تسبحة نصف الليل

بقلم/ أرنستو جيفارا المصري
7 نوفمبر 2006

ما أجمل هذه التسبحة التي تبدأ في نصف الليل، في هدوئه وتأملاته، وتـُستهل بلحن "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات"، نعم هذا هو النور الحق الذي يملأ نفوسنا وقلوبنا ويجعل لها شفافية إلى أبعاد هذا الكون، وفي هذا التأمل وهذا الاستغراق، يحل روح الله وينطلق وجدان الإنسان من الأرض وما عليها إلى سماء السموات، ويستمر دمج هذا اللحن في الترتيل والتمجيد لله، إن نغمة هذه الصلوات التي نسميها بـ "الدمج"، ما أحبها إلى نفوسنا، وما أقربها من قلوبنا، وما أشد تأثيرها على نفوسنا، فهي وإن كانت تعاد في جُمل كثيرة مُشبّعة بالروحانية، إلا أنها تطرد الملل، فلهذا الدمج في التسبحة ألوان كثيرة تربو على العشرين نغمة.
فالهوس الأول يعطينا صورة رائعة عن كمال معجزات الله مع إسرائيل إزاء كبرياء فرعون وعناده، وما سخره الله من قوات الطبيعة ليعلن له قوته، شق طريقاً يابساً وسط البحر، وجعل أمواجه أسواراً لهذا الطريق، فيندفع إليه فرعون بجيوشه العاتية وخيوله ومركباته، وإذا بالمياه تتدفق عليها وتغرقها في قاع عميق.
يالها من أحداث عظيمة، ترينا كيف أن قوات الطبيعة تطيع أوامر الله عز وجل، ولبش هذا الهوس، لحن "خين أو شوت" يصور هذه الأحداث تصويراً موسيقياً جميلاً، فيشعرنا أننا نسير وسط طريق البحر بين أسوار الموج مع إسرائيل نسبح الله بهذه التسبحة الجديدة مرنمين "فلنسبح الرب لأنه بالمجد قد تمجد".
والهوس الثاني بنغمته التي تنساب من القلب بالشكر لله على كل ما نظمه في هذا الكون، وعلى آياته ومعجزاته، إذ يختم كل ربُع من أرباعه بهذه العبارة "لأن رحمته كائنة إلى الأبد" فهي تدل على رجاء الإنسان في خالقه، وعلى حنان أبوة الخالق، ولبش هذا الهوس الذي يتبع أيضاً بالشكر لله ويكرر دائماً أسماء الموجودات كالجبال والدواب والزروع والأنهار الشمس والنجوم والملائكة وكل ما على الأرض وفي السماء إذ يشكرون الله.
والهوس الثالث وبه تسبحة الثلاثة فتية القديسين "أنانياس وعزارياس وميصائيل" إذ يدعو أيضاً كل ما في الوجود من موجودات، وأجرام الكون وكل ما في السماء وعلى الأرض، بأن يمجدوا الله بيد أنه يختتم كل ربع من أرباعه بهذه العبارة الحلوة "سبحوه وزيدوه علواً إلى الأبد"، فألحان قطع الثلاثة فتية القديسين ونغماتها تشعرنا بأننا نسير معهم في نسيم عليل وسط آتون النار، نسبح ونبارك في عمق رب السموات، وهي "أريبصالين" و"هوس إروف" و"أري هوؤو تشاسف" و"تـْيـَنين" و"تين أوّوِه "، فهي باقة جميلة، وألوان موسيقية غنية في تعبيراتها وأدائها الرفيع، إذ تنساب في سلاسة، وتنساق في روحانية فلا يشبع الإنسان من ترديدها وتلاوتها على الرغم من تشابه معانيها، فهذا يدل على أن الفن الموسيقى القبطي الكنسي بلا شك يحتل مكانته كفن عظيم متكامل.

ثم يرتل أيضاً المجمع المقدس، وفيه نطلب من جميع الشهداء والنساك والقديسين والملائكة ورؤساء الملائكة، أن يتشفعوا عنا في الملكوت كي نعبر نخن أيضاً بحر هذا العالم، وتتسم نغمة هذا الجزء بالانسحاق والتواضع لله.
والتسبحة هي بحر من الطقوس والألحان لها مترادفات، فمثلاً "الشارات" لها خمسة مترادفات وهي، لحن سنوي، ولحن صيامي، ولحن كيهكي، ولحن شعانيني، ولحن فرايحي، وهذا كله يجعلنا ننحني أمام هذا الفن الذي وضعته الكنيسة القبطية وجعلته ركناً أساسياً من أركان العبادة، فإن تأثيرات الفن تنساب على روح الإنسان، وهي أقوى تأثيراً على نفسه من الوعظ بما لا يقاس، يؤمن بهذا كبار العلماء وجميع الفنانين في كل أنحاء العالم.

والتسبحة هي المقدمة الأساسية لإقامة القداس الإلهي، يصليها الرهبان في الأديرة كاملة بألحانها كل ليلة، وهم في استغراقهم ونشوتهم يشعرون بأنهم في وحدة كاملة مع السمائيين، وإلى أوائل عهد البابا كيرلس الخامس كان يحضرها أجدادنا في الكنيسة القبطية المرقسية وسائر الكنائس عندما كان القبط يسكنون في أحياء خاصة بهم تكتظ بالكنائس، إذ كان القبط جميعاً يهتمون بها.

لقد خلق الله الإنسان لعبادته، وعلى هذا المبدأ وضعت الكنيسة المصرية القبطية كل صلواتها وطقوسها، وهي بحق كنيسة الصلاة والعبادة والتي أنارت العالم بعلمائها الفلاسفة وآبائها النُسّاك.
** عن مسجلات معهد الموسيقى والألحان القبطية للقمص/ متياس نصر

جميع الحقوق محفوظة لـ دراسات مصرية، موقع تابع للأقباط متحدون

© 2006 Copts United  http://www.copts-united.com/, all rights reserved .
Best view : IE6 ,IE7  Screen resolution 800 by 600 pixels