الأقباط متحدون | عالم بلا أغلال.. حقوق الإنسان من العصر الفرعوني إلى الثورة الفرنسية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:٤٠ | الاربعاء ١٠ فبراير ٢٠١٠ | ٣ أمشير ١٧٢٦ ش | العدد ١٩٢٩ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

عالم بلا أغلال.. حقوق الإنسان من العصر الفرعوني إلى الثورة الفرنسية

الاربعاء ١٠ فبراير ٢٠١٠ - ٢٥: ٠١ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

عرض: جرجس بشرى
الكتاب الذي نستعرض أهم ما جاء فيه هذه المرة يعتبر من أهم الكُتب الوثائقية التي تؤرخ لتاريخ حقوق الإنسان، حيث يتناول كتاب "عالم بلا أغلال.. حقوق الإنسان من العصر الفرعوني إلى الثورة الفرنسية" لمؤلفه "جلال الجميعي" أهم الأفكار التي أضاءت مبادئ حقوق الإنسان عبر التاريخ وأهم النظريات التي ساهمت في وضع فلسفة حقوق الإنسان منذ العصر الفرعوني حتى الثورة الفرنسية. الكتاب الذي نحن بصدده صادر عن مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان في ديسمبر 1995 م، ويستعرض الكتاب أهم مبادئ حقوق الإنسان في التاريخ المصري القديم مستندًا إلى كثير من الوثائق التاريخية التي تشمل أقدم وأول إعلان مساواة في التاريخ " سنة 2500 ق. م ".
وأقدم وثيقة رسمية لصيانة حقوق الإنسان " عهد الملك أمنمحات الأول سنة 2... ق.م".

ويورد الكتاب أقدم وثيقة حول ضمان نزاهة المُحاكمة، وأقدم الشكايات الرسمية ضد انتهاك حقوق الإنسان ومن أهم هذه الشكايات: شكوى الفلاح الفصيح إلى كبير أمناء جلالة الملك رينسي بن ميرو، وشكوى الحكيم إيبور" سنة 2500 ق.م ".
ويستتبع الكتاب بعد ذلك مسيرة مبادئ وفلسفة حقوق الإنسان في الفلسفة اليونانية القديمة ومسيرة هذه المبادئ العصور الوسطى والعصور الحديثة.
وسوف نركز في معرض سردنا لأهم ما جاء بالكتاب المذكور أهم وثائق حقوق الإنسان في مصر الفرعونية ، ويوثق المؤلف أن مصر هي أول حضارة كبرى عرفها التاريخ الإنساني وأنه على ضفاف النيل قامت النظم السياسية والاقتصادية الأولى التي تنظم العلاقة بين الناس في العمل الإنتاجي والمُمارسة الاجتماعية، وبالتالي فأنه من الطبيعي العثور في تلك الحضارة على أول أشكال الظلم المُنظم وعلى أول ميثاق للعدل. فالعهود البدائية والوحشية السابقة على قيام الحضارة لم تكن تعرف مفاهيم الظلم أو العدل لأنها لم تكن تعرف أي نظام أو قانون أصلاً، وإنما كانت مطالب إرضاء الغريزة هي المُتحكمة في الإنسان البدائي، وكان يستخدم في إرضائها الأساليب الشبيهة بأساليب الحيوانات.

ووفقًا لذلك يرى الكاتب أن مفهوم الظلم في تطور الحياة الإنسانية إنما يؤرخ هو ذاته لبدء الحضارة. ففكرة الظلم بحسب الكاتب هنا تحتوي على مفهوم ضمني للعدل ، وتحتوي على تصور لنوعًا آخر من السلوك يختلف عن السلوك الذي يوصف بالظلم، ويدلل الكاتب بالوثائق التاريخية على أن الحضارة المصرية هي التي شهدت ميلاد فجر التاريخ الإسلامي، حيث أرتبط الوازع الأخلاقي الذي ظهر إلى النور للمرة الأولى في مصر القديمة بالعقيدة الدينية.
فالمصري القديم كان يعتقد أنه سوف تجرى محاكمته في العالم الآخر بعد موته عن كل أعمال الدينونة وأن حسابه سوف يتم في صورة محكمة برئاسة الإله "رع" وتضم 42 عضوًا، وهو عدد أقاليم مصر في ذلك الوقت وكل عضو يمثل إقليمًا. وذلك حتى يتم حصر كل ما ارتكبه من شر أو سلوك ضار في أي إقليم من الأقاليم بشهادة القاضي الروحي لذلك الإقليم.

ويقول الكاتب أنه توجد في متون التوابيت في عصر الأهرام "منذ 5000 سنة" نصوصًا يعلن فيها حاكم الإقليم أو الإقطاعي حاكم الضيعة إتباعه نهج العدالة كما جاء في النص التالي الذي كتب في القرن الـ 27 قبل الميلاد: "لقد أعطيت خبزًا لكل الجائعين في رضيعتي -جبل الثعبان- وكسوت كل من كان عريانًا فيها وملأت الشواطئ بالماشية الكبيرة، وأرضها المنخفضة بالماشية الصغيرة،وأشبعت كل حيوانات الجبل وطيور السماء.. ولم أظلم أحدًا قط في ممتلكاته حتى يدعوه ذلك إلى أن يشكوني لإله مدينتي. ولكني قلت وتحدثت بما هو خير. ولم يوجد إنسان كان يخاف غيره ممن هم أقوى منه.. وأني لم انطق كذبًا وكنت إنسانًا محبوبًا من والده، ممدوحًا من والدته رفيع الأخلاق مع أخيه..".

وفي نفس الزمن يسجل حاكم آخر في متون التوابيت قائلاً: "أنـي لم أرتكب أي عنف ضد أي إنسان". ولقد ترك فراعنة وكهنة وحكماء مصر القديمة الكثير من الوثائق التي تحتوي على نظم العدالة ومن أهم هذه الوثائق:
- متون الأهرام "النصوص المسجلة على جدران الأهرامات الأولى".
- المسرحية الأوزيرية المقدسة، كتاب ما هو كائن في العالم السفلي، كتاب البوابات، ميثاق الملك أمنمحات الأول، شكايات الفلاح الفصيح، نصائح الحكيم إيبور، نصائح بتاح حُتب، نبوءة "نفرو" هو كتاب أمينوبي المصري.
وهذه الوثائق تتراوح أعمارها بين خمسة ألاف سنة وثلاثة آلاف سنة، والموضوع الرئيسي في هذه الوثائق هو العدالة التي كان المصريون يسمونها "ماعت" ووصف السلوك العادل. ويستعرض الكاتب أحد فصول كتاب الموتى يتضمن نماذج لخطب الأفراد في المحكمة الأوزيرية، أو قاعة الحق كما كانوا يسمونها أمام القضاة الــ 42.
وهذه الخُطب التي سبقت الوصايا العشر بنحو 2000 سنة كانت تتضمن تحديد السلوك العادل والإقرار بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وجاءت إحدى هذه الخطب على هذا النحو:
" أنظر.. أني أحضر بالعدل، إني لم أرتكب ضد الناس أي خطيئة، إني لم آتِ سوءًا في مكان الحق، إني لم أرتكب أي شيء خبيث، وإني لم أفعل ما يمقته الإله، وإني لم أترك أحدًا يتضور جوعًا، ولم أتسبب في بكاء إنسان، إني لم أرتكب القتل، إني لم أسبب تعسًا لأي إنسان، ولم أنقص طعامًا في المعابد، وأني لم أرتكب الزنا، إني لم أنقص مكيال الحبوب، إني لم أنقص مقياس الأرض، ولم أثقل وزن الموازين، ولم أحول لسان كفتي الميزان، ولم أغتصب لبنًا من طفل، ولم أطرد الماشية من مرعاها، إني لم أتصيد السمك من بحيراتهم، ولم أطرد الماشية من مرعاها، ولم أمنع المياه عن أوقاتها، ولم أطفئ النيران في وقت نفعها ولم أضع سدًا للمياه الجارية.
وقد جاء في خطاب أخر في نفس الفصل:
إني لم أسرق ولم أتلصص ولم أسرق إنسانًا ينتحب على متاعه ولم تكن ثروتي إلا من ملكي الخاص، إني لم أسبب خوفًا لأحد ولم أؤيد الشجار ولم أنطق كذبًا، ولم أكن أسد أذني عن سماع الحق ولم يكن قلبي طماعًا ولم أضاعف الكلمات عند التحدث.. إني لم أسب ولم أكن متكبرًا ولم أرتكب زنا مع امرأة، إني لم أسب الإله.

*ويوضح الكاتب بالأدلة التاريخية أن الجميع كان يتعرض لهذه المحاكمة سواء كانوا أفرادًا عاديين أو أشرافًا أو ملوكًا، بل أن الآلهة أنفسهم كانوا يتعرضون لهذه المحاكمة الأوزيرية أمام رب الأرباب.
وعن نزاهة المُحاكمة يستعرض الكاتب ما جاء في "كتاب أمينموبي" من تعاليم واضحة موجهة للحاكم العادل حتى تكون المحاكمة نزيهة وحتى لا تميز المحكمة بين غني وفقير أو بين قوي وضعيف، حيث جاء بالكتاب تعاليم خاصة بالمحاكمة وموجهة للقضاة أهمها: "لا تجبر رجلاً على الذهاب أمام المحكمة لأنك لن تستطيع أن تلوي العدالة فلا تيمم وجهك نحو صاحب الملابس البراقة بينما تطرد من تكون ملابسه بالية، ولا تأخذ العطايا من القوي ولا تضطهد الضعيف من أجله، فالعدالة هبة عظيمة من الله يهبها من يشاء وبقوة الله يفلت المظلوم من ضربات القاضي، وأعط المتاع لأصحابه، تصنع لنفسك الحياة.
*ويستعرض الكاتب أقدم إعلان للمساواة في مصر الفرعونية عبر التاريخ الإنساني:

حيث يقول الكاتب أن فكرة العدالة والمساواة بين الناس كانت تشغل مكاناً هاماً في الفكر والعقيدة في مصر القديمة منذ عهد بناة الأهرامات منذ 5000 سنة، حيث كان الفرعون يقيم العدالة بين الناس. وكذلك الإله رع كان يقيم العدالة بين الجميع، لكن أول التعاليم المحددة التي تعلن المساواة بنص الكلمات فتعود إلى ما يسمى بالعصر الإقطاعي في التاريخ المصري القديم "منذ 4500 عام" وذلك في إعلان "ست حزحتب" وهو عبارة عن خطاب ملكي باسم إله الشمس تضمنته متون التوابيت، وقد جاء في هذا الإعلان الذي يشكل أهمية تاريخية كبرى بالنسبة لتتبع جذور مبادئ حقوق الإنسان، ونص هذه الإعلان هو:
"لقد خلقت الرياح الأربعة ليتنفس بها الإنسان مثل أخيه الإنسان مدة حياته. ولقد خلقت المياه العظيمة ليستعملها الفقير مثل السيد، ولقد خلقت كل رجل مثل أخيه، وحرمت عليهم إتيان السوء لكن قلوبهم هي التي نكست بما قلت. وأعتبر المؤلف أن هذا الإعلان الموغل في القِدم يتضمن عدة مبادئ أساسية هي:
1- حق الإنسان في المساواة. 
2- حق التمتع المتكافئ بخيرات الطبيعة والحصول على الاحتياجات الأساسية بلا تفرقة بين غني وفقير.
3- تحريم السلوك السيء.
ويشير المؤلف إلى أن هذا الإعلان مسجل بتابوت "ست حزحتب" المحفوظ بالمتحف المصري بالقاهرة ، وكذلك في متن آخر في متحف برستول.

* كما أورد الكتاب أقدم وثيقة لحقوق الإنسان وترجع لعهد الملك أمنمحات "3000 ق.م" وهذه الوثيقة تعتبر من أهم الوثائق التاريخية لأهميتها في تتبع جذور مبادئ حقوق الإنسان، وهذه الوثيقة تضم العهد الرسمي الذي كان يلقيه الملك "امنمحات الأول" على رئيس وزرائه أو الوزير الأعظم، عند تولي الوزير شئون الحكم ولم يكن هذا العهد مجرد إعلان مبادئ أو تعاليم عامة بل كان بمثابة نظام وعهد ملزم للوزير الأعظم أمام الملك.
وقد سجل كاتب الوثيقة كيف يجتمع أعضاء المجلس في قاعة فرعون ثم يأمر الملك بإحضار الوزير الأعظم الذي نُصِب حديثاً إلى قاعة المجلس ثم يبدأ الملك في تلاوة العهد على الوزير الأعظم على النحو التالي:
"تبصر في وظيفة الوزير الأعظم، وكن يقظًا لمهامها كلها، إنها الركن الركين لكل البلاد. وأعلم إن الوزارة ليست حلوة المذاق.. بل أنها مرة.. وأعلم إن الوزارة لا تعني احترام أشخاص الأمراء والمستشارين وليس الغرض منها أن يتخذ بها الوزير لنفسه عبيدًا من عامة الشعب.
وأعلم أنه عندما يأتي إليك شاكِ من الوجه القبلي أو من الوجه البحري أو من أي بقعة في البلاد فعليك أن تطمئن إلى أن كل شيء يجري وفق القانون. وأن كل شيء قد تم حسب العُرف الجاري، فتعطي كل ذي حق حقه.
وأعلم أن الأمير يحتل مكانة بارزة وأن الماء والهواء يخبران بكل ما يفعله، وأعلم أن كل ما يفعله لا يبقى مجهولاً أبدًا.. فتذكر دائمًا أن تحكم بالعدل لان التحيز يعد طغيانًا على الإله وهذا هو التعليم الذي أعطيك إياه، فأعمل وفقًا له.. وعامل من تعرفه معاملة من لا تعرفه، والمقرب من الملك كالبعيد عنه.
وأعلم أن الأمير الذي يعمل بذلك سيستمر هنا في هذا المكان... وأعلم أنك ستصل إلى تحقيق الغرض من منصبك إذا جعلت العدل رائدك في عملك.. أنظر .. إن الناس ينتظرون العدل في كل تصرفات الوزير.. ولا تتوان فقط في إقامة العدل وهو القانون الذي تعرفه وأعلم أنه جدير بالملك ألا يميل إلى المستكبر أكثر من المستضعف، وعليك بالنظر في القانون الملقي عليك تنفيذه.

ويوثق الكتاب أولى الشكايات ضد انتهاك حقوق الإنسان في مصر عام 2500 ق.م، وقد ظهرت هذه الشكايات في الفترة التي أعقبت سقوط الدولة القديمة أي في نهاية عصر الأهرامات "2500 ق.م" حيث أدى ضعف السلطة المركزية واستقلال أمراء الأقاليم إلى اضطرابات في الحياة السياسية والاجتماعية فضاعت هيبة القوانين وتدهورت أحوال الزراعة والصناعة واختل نظام الأمن وانعكس ذلك على الحياة اليومية للناس.
أما الشكاية الأولى فهي المشهورة في الأدب المصري القديم باسم "الفلاح الفصيح" وهي في الواقع تسعة شكايات في قالب واحد قالها الفلاح إلى كبير أمناء جلالة الملك، وذلك بعد أن سطى أحد كبار الموظفين التابعين لكبير الأمناء "رينسي بن ميرو" على بعض ممتلكات الفلاح، وجاء في شكوى الفلاح:
" يا كبير الأمناء يا شريفي أنك أكبر العظماء وأغنى الأغنياء، أنك دفة السماء وساري الأرض وحبل الميزان، فيا أيتها الدفة لا تنحرفي. ويا أيها الساري استقم ويا أيها الميزان لا تمل، هل أبحتم الشريف أن يسلب رجلاً ليس له ولي وينهب رجلاً ليس معه أحد. أليس من القبح أن تميل الموازين وتختل المعايير، انظر العدالة طريحة على الأرض بعد أن طردت من مقامها العالي، فكبار الموظفين يأتون السيئات ويحيد القوم عن الطريق السوي، ويسرق القضاة.. ثم ماذا؟

إن الذي ينبغي أن يأخذ المسيء قد جانب الطريق السوي الذي ينبغي أن يهب الأرواح، قد بات لا أنفاس له في الأرض والذي ينبغي أن يقسم بالعدل قد أمسى سارقًا. والذي ينبغي أن يقضي الحاجات قد أنزل الحاجات بالناس حتى عم العوز المدينة. إنك تملك أرضًا في القرى ولك أملاك وبيوت ولك زاد في مخازن الزاد، ويعطيك كبار الموظفين فتأخذ! ألا يجوز أن تكون لصًا؟!
 كما يستعرض الكتاب شكاية الحكيم ايبور التي ألقاها بين يدي الملك ورجال البلاط، وقد قام الملك بالرد على هذه الشكاية بعد انتهاء إيبور من عرضها، ولكن للأسف فقد تم فقد هذا الرد الملكي الهام. ويستمر الكتاب في سرد تطور فلسفة حقوق الإنسان ونظرية القانون الطبيعي، ويستعرض فكر المدرسة الرواقية التي تعتبر أول مذهب فلسفي لحقوق الإنسان، وينتقل بعد ذلك إلى حقوق الإنسان في العصور الوسطى ثم ينتهي بفصل كامل عن حقوق الإنسان وبداية العصر الحديث، مستعرضًا نظريات جون لوك لحقوق الإنسان والعقد الاجتماعي والدولة والعقد الاجتماعي وعزل الحاكم، كما يتناول الكتاب حقوق الإنسان عند جان جاك روسو، منتقلاً إلى مبادئ حقوق الإنسان وإعلان الاستقلال الأمريكي، ثم يتطرق بعد ذلك إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1789 ،ثم ينتقل بعد ذلك من الثورة الفرنسية إلى ثورة حقوق الإنسان.
إنه كتاب تاريخي وثائقي جدير بالقراءة والاقتناء.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :