رفض تعيين المرأة بمجلس الدولة يجعل الردة المجتمعية تسطع!!!.. "1-2"
تحقيق: مادلين نادر - خاص الأقباط متحدون
لقد أثار قرار رفض تولي المرأة منصب القضاء بمجلس الدولة، ردودَ أفعالٍ عديدة متباينة، فتعالت بعض الأصوات المؤيدة تأييدًا تامًا لهذا القرار، وطالب آخرون بضرورة أن تؤدي المرأة الخدمة العسكرية، إن أرادت المساواة مع الرجل في كل شيء، وخرجت على الجانب الآخر مظاهرات نسائية كثيرة منددة بهذا القرار، وطالبت المتظاهرات بالمساواة التامة ولا شيء إلا المساواة..
دعونا وقبل أن نطرح تلك القضية الساخنة بمنتهى الحياد والموضوعية، أن نتطرق إلى بعضٍ من تعليقات القراء عبر الصحف الإلكترونية ووسائل الإعلام الأخرى، تعقيبًا على الأخبار التي قامت بمتابعة تلك القضية، وهذي التظاهرات التي شارك فيها سيدات من جمعيات أهلية ومؤسسات حقوقية، اعتراضًا على قرار مجلس الدولة رفض تولي المرأة منصب القضاء بمجلس الدولة..
ومن هذه التعليقات، والتي لا يمكن ذكر جميعها لما تضمنه بعضها من سباب وتعبيرات لا يمكن نشرها:
- "فين أيامك ياسيد أحمد عبد الجواد.. كانت الست أقصى أحلامها إنها تبص من ورا المشربية".
- "الدول اللي بتتكلموا عنها إن المرأة قاضية فيها المرأة، أيضًا يتم تجنيدها، وتعمل في أعتى المهن وأشدها قسوة على الرجال، دون أن تكل أو تمل؛ لأنها ببساطة إن تبرمت أو تدللت أو لم تؤدِ عملها كما ينبغي، سيكون مصيرها الطرد من العمل.. فما هي مؤهلاتك للعمل أنت وكثيرات إلا الوجه الحسن والدلال و؟؟؟".
- "بالله عليكم اللى في الصورة دي اللى قاعدة بشعرها، وحاطه ميكب عايزه تبقى قاضية... ازاى آه يابلد".
- "الله يرحمك يأمي، ربتينا وعلمتينا أحسن تعليم، ولا عمرها خرجت من البيت، من اللآخر كدة هوة في القاهرة وبحرى معندهمش غيرة على نسائهم وبناتهم، هما اللي فضحينا ومشوهين صورتنا، منهم الراقصات والممثلات الخالعات المائلات، أين الغيرة، أين الرجولة، الله يكسفكم فضحتونا، يحيا الصعيد ونساء الصعيد ألف مرة ".
- "آلاف السيدات اللي تظاهروا وتجمهروا.... كان الأولى لهن بدل تضييع وقتهن في المظاهرات أن يلزموا البيت ورعاية أسرهن وبيوتهن وبلاش تقاليع مستوردة من الغرب وبلاش تقليد ولكل شيء حدود".
كانت تلك التعليقات جانبًا من آراء بعض المؤيدين لهذا القرار المثير للجدل، حيث انتقدت تلك التعليقات رغبة المرأة في تبوأ ذلك المنصب الهام، في الوقت الذي تفتقر فيه، من وجهة نظرهم، لمؤهلات أخرى كثيرة يتطلبها ذلك المنصب.
وعلى الرغم من أن رد اللجنة المفوضة من مستشاري الجمعة العمومية بمجلس الدولة لمتابعة قضية تعيين المرأة قاضية جاء مؤخرًا برفض طلب التفسير الذي تقدم به مجلس الوزراء إلى المحكمة الدستورية العليا لعدم اختصاص مجلس الوزراء بذلك، وعلى الرغم من تقدم اللجنة بمذكرة إلى الرئيس مبارك وقع عليها 10 مستشارين بصفته الحكم بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى الرغم من اعتبار اللجنة أن ما قام به رئيس الوزراء من تقديمه طلب تفسير لبيان اختصاصات الجمعية العمومية ومدى قدرتها على إصدار قرارات إلى المحكمة الدستورية العليا أمرًا مخالفًا وإهدارًا لمبدأ الفصل بين السلطات وتدخلاً للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، إلا أن ردود الأفعال الساخطة التي كانت من جانب العديد من الرجال المصريين كانت صادمة وتنم عن أن هناك خطرًا داهمًا ينتظر هذا المجتمع..
إن كل تعليق من السابق ذكرهم، وإن تأملناهُ جيدًا، لوجدنا فيه أن صورة المرأة المصرية في أعين الرجال قد تدهورت بشكل يثير القلق، ليس فقط مستوى على العلاقة بين الرجال والمرأة داخل الأسرة المصرية، ولكن أيضًا على مستوى المجتمع ككل.. فالقضية ليست تعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة أم لا، ولكن أن يكون للمرأة كيانها، ولا ينظر إليها الرجل بنظرة دونية.. فهذا هو بيتُ القصيد.
وبما أن الغالبية العظمى ممن علقوا على تلك الوقفات الاحتجاجية، وذكرنا بعضًا من تعليقاتهم كانوا من الرجال، فلقد حاولنا التحدث إلى بعض الفتيات والسيدات لمعرفة آرائهن في هذه التعليقات..
فقالت مريم كامل – ليسانس آداب لغة انجليزية:
"لقد استفزتني جدًا تعليقات الرجال على موضوع المطالبة بتعيين السيدات قاضيات في مجلس الدولة.. وكان لديَّ تخوف من أن يمتد هذا الهجوم على المرأة ليشمل العديد من المهن الأخرى وتكون هذه مجرد البداية".
أما هدى أحمد – مدرسة – فتقول:
"على الرغم من أن التعليقات تضمنت هجومًا حادًا على عمل المرأة في القضاء، إلا أنني متفقة معهم جزئيًا، ومن وجهة نظري، فإن المرأة بالفعل يناسبها بعض الأعمال، ولا تناسبها الأخرى، وقليلات من ينجحن في مثل هذه المجالات التي لها طبيعة خاصة مثل القضاء!!!"..
وتتفق معها شيرين - ربه منزل - وتضيف أن المرأة يمكن أن تعمل في أي مجال، ولكن مجتمعنا والظروف الحالية التي نعيش فيها، جعلت هناك عراقيل أمام أي فتاة أو سيدة تريد العمل، بداية من الصعوبات في المواصلات العامة، إلى بعض المشاحنات التي تتعرض لها بشكل شبة يومي، يجعلها تنفر في أحيان كثيرة من العمل ولا تفضله، إلا إذا كانت مضطرة له ولديها احتياج مادي للعمل وليس لتحقيق ذاتها مثلما كان يحدث منذ سنوات.
وهذه أيضًا كانت بعضًا من آراء الفتيات والسيدات، لكن ماذا عن آراء العاملين بالمؤسسة القضائية..
بداية تحدثنا إلى المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، فقال:
"لقد عملتُ في مجلس الدولة لمدة أربعين عامًا كاملة.. وحينما تركت المجلس في عام 1993، كان هناك آنذاك حوالي 92 ألف قضية، وبالطبع الآن تقارب على 130 ألف قضية.. فمجلس الدولة لا يعمل في تطبيق قوانيين محددة إنما يعمل في النظام القانونى بأكمله، نتيجة لهذا الوضع ولأن المجلس يعتبر بمثابة مستشار الدولة بجميع أجهزتها وسلطاتها، فإن العمل في مجلس الدولة له طبيعة إنشائية وتتميز عن النيابة الإدارية والنيابة العامة.. فهناك فرق في نوعية العمل، فهو يحتاج لخبرات وكفاءات في مجلس الدولة، ولذلك فهو لا يقوم إلا بتعيين الأوائل به".
واستطرد قائلاً:
"نحن نعلم أن المرأة لا تعمل في النيابة العامة، لأن وكلاء النيابة لهم طبيعة عمل خاصة، فيها تحقيق مع المجرمين، والذهاب لمواقع الحوادث في أي وقت من اليوم وفي أي مكان، لذلك فلم يتم تعيين المرأة في هذا المجال.. فلماذا إذا كل هذه الأزمة على التعيين في مجلس الدولة؟!.. إن هذه القضية ليست بجديدة، فهناك قضية شهيره لعائشة راتب، فقد كانت الأولى في دفعتها، وتقدمت للعمل في مجلس الدولة بقيادة السنهوري آنذاك، ولكن تم الحكم برفض القضية بسبب أن طبيعة وظروف العمل بالمجلس لا تسمح بتعيين المدعية.. وبالإضافة إلى ذلك؛ قالوا إن هذا لا ينفي أنه يمكن للمراة أن تعمل في أي وظيفة أخرى، وإن القانون العام والإدارى به "السلطة التقديرية" في الفقه والقضاء الإداري، إن الإدارة من حقها أن تختار ما تجده ملائمًا طالما أن الدستور لا يُجبر على غير ذلك".
وأضاف المستشار محمد الجمل أن المساواة في القوانيين والدساتير ليست مطلقة ولكنها نسبية، ونتيجة لذلك فالمرأة لا يتم تجنيدها في الجيش، ولا تلتحق مثلاً بسلاح الطيران، ومن هذا؛ نستنتج أن ما تم إثارته مؤخرًا يبدو وكأن له أسبابًا سياسية أخرى، خاصة وأن القانون في مجلس الدولة يشمل أربعة مواد توضح أن المراة لا تعمل بالمجلس، وهذا القانون هو رقم 74 الصادر عام 1972 في عهد الرئيس الراحل انور السادات.
المادة الأولى: يجب ألا يكون من يُعين في مجلس الدولة متزوجًا من أجنبية.
الثانية: تنشأ في المحمكة الإدارية العليا دائرة تختص بنظر الدعاوى والمنازعات التي يرفعها رجال مجلس الدولة.
الثالثة: وتختص هذه الدائرة بنظر منازعات ورثة رجال مجلس الدولة بالنسبة للمعاشات.
الرابعة: أن يكون مصريًا.
وأضاف الجمل أنه كما أن الجمعية العمومية كررت ثلاث مرات قائلة: "حسب المبادىء المقررة نرى أن ظروف العمل بالمجلس وظروف مجلس الدولة وظروف المجتمع المصرى في الأوقات القائمة لا تسمح بتعيين غير الرجال حاليًا، ونرجي النظر في تعيين المندوبات المساعدات إلى أجل آخر يُحدد بعد ذلك".. ويقصد بظروف مجلس الدولة، أن المجلس منذ 60 عامًا وهو غير مجهز للسيدات، فلا توجد استراحات في الأقاليم لهن، وما إلى ذلك.
ويختلف المستشار محمد الجمل أيضًا مع من يقولون إن الشريعة تسمح بعمل المرأة في القضاء، فيقول:
"هناك تضليل فيمن يقولون إن الشريعة الإسلامية تساوي بين الرجل والمرأة، وإنه لا يوجد أي موانع في الشريعة.. فالشريعة الإسلامية في الميراث والأوقاف لا تتعامل بهذا المبدأ، وهناك 4 مذاهب "سنة"، و12 "شيعة"، يرفضون تولي المرأة منصب القضاء، وبنوا كلامهم على النص القرآني "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما انفقوا".. فطبيعة العمل لا تسمح ولكن ما يكتبه الكثيرون أن الشريعة الإسلامية والفقهاء موافقون، فهذا غير صحيح، ورغم هذه الحملة الرهيبة، لكنني أرى أن وراءها أهدافا سياسية أخرى، خاصة ونحن مقبلون على انتخابات في الفترة القادمة"..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :