دراسة في درب الآلحان القبطية 2

عند ذكر الآلحان لا ننسى العباقرة القديسين
بقلم/ أرنستو جيفارا المصري

أولاً- المعلم تكلا
لا بد أولا أن نذكر بالعرفان جهود البابا كيرلس الرابع (1853
1861 م.) "أبى الإصلاح"، "بالصورة المقابلة" والذي بفضل مجهوداته وتشجيعه إستعادت الألحان القبطية صحوتها بعد فترة ركود وضعف وكان المعلم تكلا معاصراً للبابا كيرلس الرابع، وآزره البابا بكل الوسائل والإمكانيات، فبحث المعلم تكلا في كل مكان وجاب البلاد طولا وعرضا وما من لحن وجده سليماً إلا وإعتمده، حتى جمع الآلحان كلها على أحسن صورة والتى يشملها طقس الكنيسة، فصار المعلم تكلا هو معلم الكتـّاب الملحق بالكنيسة البطريركية الذي كان يتعلم فيه أولاد الأعيان، إلى أن أنشأ البابا كيرلس الرابع مدرسة الأقباط الكبرى فعين المعلم تكلا معلما للألحان بها، وبعد ذلك رسمه قسا على الكاتدرائية لبالغ اهتمامه بطقس الكنيسة.

وضع المعلم تكلا وعريان بك مفتاح "أستاذ اللغة القبطية في ذلك العصر"، لأول مرة كتاب خدمة الشماس وقد طبع حوالي سنة 1860م وبموافقة البابا كيرلس الرابع أضاف المعلم تكلا إلى الآلحان القبطية بضعة آلحان يونانية قديمة، هي إثنى عشرة لحنا، لم يبق منها حتى اليوم سوى القليل منها: لحن يقال في عيد الميلاد وهو لحن "إيبارثينوس" ومقدمته بالعربية "اليوم البتول تلد الفائق الجوهر"، وإثنان يقالان في دورة عيد القيامة والخماسين المقدسة وهما لحن "تون سينا نارخون لوغون" أي "نسبح نحن المؤمنين" ولحن "توليثوس فراجيس" أي "لما ختم الحجر من اليهود".

وقد دبر الله سبعة عباقرة أن يدرسوا على يد المعلم تكلا، فإستلموا منه الآلحان كلها، فكانت نهضة للحن الكنسي، ومن أشهرهم المعلم مرقس والمعلم أرمانيوس.

ملحوظة: أعتذر بمرارة العلقم لعدم وجود صور لهؤلاء العباقرة الجهابزة وذلك نظراً لقدم المدة، وأتمنى شاكرا منحنياً معترفاً بالجميل إن كان لدى أحد صور لأحد هؤلاء المعلمين
 البررة أن يتفضل مشكورا بارسالها على
wi2awi2a@yahoo.com
 

ثانياً- المعلم ميخائيل جرجس البتانوني
ولد في 14 سبتمبر سنة 1873 م. بالقاهرة، "بالصورة المقابلة" وكان في صباه يبصر قليلا وبعد ثلاث سنين أصيب بالرمد فسلمه والده إلى الكنيسة ليتعلم الآلحان ولم يكن يبخل عليه بالمال في سبيل تحقيق ذلك، فتتلمذ على يد المرتلين مرقس وأرمانيوس (تلميذا المُعلم تكلا)، وما أن بلغ التاسعة عشرة من عمره حتى كان قد إستوعب الآلحان وملك زمامها، فرسمه البابا كيرلس الخامس شماسا في سنة 1886 م، ثم إرتقى إلى منصب كبير المرتلين في الكاتدرائية المرقسية في سن مبكرة، بعد أن إلتحق بالإكليريكية عام 1891 م، وفي 2 نوفمبر عام 1893 م عين مدرسا للآلحان بالإكليريكية وكان معروفا بدقته في الأداء وجمال صوته وحفاظه على أصول هذه الألحان، ولم يتوانى عن تحصيل وتثبيت الآلحان مع كبار المرتلين خاصة بعد إنتقال المرتلان مرقس وأرمانيوس، وكان دؤوب في البحث عن كل لحن جديد لم يحفظه من قبل، أسس المعلم ميخائيل مدرسة للعرفاء العميان بالزيتون عام 1901 م. وقام بإعداد كتب للآلحان القبطية على طريقة "برايل" لمساعدة المكفوفين، ومُنح لقب البكوية لمجهوداته الكبيرة في نقل القداس القبطي إلى اللغة العربية في عهد البابا كيرلس الخامس (1874 – 1928 م)، المعروف بحبه وإجادته للآلحان القبطية.

أكد المعلم ميخائيل للأستاذ الدكتور راغب مفتاح أن موسيقى القداس الكيرلسي تلاشت منذ زمن بعيد ولم يبق منها إلا لحن الترحيم (أووه ناي نيم)، واللحن الذي يقال في نهاية المجمع (ليس إننا نحن أيها السيد) وهو مرد المجمع الكيرلسي، ويلحن بلحن "أيوب" أي بلحن الحزن، وبعد ذلك ألف طريقة لبعض أجزاء لهذا القداس (أما عن الطريقة التى كان يستعملها المتنيح البابا مكاريوس الثالث، فقد عثر على وثيقة بخط يده يقول فيها أنها من عندياته، وأنه يصلي بها ويرتاح اليها.

عمل المعلم ميخائيل مع أستاذ دكتور/ راغب مفتاح مدة أربعين سنة بدأت في شتاء سنة 1928 م. مع حضور الفنان الموسيقي العالمي "نيولاند سميث"، في تسجيل العديد من تراث الآلحان القبطية، وكان إنتقاله في يوم 18 أبريل سنة 1957 م. 

ثالثا- أستاذ دكتور/ راغب حبشي مفتاح
الأستاذ الدكتور راغب مفتاح من مواليد 1898 م، "الصورة المقابلة" ينتمي إلى عائلة قبطية عريقة، قدمت خدمات جليلة للكنيسة القبطية، تعلم الموسيقى بألمانيا، ومن أهم إنجازاته، أنه جمع تراث الآلحان القبطية من أفواه المرتلين وقام بتسجيلها صوتيا على عشرات من أشرطة الكاسيت، فدون التراث الكنسي الموسيقي القبطي على النوتة حفاظا عليه مدى الدهر.

وكان يمتلك 120 فدانا إرث والده وهو ما ساعده على إستدعاء ثلاثة من كبار الموسيقيين في العالم هم: البوفيسور الإنجليزى "آرن نيولاندسميث، الأستاذ بأكاديمية الموسيقى الملكية بلندن، والعالم الموسيقي "بلا بارتوك" الذي دعي بيتهوفن القرن العشرين، وسبق له أن قام بتسجيل كل التراث الموسيقي الشعبي لدولة المجر، والدكتورة "مارجريت توت" من علماء الموسيقى في المجر وتلميذة الموسيقار بارتوك، وهي من الخبراء القليلين في العالم لعلم التدوين السمعي في الموسيقى.
إستقدم من إنجلترا البروفيسور نيولاند سميث واتفق معه بأن يقضي مستر سميث في مصر سبعة أشهر من كل سنة من أول أكتوبر إلى نهاية أبريل لتدوين النوتات الموسيقية
للآلحان القبطية، وإستمر ذلك من عام 1928 إلى عام 1936 م، وكانت تكاليف السفر والإقامة والإعاشة والأتعاب على نفقة الدكتور راغب مفتاح، إعتمد مستر سميث في تدوينه الآلحان القبطية على المعلم ميخائيل البتانوني وذلك لجمال صوته ودقة أدائه، وقد أتم في هذه المدة ستة عشر مجلدا تشمل كل طقوس الكنيسة، في سنة 1940 م. كون الدكتور راغب مفتاح أول خوروس من طلبة الكلية الإكليريكية بمهمشة، من شمامسة موهوبي الصوت، وخورسين آخرين أحدهما من طلبة الجامعات والثاني من طالبات الجامعات، في سنة 1945 م. أنشأ مركزين لتسليم الآلحان للمعلمين والشمامسة في وسط القاهرة، واحد في مصر القديمة، والآخر بالقرب من ميدان رمسيس، وأسند التدريس فيه إلى المعلم ميخائيل البتانوني، وفي سنة 1950 م. قصرت الدراسة فيهما على كبار المعلمين لتثبيت الآلحان.

تولى الدكتور راغب مفتاح رئاسة قسم الموسيقى والآلحان بمعهد الدراسات القبطية ونشر كثيرا من الآلحان القبطية على أشرطة كاسيت، وهي "تسجيلات المعهد العالي للدراسات القبطية"، لتكون مرجع رئيسي لتسليم الآلحان لأصوليتها ودقتها، في سنة 1970 م. دعا العالمة الموسيقية "مارجريت توت" للتعاون في إستكمال تسجيل القداس الباسيلي الذي كان البروفيسور "سميث" قد أعد مرداته، وإستمر العمل حتى تم تدوين القداس بكل الحانه بالنوتة الموسيقية الصوتية شاملا النص باللغات القبطية والإنجليزية والعربية، وتم وضع الحُلى الموسيقية للآلحان القبطية التي دونها البروفيسور "سميث"، في سنة 1992 م. أهدى الدكتور راغب مفتاح كل إنتاجه الموسيقي الذي صرف عليه كل ثروته إلى مكتبة الكونجرس بواشنطن للمحافظة عليه مدى الأجيال بالوسائل التكنولوجية الحديثة، فأدمجت كل المجلدات في ثلاث مجلدات ليسهل تداولها وفي سنة 1998 م. أصدر كتابا بعنوان "الليتورجيا القبطية الأرثوذكسية للقديس باسيليوس"، مع المدونات الموسيقية الكاملة. وقد قامت بنشره الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وقد تشرفت بالعمل معه في أواخر أيامه قبلما يدخل إلى القرن الثالث، حيث عاش مجاهدا سنتين بعد المائة، مر خلالها بنهاية القرن التاسع عشر وعاش كل القرن العشرين وعامين في القرن الحادي والعشرون، حيث أسند العمل للقمص متياس نصر راعي كنيسة العذراء والبابا كيرلس بزرابي عزبة النخل، إذ أنه أيضا من الأباء الشديدي الحرص على اللحن القبطي، وقد قمنا بعدة تسجيلات أهمها في هذه الحقبة هي تسبحة شهر كيهك، وكان الدكتور راغب بالرغم من حالته الصحية الضعيفة ودخوله في جراحة الفتاق وضعف جسماني شديد وتقدم بالسن، كان يصر على حضور التسجيلات ويتابعها بنفسه، وكان إنتقاله في يوم 18 يونيو سنة 2001 م، وقام بالصلاة على جثمانه الطاهر قداسة البابا شنوده الثالث والكثير من الأساقفة والكهنة وسط مظاهرة حب عظيمة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.

ينفعنا الله بصلوات هؤلاء القديسين الذين لم يبخلوا أبدا بالجهد والمال والصحة والحياة كلها من أجل هدف صالح يخدم الكنيسة العظيمة.

_______________
المراجع
* الألحان القبطية روحانيتها وموسيقاها م. جورج كيرلس
* لغة السمائيين كنيسة العذراء مريم ببيجام
* مناقشات على هامش التسجيلات بمعهد الموسيقى والآلحان

جميع الحقوق محفوظة لـ دراسات مصرية، موقع تابع للأقباط متحدون

© 2006 Copts United  http://www.copts-united.com/, all rights reserved .
Best view : IE6 ,IE7  Screen resolution 800 by 600 pixels