبن، وإعتبره مخلوق بشبه الملائكة لكنه ذو رتبة أسمى منهم.. ثم أخذ يبث ضلاله في الكثيرين، وشاخ في منفاه وعاجلته نقمة الله.. إلا أن بدعته إستمرت بعد موته وإمتدت في أديرة كثيرة للرهبان وإنتشرت في تراسة وبيثينية.. وكان العامة يدعون أتباع مقدونيوس "أعداء الروح القدس".
ولما رجع البابا أثناسيوس (الرسولي) بطريرك الأسكندرية من منفاه عام 362م عقد مجمعاً بالأسكندرية شجب فيه هذه البدعة.
ولما وصل خبرها إلى مسامع الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير(378- 395م) -وكان أرثوذكسياً، أمر بإنعقاد مجمع مسكوني في مدينة القسطنطينية عام 381م لمحاكمة مقدونيوس، ووجه دعوة رسمية لجميع أساقفة العالم.. فحضر المجمع 150 أسقفاً شرقياً، ولم يحضره أحد من أساقفة الغرب وحتى دوماسوس أسقف روما لم يحضر ولم يرسل عنه نواباً، غير أنه قبل كل قرارات هذا المجمع.
(مدينة القسطنطينية هي بيزنطة القديمة التي تأسست عام 657 ق.م، وأقام الإمبراطور قسطنطين الكبير على أنقاضها العاصمة الجديدة لإمبراطوريته الرومانية الشرقية عام 324م وأسماها بإسمه- وإنقسمت الدولة الرومانية إلى إمبراطوريتين : غربية وعاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية- وهى حالياً مدينة إسطنبول التركية).
بدأ المجمع أولى جلساته في شهر مايو عام 381م، وعُقدت جلساته في غضون عامين كاملين.. وكان المجمع برئاسة ملاتيوس أسقف أنطاكية، غير أنه مرض وتنيح قبل إنتهاء المجمع من أعماله، فرُشح إغريغوريوس الثيئولوغوس لرئاسته- وكان أسقفاً مؤقتاً على القسطنطينية، ولكن إستقر رأى الجميع على نكتوريوس لأسقفية القسطنطينية ورئاسة المجمع (وتنازل إغريغوريوس مسروراً فقد كان نكتوريوس صديقه).
حضر المجمع البابا تيموثاوس بطريرك الأسكندرية (22) (380- 385م)، وكان له دوراً رئيسياً .. فقد ذكر المؤرخ الغربي صوزومينوس عن هذا المجمع: "فإجتمع من الذين يعتقدون بمساواة الثالوث في الجوهر نحو 150 وفي رئاستهم تيموثاوس المتقلد إدارة كرسي الأسكندرية خلفاً لأخيه بطرس الذى كان قد توفى لا من عهد بعيد".
ناقش آباء المجمع بدعة مقدونيوس وأثبتوا بأسانيد كثيرة لاهوت الروح القدس.. وأكملوا قانون الإيمان النيقاوي، بإضافة "نعم نؤمن بالروح القدس.. إلى آخره".. وإزاء إصرار مقدونيوس على التمسك برأيه، قضى المجمع بحرمه وقرر الإمبراطور نفيه.
كما تم أيضاً حرم أبوليناريوس (الذي أنكر وجود الروح أو النفس البشرية في المسيح مدعياً أن اللاهوت حل محلها وقام بوظيفتها ممتزجاً مع الناسوت كلياً حتى أنه إحتمل معه أوجاع الصليب والموت، كما إعتقد بعدم مساواة الأقانيم الثلاثة في العظمة)، كما تم حرم أوسابيوس (الذي إعتقد بوجود أقنوم واحد في الله) وقطعهما من شركة الكنيسة والمؤمنين.
وتم وضع سبعة قوانين لتنظيم أمور الكنيسة في هذا المجمع - مثلما وضع مجمع نيقية السابق عشرون قانونا ً(بالإضافة إلى قانون الإيمان)..
وكان أول هذه القوانين يعلن التمسك بدستور إيمان مجمع نيقية ورفض كل التعاليم الغريبة عنه.
والثانى خاص بتحديد نفوذ مناطق الكراسي الرسولية والأسقفيات-كما سبق وأقر مجمع نيقية قانوناً أن أساقفة المقاطعة هم الذين يدبرون أمور المقاطعة ويجرون الرسامات بها، وأن الأساقفة المجاورين يمكنهم أن يشتركوا معهم بشرط رضى الأولين.
والقانون الثالث يثبِّت تقدم كرسي القسطنطينية في الكرامة بعد كرسي رومية، لكونها (أي القسطنطينية) رومية الجديدة.. وقد روعي في وضع هذا القانون خاطر ملكي رومية والقسطنطينية، الذين أرادا رفع شأن أسقفيتي عاصمتيهما.. فلما كان وضع كرسي الأسكندرية بعدهما يدل على تناسي جهود باباوات الأسكندرية الأفاضل في حفظ الإيمان الأرثوذكسي وعدم إعتبار المعروف منذ القديم وهو أن لكرسي الأسكندرية المركز الأول، إستاء من هذا الأمر البابا تيموثاوس الأسكندرى الذي إحتج على هذا القرار وخرج من المجمع غاضباً.
درجات الكنائس:
كانت المراكز الدينية تقاس بقيمة المدن الكائنة فيها.. كما كانت بعض المراكز تمتاز أكثر من غيرها لأنها كانت مقراً لبعض الرسل وإتصلت إلى الأساقفة بسلسلة الخلافة ودعيت "الكراسي الرسولية"، وكانوا ستة كراسي: في الشرق الأسكندرية وأنطاكية وأفسس وكورنثوس وأورشليم، وفي الغرب رومية.
فالمراكز الدينية التي حازت أحد هذين الإمتيازين كانت لها أسبقية على التي لم تحرزهما..
ولما كان المركز الكنسي الذي يفقد أهميته المدنية يفقد أهميته الدينية أيضاً، فإن كرسي أورشليم فقد أهميته منذ القديم بعد خراب هذه المدينة، ولحقة بعد ذلك كرسيا أفسس وكورنثوس، ولكن الكرسي الأسكندري إرتفع عن بقية الكراسي لأن مقره مدينة الأسكندرية كانت عاصمة الديار المصرية وإمتازت بأنها كانت محط رجال العلوم والمعاملات التجارية للعالم أجمع..
هذا وأن المعلوم هو أن تقدم الكنائس بعضها عن بعض لم يكن مبنياً إلا على التقدم المدني المحض- من أجل تنظيم رئاسة المجامع (أي بروتوكولات المجامع)، ولكن يتساوى الجميع في الرفعة الدينية..
(وهذا يدحض إدعاء أساقفة روما برئاستهم للكنيسة والعالم المسيحي كله! فقوانين المجامع تمنع تعدي أي أسقف على حقوق غيره وخارج حدود مقاطعته، وأن الأمور الكنسية المشاعة يفصل فيها مجمع الأساقفة وليس أسقف رومية وحده.. كما أن هذا يبطل رسامة السيد ماكس ميشيل أسقفاً أرثوذكسياً بمصر بيد غير بطريرك الأسكندرية).
ومن المعلوم أيضاً أنه لم يكن يُعرف لقب "بطريرك" كرئيس أساقفة مقاطعة إلا في القرن الخامس الميلادى، وقد كان سابقاً عن ذلك يُقال "أسقف" أو"أسقفيات".. على أن أول من عُرف بلقب "بابا" في المسيحية هو ياركلاوس بطريرك الأسكندرية (13) (224- 240م).
لمحة عن حياة البابا ثيموثاوس:
كان يلقب ب"الفقير" لأنه وزع كل ما يمتلكه من حطام الدنيا على الفقراء..
وكان تلميذاً للبطريرك القديس أثناسيوس الرسولي وشاطره في كثير من أتعابه، وهو الذي فضح مكيدة الأريوسيين في مجمع صور وذلك عندما أتى الأريوسيون بإمرأة زانية لكي تتهم أثناسيوس بأنه إغتصب بكارتها فوقف أمامها تيموثاوس وأوهمها بأنه أثناسيوس وسألها: هل أنا فعلت ذلك معكِ؟ فأجابت: نعم أنت يا أثناسيوس من فعلت معي ذلك! مما سجل على المرأة الكذب وعلى محرضيها الخجل.
وحافظ هذا البطريرك على قوانين المجمع النيقاوي العشرين بدون زيادة أو نقص.. فلما إجتهد أساقفة رومية في القرن الخامس أن يعتبروا بعض قوانين مجمع سرديكا (صوفيا عاصمة بلغاريا) المنعقد عام 347م كقوانين مجمع نيقية بل أضافوها إليها وإعتبروا قوانين مجمع نيقية 84 قانون وفسروا بعضها بما يؤول لرئاسة أسقف روما على الكنيسة وسيادة حُكمه في كافة القضايا الكنسية، فقاومهم عندئذ أساقفة أفريقيا وأرسلوا إلى أساقفة الأسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية يطلبون النسخ الأصلية الكاملة للقوانين النيقاوية، فسلمهم عندئذ البابا كيرلس الأسكندرى (24) النسخة الأصلية (باللغة اليونانية) لقوانين نيقية العشرين.
ثيئودوسيوس والأقباط:
أعاد الإمبراطور الروماني ئيئودوسيوس الكبير أمجاد المسيحية الأرثوذكسية إلى رونقها الأصلي بعد فترة من السوء، وإتحد مع رؤساء الأرثوذكسيين على إبطال عبادة الأوثان، وأصدر منشوراً عام 381م يجعل الديانة المسيحية هي الديانة الرسمية للدولة، وأمر بهدم جميع معابد الأوثان وهياكلها في سائر الأقطار الرومانية، فهدم في روما وحدها أكثر من 400 معبد، ونهى عن التفرق في الدين وسلك بمذهب الإعتدال..
ورسم بمحو الديانة المصرية الوثنية والتمسك بالدين المسيحي، فأُغلقت المعابد والهياكل الوثنية بمصر، وصرح للبابا ثاؤفيلوس الأسكندري (23) بتحويل كافة البرابي ومعابد الأوثان إلى كنائس، وكان ضمن هذه المعابد هيكل سيرابيوم بالأسكندرية الذي حوله البابا إلى كنيستين - على أن البابا لم يكن يهدم إلا المعابد المهجورة، إذ كان الإمبراطور قسطنطين الكبير قد أبطل الذبائح البشرية معتبراً إياها كجنايات قتل، كما كان قد كثر عدد المسيحيين في مصر وقل عدد عبدة الأصنام فنجم عن ذلك إزدحام شديد في الكنائس أثناء إحتفالات النصارى بأعيادهم رغماً عن التجديد بالكنائس.. ومن ثم عمت المسيحية كل القطر المصرى وإحتفل النصارى بأداء طقوس دينهم المسيحي علناً..
وقال بعض المؤرخين: "وكان للمصريين يومئذ أربعون ألف صنم للعبادة فحل محلها دين المسيح الآمر بالتوحيد، ومع ذلك فقد بقى من العاكفين على دين الوثنية كثير بصعيد مصر ولم يُمحَ هذا الدين إلا بتوالي الأيام وكرور الأعوام، وإشتهر أهل مصر من هذا التاريخ بإسم "قبطة مصر" فطائفة الأقباط من أهالي مصر الآن هم المتنصرون من ذرية الأمة المصرية القديمة وهم بقية ذلك الشعب الذي قدر وإقتدر وفاز وإشتهر".

المراجع:
تاريخ الكنيسة القبطية - القس منسى يوحنا
تاريخ الكنيسة القبطية – إصداركنيسة رئيس الملائكة ميخائيل ومارمينا بستاتين أيلاند بنيويورك
الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة - للأسقف الأنبا إيسيذورس

جميع الحقوق محفوظة لـ دراسات مصرية، موقع تابع للأقباط متحدون

© 2006 Copts United  http://www.copts-united.com/, all rights reserved .
Best view : IE6 ,IE7  Screen resolution 800 by 600 pixels