القضية.. ليست الغول، والوحش، والجحش
بقلم: د. ميشيل فهمي
أكتب هذه المقالة التحليلية التقريرية في عدة أجزاء، بعد مُغالبة كبيرة مع النفس ومع عِناد من القلم وجفاف نبع مِداد الفكر ونضوبه، لتوالي أحداث جِسام بنهاية آخر ساعات عام 2009 وبدايات 2010، من انتقال رائد النضال ومهندس الكفاح القبطي ومؤسس هذا المنبر الإعلامي الذي منه وَجَه صرخاته التحذيرية من سوء مغبة استمرار تجاهل القضية القبطية بدولة مصر الوهابية.. إلى بداية سنة الاستشهاد في عيد الميلاد بأحداث نجع حمادي المعروفة للقاصي والداني بمعظم دول العالم.
هذه الفاجعة الكارثية لم يرتكبها محمد أحمد حسن الشهير بحمام الكموني، وقرشي أبوالحجاج محمد، وهنداوى سيد محمد، بل ارتكبتها الدولة المصرية بكافة مؤسساتها وهيئاتها ومجالسها وإعلامها وقضاتها وتعليمها.. نعم الدولة المصرية هي التي تقتل أقباط مصر وتحرق منازلهم وتنهب وتسلب ممتلكاتهم، وتقتل معهم في نفس الوقت مصر، بتراخيها ورخاوتها في معالجة أمور القضية القبطية، بتمييزها بين القبطي المسيحي المصري وبين المسلم المصري، بمعاييرها المزدوجة الكيل علي الأمور لِما يحدث في المجال القبطي ونفس الحدث في المجال الإسلامي، بتعاميها المتعمد إلى النظر للأمور بنظرة صحيحة بغرض العلاج لا التسكين والتسويف والتفويت، بتجاهلها وجهلها لإيجاد جذور الحلول لكي يعيش الوطن بسلام وأمان..
هذه الفاجعة الكارثية لم تصيب الأقباط فقط، بل أصابت مصر وسمعة مصر ومكانة مصر ومستقبل مصر، إن ما يحدث وما هو حادث وما سيحدث بين المسلمين والأقباط في دولة مصر المحروسة (بالإخوان) لا يستحق أن تكون بيد أمن الدولة كملف أمني لِفشلها الذريع في تناولها، ولعدم إمكانياتها الذهنية والفكرية في معالجتها، وعدم حِيادتها في التعامل مع أقباط مصر، لِعدم تجرد أفرادها من النزعة الدينية الإسلامية التي تسيطر على رجالها، فهي أكبر بكثير من القبض علي مُدَوِن كتب هنا وهناك أو مُلاحقة متنصر ومتنصرة أو التغاضي عن المحظورة ورجالها وأفعالها وانتخاباتها، وهي أعمق من متابعة إصلاح دورة مياة بكنيسة ...إلخ..
القضية القبطية يا سادة قضية أمن قومي.. اختصاصها الأصيل جهتان سياديتان:
أولاً: رئيس الجمهورية، حيث أنه طِبقًا للدستور المصري، فإن نص المادة 73:
((رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، ويسهر على تأكيد سيادة الشعب، وعلى احترام الدستور، وسيادة القانون، وحماية الوحدة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، ويرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها في العمل الوطني))
المادة 74:
((لرئيس الجمهورية إذا قام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ويوجه بيانًا إلى الشعب، ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يومًا من اتخاذها، ولا يجوز حل مجلس الشعب في أثناء ممارسة هذه السلطات)).
في هذا الإطار، اتصل السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك هاتفيًا في الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس 14 الجاري بالدكتور وزير الصحة في شأن إعادة طفل للمستشفى خرج منه بدون إستكمال علاجه، وطلب السيد رئيس الجمهورية إطلاعه على التحقيقات التي ستجرى في هذا الموضوع فور الانتهاء منها، وهذا ما تم فِعلاً وعُرض التحقيق ونتائجه على سيادة الرئيس صباح يوم السبت 16 الجاري....
وكان هذا الطفل اسمه محمود رجب محمد
سيادة الرئيس.... ألا يعني لك هذا الطفل المصري شيئًا.. واسمه أبانوب كمال، ومعه مينا وأيمن وبيشوي وبولا؟
ومحاولة قتل تسعة أقباط مصريين آخرين والتي أدت إلى إصاباتهم بإصابات خطيرة، الذين قُتِلوا بدون سبب أو ذنب أو جريرة بعد أداء صلاتهم للله الواحد الأحد ولخالقهم، لا لشيء إلا لكونهم مصريين مسيحيين الديانة، وقد أقسمت سيادتك يمين الله أن تتولى رعايتهم وحمايتهم..
وقُتِل معهم الشهيد المسلم أحمد بحكم وظيفته في حراسة الكنيسة، هؤلاء الأقباط المصريين (قُتِلوا) بالتوصيف الإسلامي والإعلامي حيث لا شهداء إلا في الإسلام، واستشهدوا بالتوصيف المسيحي الذي بدأ تقويمة بسنة الشهداء.
ثانيًا: هيئة الأمن القومي المصري:
حيث بِسلاح التفرقة الدينية والتمييز بين المصريين على أساس ديني، تُضرب مصر في مَقتل، وتُشَقْ أنفاق في نفوس وقلوب أبناؤها تفوق في خطورتها أنفاق التهريب الحمساوية بغزة والتي تهدد أمن وأمان واستقرار مصر، لهذا يجب أن تتَنَاول هيئة الأمن القومي الملف الديني بشقيه القبطي والإسلامي، لأن الأمن القومي المصري يعني:
· حماية المصالح العليا للبلاد.
· توفير المناخ الملائم للاستقرار والتنمية بعيدًا عن القلاقل والاضطرابات والاحتقانات.
· الاعتدال في معالجة الأمور والمشاكل وعدم الدخول في نزاعات تؤثر على أمن الوطن والمواطنين عند المعالجة.
· إدارة الأزمة بما لدى أجهزته من خبرات وقدرات دون تورط.
إن ردود الأفعال الحكومية والأسباب التلفيقية الشُرَطية والأفكار السطحية والتسطحية للمسؤلين والسياسيين والحزبيين التي تُقدم بعد كل كارثة طائفية تحل بأقباط الوطن، لا تُمثل إلا سمومًا بطيئة المفعول في تسميم وموت المواطنة إذا أطلت بهامتها، وتمييع زائد عن الحد لإطلالة الحلول الجذرية... ويبدو أن هناك من لا يريد لها حلاً -لا جذريًا ولا فرعيًا- وإلا أين التوصيات الجادة والمدروسة لتقرير الددكتور العطيفي ولجنته في أعقاب مذبحة الخانكة؟!
إن العقل الجمعي المصري ومعه بقية عقول البشرية بالعالم، ليسو من العقول ذات القدرات الخاصة لكي يقبلوا تحريات أمن الدولة والشرطة، إن وأد فرحة هؤلاء الشباب في بدء فرحتهم بعيدهم بعد صلاتهم لربهم من بلطجية مُسجلين خطر بالجهات الأمنية المصرية الساهرة، جاء بزعم تأثرهم بواقعة اغتصاب الشاب المسيحي جرجس بارومي جرجس (18 سنة) للطفلة المسلمة يسرا (12 سنة).
ومنذ متى كان البلطجية والمسجلين خطر والخارجين على القانون لديهم ضمير أو أخلاق لِيُدافعوا عن الشرف؟ وهل أصبح أشاوس الرجال من الصعيد يوكلون من يأخذ بثأرهم للدفاع عن الشرف بموجب توكيل وتكليف البلطجية بأخذ ثأرهم رفعًا لِعارهم؟ وهذا يتنافي تمامًا وأخلاق الصعيد؟
وأين كانوا هؤلاء العِلُوج من الشرف عندما قام المواطن المسلم ((إسلام السيد عبدالعزيز وشهرته إسلام الجحش 16 سنة عاطل)) باغتصاب وقتل الطفلة ((هايدي سعيد محمود 10 سنوات)) عمدًا مع سِبق الإصرار والترصد، وحُكِم عليه بالسجن المؤبد من محكمة جنايات بنها برئاسة المستشار أحمد خليل، ولم يقم أحد بقتل ولو قطه ببلدته أو حرق ممتلكات بالقليوبية موقع الحادثة الاغتصابية التي تتكرر يوميًا عشرات المرات بمصر المحروسة (بالإخوان) انتقامًا واحتسابًا للشرف الإسلامي المُراق؟
كلها حوادث طائفية عنصرية تحريضية من غول ووحش وجحش... مع سوء وفشل إدارة الأزمة الخطيرة من قِبل قيادات الكنيسة لِعدم الخبرة السياسية
هذا ما سنتعرض له بالجزء التالي..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :