داعش والموصل ومستقبل المنطقة
لطيف شاكر
قال رئيس أساقفة الموصل للكلدان المطران إميل شمعون نونا، إن "أكثر من نصف سكان الموصل، والمجتمع المسيحي بأكمله، هرب على الفور إلى مِنطقة سهل نينوى القريب، بعد سيطرة (داعش) على المدينة"، وتابع "بقينا نعمل منذ أمس، وحتى الساعة الخامسة من صباح اليوم، على استقبال الأسر النازحة، من مسيحيين ومسلمين، محاولين إيجاد أماكن لها في المدارس والبيوت
وأضاف في تصريحات لجمعية "عون الكنيسة المتألمة" الإيطالية، اليوم الخميس، "لم نرَ من قبل شيئًا من هذا القبيل، أن تسقط مدينة كبيرة كالموصل في حالة من الفوضى، بعد هجوم الجماعات المسلحة عليها
وذكر مطران الموصل أن "المجتمع المسيحي في الموصل كان يُحصى عام2003 بحوالي خمسة وثلاثين ألف نسمة، وفي السنوات الإحدى عشر التالية لبداية الحرب، انخفض العدد بشكل مأساوي إلى حوالي ثلاثة آلاف، وربما لم يبقَ هناك أحدٌ منهم الآن
وقال الأسقف الكلداني "بلغتنا حتى الآن أنباء عن هجوم عناصر (داعش) على أربع كنائس ودير"، مشيرًا إلى أن "أحدًا لم يتلق أية تهديدات"، قائلًا "لأن جميع رعايانا فروا من المدينة".
جدير بالذكر، أن تنظيم داعش الإسلامي قد سيطر خلال الأيام الماضية على مدينة الموصل، إحدى أكبر المدن العراقية، مما أدى إلى فرار المئات من الأسر المسيحية، وقام مسلحو داعش، أمس الأربعاء، بتفجير كنيسة تحت الإنشاء للأرمن الأرثوذكس في حي الوحدة بالموصل، كما اقتحم مسلحون كنيسة الروح القدس في حي النور بالموصل، وسرقوا العديد من محتوياتها
ومدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى وثاني مدينة في العراق من حيث السكان بعد بغداد حيث يبلغ تعداد سكانها حوالي 1،5 مليون نسمة. تشتهر بالتجارة مع الدول القريبة مثل سوريا وتركيا. ويتحدث سكان الموصل اللهجة الموصلية (أو المصلاوية) التي تتشابه مع اللهجات السورية الشمالية، ولهذه اللهجة الموصلية الدور الأكبر في الحفاظ على هوية المدينة، وأغلبية سكان الموصل عرب سنة ينحدرون من خمس قبائل رئيسية وهي شمر والجبور والدليم وطيء والبقارة، ويوجد أيضا مسيحيون ينتمون إلى عدة طوائف وأكراد وتركمان
ونينوى او الموصل ذات تاريخ عريق يرجع إلى الالف الخامس من قبل الميلاد، وكونها قرية زراعية فقد سكنها الإنسان القديم ثم سكن الآشوريون أجزاء كبيرة منها، وأصبحت عاصمة لهم من القرن الحادي عشر والى 611 قبل الميلاد. في هذه السنة سقطت نينوى العظمى بيد الكلدانيين الذين كانوا في أوج قوتهم وعنفوانهم.
كانت نينوى والمناطق التابعة لها "الموصل"مأهولة بالشعب الآشوري الذي خلف للإنسانية حضارة لا زال الكتشافات الأثرية تشهد له. وعند بزوغ فجر المسيحية إعتنق الآشوريين الايمان المسيحي. وكانت نينوى بلاد الرهبان والمدارس اللاهوتية تستقطب العديد من الدارسين والباحثين عن نور المسيح. وهي التي أنجبت القديسين أمثال مار إسحق النينوي ومار ميخائيل وغيرهم
ونينوى وبابل كانتا أعظم مدينتين عرفتا في العالم القديم، تتحدان أحياناً وتفترقان أحياناً أخرى، ولكنهما كانتا قويتين أقتصادياً وعسكرياً وحضارياً. ً
وكانت لهما من الوسائل الدفاعية العظيمة الكثير، لذا كانتا أعظم من كل المدن القديمة، نينوى كانت محاطة بسور عظيم وكان ارتفاعه 33 مترا (حوالي عشرة طوابق) وعرضه 16 مترا ( يكفي لمرور ستة عربات متجاورة ) وكان ارتفاع ابراج السور 66 مترا وكان لها 15 بوابة، والخندق المائي المحيط بها عرضه خمسون مترا، ومحيط دائرتها 7 أميال (أكثر من 11 كم)
وكان على العدو الآتي على نينوى من الشرق (( أضعف نقطة فيها )) أن يهاجم سورا تحصنه القلاع ثم خندقين، ثم سورين آخرين، في مثل حجم السور الأو وكل هذا قبل الوصول الى المدينة ذاتها، وكانت المسافة بين السور الداخلي والسور الخارجي حوالي 700 مترا، وتشهد البقايا الباقية اليوم من أسرار نينوى على ذلك،ان هناك شيئا غامضا يحيط بسقوط نينوى بهذه الصورة، وهي في أوج عظمتها، فلم يكن بقدرة أية قوة عسكرية أن تدمرها بهذا الشكل، مهما أتيح لهذه القوة من أسلحة وحنكة حربية ، ولم تكن في مقدور أية قوة أن تخترق أسوار نينوى بسهولة، تلك الأسوار الشاهقة بما عليها من أبراج قوية، يتحصن داخلها جيش جبار، علاوة على الخندق الذي بلغ اتساعه 150 قدما. لا يمكن أن يسقط كل هذا في ثلاثة أشهر من الحصار
ولكن الإمبراطورية الاشورية أخذت في التقهقر والانحلال في أواسط القرن السابع قبل الميلاد وفي سنة 625 ق.م. أعلن نابوبلاسر، حاكم بابل، استقلاله عن نينوى. ثم في سنة 612 ق.م. تحالف مع جيرانه اهل مادي وهاجم نينوى نفسها ودمرها وساعده على ذلك فيضان دجلة وطغيان مياهه على الشوارع والساحات. وتحولت المدينة العظيمة الى مجرد أسطورة، وتحول عمرانها إلى آثار عفى عنها الزمن، ولم يكتشف بقاياها إلا بعض الأثريين والمؤرخين في منتصف القرن الماضي. ومن أشهر الملوك الذين وجدت آثارهم في نينوى شلمناصر وتغلث فلاسر وسنحاريب وآسرحدون واشور بانيبال
(كانت ثمة نبوءة عند أهل نينوى تقول : " لا يستطيع عدو أن يأخذ نينوى أبدا الا اذا أصبح النهر عدوا للمدينة أولا "، وفعلا لم يستطع العدو أن يخترق الأسوار لما كانت المؤونة متوفرة بالمدينة وظلت المدينة تقاوم ثلاثة أشهر. ولكن المطر نزل بشدة ففاض النهر وتهدمت أجزاء من الأسوار المنيعة، فظن الحاكم ان النبوءة قد تحققت، فهرب إلى جبال أشور"طوروس الحالية"وبنى له مدينة سماها عسرايا، باسم القادة العشرة الذين هربوا معه. واليوم تسمى أورفا الواقعة في تركيا، بهدف العودة وتحرير شعبه وأرضه. ولكنه لم يتمكن من ذلك بل أسس له مملكة صغيرة )
ويتابع الصقلي : "واقتحم الأعداء المدينة من الجزء الذي تحطم من السور ودخلوها عنوة، وتـوج أرباسس قائد الجيش المهاجم ملكا عليها، وهكذا انهارت تلك المدينة" ! فمدينتهم محاصرة بجيوش العدو، والفيضانات تدمر أسوار مدينتهم وسقطت نبنوي تحت الحكم الفرس الساساني الذي دام طويلا وأفقرها كثيرا وجردها من عظمة هويتها الاشورية .
وإحتلها بعد ذلك العرب المسلمون القادمين من شبه الجزيرة العربية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وكانت حينئذ تحت إحتلال وسيطرة الفرس الساسانيين وغيروا هم الآخرون هويتها بتعريبها وتبديل إسمها من نينوى الى الموصل
ولقبها العرب بالموصل لأنها كانت توصل بين الشام وخورستان يعني بلاد فارس التي إحتلها العرب المسلمين من بعد. سماها العرب كذلك بالحدباء لأن فيها منارة للمسجد الكبير وهي منارة منحنية وسميت أيضا بام الربيعين لأن الخالق عز وجل وهبها ربيعين إثنين في السنة فخريفها هو الربيع الثاني والزاهي بعذوبة هواءه. وهى تبعد نينوى عن [[بغداد] 402 كم اما توابعها من الاقضية فهى تل عفر و سنجار والشيخان والشرقاط والحمدانية المسمات ببغديده وتكليف والبعاج وبعش
وما تزال شواهد التاريخ الآشوري قائمة على ضواحي نينوى، التي ولدَت مدينة الموصل. وهي تبعد بمسافة 400 كيلومتر للشمال من بغداد
وبني نينوى شعب بابلي الأصل (سفر تكوين 10: 11). وكانوا يعبدون الآلهة عشتار، أو عشتاروت، التي اشتركت في عبادتها معظم شعوب العالم القديم تحت أسماء مختلفة. ومن قاعدة عشتار في نينوى نقل الحوريون والحثيون عبادتها الى جنوب آسيا. وكانت نينوى تدين بالولاء لاشور، التي
كانت تبعد عنها حوالي ستين ميلًا، إلى أن بنى شلمناصر قصرًا له في نينوى، حوالي سنة 1270 ق.م. واعتبرها قاعدة ملكه. واستمر خلفاؤه يسكنونها إلى أيام اشور ناسربال وابن شلمناصر اللذين لم يكتفيا بنينوى، بل جعلا مدينة كالح عاصمة أخرى مثل نينوى، حوالي 880 ق.م. ولكن نينوى استعادت استئثارها بالرئاسة فيما بعد. وكان ملوك الاشوريين يعنون بإحضار الغنائم والأسلاب معهم إلى نينوى وتركها هناك لتنمو المدينة وتزداد عظمة وغنى وجمالا. حتى أنهم اعتبروا العالم القديم كله عبدًا لنينوى يمدها بما تحتاجه. والى جانب القصور الشاهقة والشوارع الواسعة والهياكل والأسوار والقلاع، التي عرفت نينوى بها، بنى اشور بانيبال (حوالي سنة 650 ق.م.)
مكتبة عظيمة، ضم إليها جميع الوثائق الحكومية والإدارية والرسائل الدبلوماسية والمعاملات الداخلية والأوامر الملكية ونسخًا من المعاملات والوثائق والمراسلات التي عثر عليها في بابل. ومن الأنبياء الذين تحدثوا مسبقًا عن دمار نينوى يونان (يونان 1: 2 و3: 2-5) وناحوم (1: 1-3)
والان بعد هجوم داعش الاسلامية هل ستتحقق نبؤة الدمار لنينوي والموصل, لانهم لايعرفون الا الدم والدمار وتاريخهم يشهد بهذا علي مر العصور , ومامستقبل العراق وسوريا بعد ان قام داعش بتحطيم الاسوار الحدودية بين العراق وسوريا ,بل وما مستقبل منطقة الشرق الاوسط بأسرها , وهم يحلمون بالخلافة الاسلامية في ظل منطقة تترنح علي صفيح ساخن ..الله اعلم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :