الكنيسه القبطية .. و مواقف البابوات الوطنية "1-2 "
كتبت: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
"إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطنًا يعيش فينا" هكذا قال البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية الذي آمن بالوحدة الوطنية وبأهمية تآلف عنصري الأمة مثل جميع البطاركة الذين سبقوه وكانت لهم مواقف إيجابية تدل على وطنيتهم ورفضهم لأي استغلال أجنبي، فالمزايدة على وطنية الأقباط ينفيها التاريخ الذي أدعوكم إلى التجوال في صفحاته من خلال بعض المواقف التي قام بها بطاركة الأقباط .
ومن هؤلاء البطاركة البابا بطرس الجاولي البطريرك "109" الذي رفض تدخل روسيا لحماية الأقليات عندما خشيت روسيا من نفوذ محمد علي الذي قد يمنع تغلغل نفوذها في الشرق، فخططت أن تستعين بالأقليات في تنفيذ ذلك المخطط الخطير، فبعثت أميرًا من أمرائها ليفاوض بطريرك الأقباط البابا بطرس الجاولي البطريرك "109" في وضع الأقليات تحت حماية قيصر روسيا العظيم، فما كان من البابا العظيم إلا أن سأل الأمير سؤالاً أثار دهشته وفي نفس الوقت أثار غيظه: هل قيصركم يحيا للأبد؟ فاجاب الأمير: لا يا سيدي البابا يموت كسائر البشر!! قال البابا: إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، أما نحن الأقباط فنعيش تحت حماية ملك لا ولن يموت للأبد!! وهنا خجل الأمير وأنصرف مبهوتًا.
وعندما توجه هذا الأمير لمقابلة محمد علي باشا سأله: هل أعجبتك مصر وآثار مصر؟ أجاب الأمير: نعم ما أعظم أبي الهول وما أروع الأهرامات، ولكن شيئًا آخر أثار إعجابي أكثر من هذا وذاك، إنه بطريرك الأقباط ووطنيته، ثم قص على الباشا حديثه مع البابا، فأعجب كل الأعجاب وتوجه بنفسه إلى الدار البطريركية ليقدم تقديره وشكره الخاص إلى البابا فقال له البابا "لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده" فرد عليه محمد علي والدموع تنهمر من عينيه: "لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك، فليكن لك مقام محمد علي بمصر، ولتكن لك مركبة معدة كمركبته".
البابا كيرلس الرابع ..الملقب بأبي الإصلاح
أما البابا كيرلس الرابع البطريرك "110" للكنيسة القبطية الملقب بأبي الإصلاح فقد اهتم بنشر الثقافة في مصر، وأسس العديد من المدارس وكان يُقبل فيها كل أولاد مصر دون تفرقة بين أقباط ومسلمين، ويذكر المؤرخون أن نجاح هذه المدارس دفع كبار علماء مصر إلى المشاركة في تشجيعها، والإشراف على امتحاناتها وفي مقدمتهم رفاعة الطهطاوي، كما قام ببناء كلية بجوار الدار البطريركية، وهي أول مدرسة أهلية للأقباط في القطر المصري، ضمت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تميز، الأمر الذي خلق ارتياحًا عامًا وسط الشعب المصري، وهو أول من أنشا مكتبة عامة، ثم عممها في جميع المدارس التي أنشأها وأصبح بكل مدرسة مكتبة عامة. حتى أن إحدى هذه المكتبات بلغت شهرتها إلى رئيس الوزراء يوسف باشا وهبة وأهدى لها مكتبته النفيسة.
البابا كيرلس الرابع .. أول من اهتم بتعليم الفتاة
ويُذكر للبابا كيرلس الرابع بأنه أول من اهتم بتعليم الفتاة في الشرق العربي كله وأنشأ مدارس لتعليم الفتيات. وعندما هاج بعض المتذمتين والرجعيين واشتكوه للوالي الخديوي إسماعيل وقف الوالى في صف البابا وأوقف أفدنة من ماله الخاص لكي يصرف منها البابا على مدارس الفتيات، أما الخديوي سعيد فقد أوفده إلى أثيوبيا لتحسين العلاقات بين مصر وأثيوبيا فكان بمثابة سفير لمصر هناك.
كما كان البابا كيرلس الرابع وطنيًا غيورًا جدًا وقد دافع عن وطنيته هو والأقباط ضد إشاعة مغرضة مفادها طلبه من الخديوى إعفاء الأقباط من الخدمة العسكرية، وقال "حاشا أن أكون جبانًا بهذا المقدار حتى لا أعرف الوطنية أو أفترى على أبنائي الأقباط بتجردهم من محبة وطنهم وعدم الميل لخدمته والدفاع عنه وحماية حدوده وأرضه".
ومن نوادره يُذكر أنه عندما كان قسًا مر متعمدًا في طريق على جانبه جامع متهدمًا فلامَ المسلمين على ترك الجامع بهذه الحالة ووعد بمساعدتهم إذا هم شرعوا في بنائه, فكانت محبته لهم سببًا في مساعدتهم له في أعماله الإنشائية.
البابا كيرلس الخامس ..ورفض حماية بريطانيا للأقليات
كانت فترة رياسة البابا كيرلس الخامس البطريرك "112" للكنيسة القبطية مواكبة لفترة الاحتلال البريطاني، وأراد الإنجليز كعادتهم أن يبذروا بذور الفرقة والاختلاف بين عنصري الأمة، فأرسلوا ما كانوا يسمونه آنذاك بالمندوب السامي، الذي زار البابا كيرلس الخامس يساومه على حماية التاج البريطاني للأقليات في مصر، فما كان من البابا الوطني العظيم إلا أن انتهره قائلاً "يا ولدي إن الأقباط والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبًا إلى جنب، ففي البيت الواحد يتعايشون معًا، وفي المصلحة يجلسون إلى مكاتب مشتركة، ويأكلون من ارض طيبة واحدة، ويشربون من نيل واحد، ويتلاحمون في كل ظروف الحياة، في السراء معًا وفي الضراء معًا، ولن يستطيعوا أن يستغنوا بعضهم عن بعض، ولن نطلب حماية نحن الأقباط إلا من الله ومن عرش مصر"، فخجل الرجل وأبلغ حكومته بهذا الموقف الحكيم فعرف الإنجليز أن الوحدة الوطنية في مصر قوية. ومن هذا المنطلق لم يستطِع "اللورد كرومر" في ذلك الوقت إلا أن ضمن تقريره هذه الشهادة التاريخية المشرفة فقال "إن الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم هو أن الأول مصري يعبد الله في كنيسته والثاني يعبد الله في مسجده.
البابا كيرلس الخامس.. وعلاقته بزعماء مصر
ويُذكر عن البابا كيرلس الخامس أنه كان على علاقة قوية بأقطاب السياسة في مصر وفي مقدمتهم الزعيم الوطني سعد زغلول فكان يزوره ويدعو له بالبركة وبالتوفيق في كل خطواته، كما كان على صلة به مستمرة خاصة بعد قيام ثورة 1919، فجعل من كنائسه منابر للخطباء، وأمر القساوسة أن يتعاونوا مع شيوخ الأزهر على توعية المصريين في طلب الاستقلال ووحدة وادي النيل، وعندما تشكل الوفد المصري برئاسة سعد زغلول وسفره إلى لندن في 11 إبريل 1919 لمفاوضة الإنجليز في الاستقلال، كان من بين أعضائه أربعة من وجهاء الأقباط مثل: سينوت حنا - جورج خياط - ويصا واصف - مكرم عبيد، وقد ظل البابا مرتبطًا بسعد وبالثورة حتى شاءت إرادة الله أن يتوفى مع سعد زغلول في نفس السنة ونفس الشهر حيث تنيح البابا في 7 أغسطس 1927، أما سعد زغلول فقد وافته المنية في 27 من نفس الشهر.
البابا كيرلس الخامس.. ينبذ التطرف والتعصب
كما يُذكر للبابا كيرلس الخامس أنه عندما انحاز الخديوي توفيق للإنجليز، انعقد اجتماع وطني تصدره الإمام محمد عبده وحضره البابا، الذي تحدث منددًا بمواقف توفيق، وتضامن معه في موقفه عبدالله النديم، فدعا النديم إلى إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية، ودعا البابا إلى إنشاء الجمعية الخيرية القبطية، ليعملا معًا علي نبذ التطرف والتعصب للدين والعرق والجنس.
وعند نياحة البابا كيرلس الخامس نشرت "مجلة المصور" على غلاف الصفحة الأولى من عددها رقم 148 الصادر يوم الجمعة 12 أغسطس 1927 صورة كبيرة له وكتبت تحت الصورة ما يلي :-
"وافت المنية في صباح يوم الأحد الماضي عظيمًا من عظماء مصر ورئيسًا دينيًا كبيرًا لعب في حياته دورًا هامًا في تاريخ هذه البلاد وهو مثلث الرحمات الأنبا كيرلس الخامس بطريرك الأقباط الأرثوذكس" وبعد أن ذكرت المجلة موجز تاريخه قالت "ويعود إليه رحمه الله الفضل في اتحاد العنصرين اللذين تتألف منهما الأمة المصرية، فقد وقف أثناء الحركة الوطنية موقفًا أطلق الألسنة بالمديح والثناء. وكان صاحب الدولة الزعيم الجليل سعد زغلول باشا يجله ويحترمه والبلاد تنظر إليه نظرها إلى زعيم من زعمائها الدينين والسياسين".
وفي داخل العدد نشرت صورة له وهو مسجى على كرسي البابوية وجمهور المودعين يمرون من أمامه وقالت: "إن هذه الصورة التقطت بصعوبة لأن عدد المودعين كان يزيد عن خمسين ألفًا".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :