الأقباط متحدون | البرادعي .. خيار المأزومين المستحيل
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٠٦ | الثلاثاء ٢ مارس ٢٠١٠ | ٢٣ أمشير ١٧٢٦ ش | العدد ١٩٤٩ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

البرادعي .. خيار المأزومين المستحيل

الثلاثاء ٢ مارس ٢٠١٠ - ٣٢: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: نبيل شرف الدين
لو ظهر محمد البرادعي الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية في ظل ظروف سياسية صحية تشهدها مصر، لما خطر ببال أحد أن يرشحه للعب دور سياسي من أي نوع، فلم يُعرف عن الرجل من قبل الاهتمام بشئون السياسة الداخلية، ولم يفكر في الانخراط في العمل العام داخل البلاد، ولم يلتحق بأي حزب أو حركة أو حتى يكتب مقالاً يعبر فيه عن رأيه في ما يجري في ربوع مصر المحروسة، بل انحصرت خبراته وتراثه الشخصي في العمل القانوني، وأؤكد القانوني وليس السياسي لدى المنظمات الدولية، كما اقتصرت مؤهلاته على نقاء سيرته وسريرته مما يلوث سمعة معظم اللاعبين المحترفين على الساحة المصرية.

لكن يثور هنا سؤال مشروع عما إذا كانت هذه مؤهلات كافية لرئاسة مصر؟، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خيار عاطفي وربما لا يخلو من قدر من الانتهازية، خاصة من قبل نخبة مأزومة تسعى لتوريط الرجل في منافسة لا يملك أبسط أدواتها، وليس مؤهلاً لها، فالرجل يقتحم الساحة السياسية للمرة الأولى وهو في العقد السابع من عمره، ليتحول بهذا إلى مجرد "درع بشري" لمحترفي النضال الفضائي والخطب الشعاراتية الزاعقة، باعتباره محصنًا ضد التنكيل أو الاعتقال لاعتبارات كثيرة تتعلق بوضعه الدولي الرفيع.

في المقابل طفح الكيل بالشارع المصري من فرط استمرار حالة تكلس النظام وشيخوخته التي ضربت المناخ العام حتى أوشكت أن تبدد أي أمل في التغيير السلمي، لهذا دعونا نعترف بأننا أصبحنا في مصر كالغريق الذي يتعلق بأي قشة، وأن النظام وحزبه الحاكم يتعامل مع الأمر بنظرية "ودن من طين وأخرى من عجين"، فلا يلقي بالاً لهذا الحراك، بل يتصرف باستعلاء شأن كافة الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر، وإن تميز عنها بـ"جهاز عصبي" نادر، يصعب استفزازه أو إحراجه، أو حتى دفعه للتعليق، ليس فقط على مدى جدية سيناريو منافسة البرادعي على عرش مصر، بل ـ ولعل هذا هو الأهم ـ على دلالات ومعاني كل الشوق الشعبي الجارف للتغيير، بغض النظر عن كون "خيار البرادعي" أمرًا عمليًا يمكن تحقيقه على أرض الواقع المسكون بإرهاصات التغيير بعد أن ضرب الناس اليأس من التذرع بالاستقرار.

إصرار "سدنة الحكم" على التزام الصمت الرهيب جعلنا إزاء حالة بالغة الغرابة والسيولة، بين حلم مستحيل تتبناه "معارضة جديدة" تضم آلاف الحالمين بالتغيير، لكن تقودهم شخصيات ينبغي على البرادعي نفسه أن يتوقف بتأنٍ أمام سلوك بعضهم، ممن دأبوا على استثمار الحراك الشعبي لدفع الجماهير صوب الاتجاه الخطأ، بالاحتقان والمشاعر غير الرشيدة والحسابات الخاطئة، لينتهي الأمر على النحو الذي أصاب حركة "كفاية" التي دخلت نفق الصراعات الشخصية والفئوية، بعد أن اختطفتها قوى راديكالية معادية للحريات العامة وتصطدم بالواقع الإقليمي والدولي، سواء الدينية كالإخوان المسلمين أو فلول الفاشيست القومجية، ممن جربت الأمة حكمهم عقودًا، ولم تحصد من ورائهم سوى النكبات والنكسات والاعتقالات والاستبداد.

وهكذا وضعت "ظاهرة البرادعي" جميع الأطراف في مصر في مأزق حقيقي، وكأننا أصبحنا حيال "مصرين" وليس بلدًا واحدًا، يتمثل في ذلك الاستعلاء الحكومي المعتاد من جهة، ومن جهة أخرى ذلك الاستقبال الجماهيري الحاشد "لفارس الأحلام" بعد إحالته على التقاعد، مرورًا بسلسلة المقابلات التي أجرتها معه وسائل الإعلام المصرية الخاصة، وصولاً إلى إعلان تأسيس ما أطلقوا عليه "الجماعة الوطنية المصرية".

وهذه التسمية في حد ذاتها لا تخلو من شبهة الاختطاف، الأمر الذي لا يختلف كثيرًا عما يمارسه "الإخوان المسلمون"، فكما اختطف هؤلاء الإسلام واحتكروه لجماعتهم، ها هي "جمعية المنتفعين بالبرادعي" تختطف الوطن والوطنية، لتستأثر باقتناص صفة "الجماعة الوطنية"، مع أن هذه تعد حقًا طبيعيًا لكل من يحملون الجنسية المصرية، ولا يصح لجماعة من المصريين أن تحتكرها لذاتها، مهما كانت صفة أعضائها.

في الجانب الآخر من هذه الصورة يقف كهنة الحكم أحد موقفين: فإما التعامل مع الرجل والظاهرة بثقافة "الردح"، و"فرش الملاية"، وهذه بالطبع لغة متدنية لا تليق بالأمم والمجتمعات المتحضرة، أو أن يلتزموا الصمت مفضلين التجاهل لكل ما يجري من حراك، و"كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيسٌ .. ولم يسمر بمكة سامر"، كما قال الشاعر العربي قديمًا.

أخيرًا لنعترف أن لغة البرادعي البسيطة وانتقاده المحسوب للنظام، هي أمور جعلته يبدو مقبولاً لدى الشارع المصري، خاصة حين دعا لنظام سياسي جديد يسعى لترسيخ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، لكن هذه الآمال الجميلة يمكن أن نسمعها من أي طالب جامعي أو شاب في مقتبل حياته، فالنوايا الطيبة ليست كافية لقيادة بلد كبير يمر بظروف بالغة التعقيد كمصر، فهذه المؤهلات ربما تصلح لإدارة منظمة دولية أو مؤسسة اجتماعية، لكنها بالتأكيد لا تزكي الرجل لرئاسة مصر خاصة في المناخ الراهن.

المؤسف أن البرادعي ابتلع "الطُعم" وليته تعلم من أحمد زويل وعمرو موسى اللذين تنبها لهذا الفخ، ولم يسمحا لباعة الأوهام وتجار الاحتقانات باستغلال اسميهما في مغامرات لايصّح للعاقل أن يختتم بها حياته.

Nabil@elaph.com




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :