أتريدوننى أن أنسى قبطيتى؟!
بقلم: منير بشاي
كانت الهوية القبطية، وما تزال، تسبب ازعاجا كبيرا للسلطات فى مصر. ولذلك رأينا المحاولات منذ الغزو الاسلامى لمصر للقضاء الكامل على القبطية لغة وحضارة وتاريخا، وان امكن دينا. ولما لم يتحقق لهم النجاح المطلوب رأينا المحاولات المستمرة لتذويب القبطية او التخفيف من حدتها. وفى المقابل رأينا الأقباط يلجأون الى آلية دفاعية للتناغم والتعايش السلمى فى المجتمع منها استعمال الاسماء المشتركة مثل اسم منير وسمير عوضا عن اسماء قبطية صادمة مثل منقريوس وارمانيوس. كما حاول الاقباط استعمال مفردات واصطلاحات مشتركة لا تظهرهم على انهم فصيل مختلف.
ولكن رغم كل محاولات الاقباط التناغم مع المجتمع المصرى بعمل كل ما فى طاقتهم، بما لا يتعدى انكار دينهم، الا ان الفجوة كانت دائما تزداد اتساعا والتباين يصبح اكبر من امكانية تداركه. ولا تحتاج حاليا لمعرفة المرأة القبطية اكثر من تحديد من لا ترتدى الحجاب لتكون بالنسبة للمتشددين اما قبطية كافرة او مسلمة سافرة، وكلاهما لا يعطى الشعور بالراحة.
من محاولات التناغم فى الجيل السابق ترديد بعض الأقباط فى ذلك الوقت لشعار "أنا مسيحى دينا ومسلم وطنا". وكأن صاحب الشعار يعتذر عن مسيحيته التى لا يستطيع التخلص منها على نطاق الدين فيتدارك الأمر بان يتخلص منها على نطاق الوطن. والشعار يتضمن الاعلان الضمنى ان المسيحية لا تصلح اساسا للمواطنة الصالحة. ومع ان المعيار فى المواطنة هو الالتزام بالقانون الوضعى ولكن لا ادرى ماذا يضير المواطنة إن بنيت على المبادىء والاخلاقيات المسيحية؟ فشخصيا لا اعرف نصا فى المسيحية يدعو الى خيانة الوطن او الى ارتكاب جريمة ضد احد فى المجتمع او الى رفض دفع الضرائب المستحقة للدولة. بل ولم اسمع عن قبطى باع وطنه او صدر ضده حكما بالخيانة العظمى للبلاد.
وفى جيلنا اصبحت تتردد شعارات التناغم التى تطالبنا بان نباعد انفسنا عن تسمية انفسنا اقباطا، وتدعونا الى ان نتذكر فقط اننا مصريون، وكأن هذا يتعارض مع ذاك!
ولكن اذا كانت الدولة تريد الأقباط ان ينسوا انهم اقباط ألا يجب ان تكون هى القدوة فتنسى اننا اقباط وتتذكر فقط اننا مصريون لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات؟ ثم لنفترض ان القبطى حاول ان ينسى انه قبطى فهل يستطيع ذلك؟ وكيف ينسى القبطى قبطيته اذا كان هناك الف سبب وسبب يذكّره بها كل يوم كمواطن يعيش على أرض مصر؟ كيف انسى قبطيتى اذا كان هناك جهد مكثّف ومنظم ومستمر للتقليل من وجودى فى ارض جدودى؟ يحدث هذا عندما يعاملوننى على اننى كمية مهملة لا تستحق الذكر فيعتبرون عدد الاقباط سرا لا يعرفه غير رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الاحصاء والهدف اخفاء قوتنا العددية. ومع هذا فهم لا مانع لديهم من تسريب المعلومات الكاذبة التى تبخس الوجود القبطى. ولكن الاقباط لديهم من الاليات التى تمكنهم من معرفة الرقم الأقرب للحقيقة وذلك عن طريق شهادات العماد والوفيات وسجلات الافتقاد فى الكنائس وهى تبين ان العدد اضعاف ما يقولون.
كيف انسى قبطيتى اذا كان هناك من يتذكرها لى ويذكرنى بها كل يوم؟ فكطالب تخرج من الثانوية العامة لا يسمح لى بالالتحاق بجامعة الازهر وهى جامعة عامة يتم تمويلها من ضرائب كل المصريين مسلمين ومسيحيين ولكنها تقبل المالييزى المسلم وترفض المصرى القبطى. وقبطيتى ايضا تحد من إلتحاقى بكليات معينة مثل الشرطة والحربية والطيران الا بنسبة ضئيلة. وكطالب جامعى تصبح قبطيتى مشكلة عندما أمثل امام لجنة امتحان شفوى. واذا حدث ان تخرجت بمجموع يؤهلنى لوظيفة معيد فى الجامعة احرم منها لا لشىء سوى اننى قبطى. واذا قدمت على وظيفة فى السلك الدبلوماسى يرفضوننى لأننى قبطى. واذا حاولت ان اصبح مذيعا ايضا يرفضونى لأننى قبطى. واذا ظهرت حركة التعيينات لوكلاء النيابة قد لا تجد فيها اسما قبطيا واحدا.
كيف انسى قبطيتى اذا كانت هى التى وقفت حائلا بيننى وبين الوصول الى مركز مرموق فى بلادى؟ فيرفضوننى ويضيفون الى اضطهادى الاهانة عندما يقولون ان التعيين كان بحسب الكفاءة، وكأن قبطيتى ورّثتنى جينات الغباء. فان تناسيت ان معاناتى كانت بسبب قبطيتى سأكون فعلا غبيا كما يقولون. ولكننى اعلم ان القبطى الذى يحرم من المناصب الحكومية يلجأ الى العمل الحر فينبغ. والقبطى الذى ترفضه مصر يهاجر الى الغرب فيتفوق على زملائه الاوربيين والامريكيين وغيرهم من الأجناس واحيانا يصبح رئيسا لهم..
كيف انسى قبطيتى والتى سببت لى كل الآلام كلما قدمنا طلبا لبناء كنيسة نصلى فيها الى الله؟ هذا الاله الذى نكرر دائما على مسامع الجميع انه "الله الذى نعبده جميعا" لئلا يتصور احدهم اننا نعبد البقر او الشجر او الحجر. ومع ذلك يعطى الطلب لأمن الدولة لابداء الرأى على اعتبار ان بناء كنيسة عمل خطير يمس أمن الدولة!
كيف انسى قبطيتى وأنا أعرف ان قبطيتى تجعل بناتى (حتى القصر منهم) يعيشون تحت تهديد الخطف والاسلمة القسرية؟ هذا بينما قد يقف الأمن عاجزا او غير مكترث او راضيا بما يحدث.
ولماذا تطالبوننى ان انسى قبطيتى؟ هل قبطيتى عيب يجب ان اخفيه؟ هل هى تتصادم مع مصريتى او تتعارض معها؟ هل هى نوع من الولاء غير الشرعى لتنظيم او كيان متطرف يحمل تهديدا للوطن ؟
ولو فرضنا جدلا اننى نسيت او تناسيت اننى انتمى للقبطية بصلة، فماذا اقول لمن يسألنى عن اصل الكلمة الانجليزية التى تعنى مصر Egypt؟ هل أصرح لهم بالحقيقة فأقول ان كلمة ُEgypt مصدرها الكلمة اليونانية ِAigyptos والمقطع gypt منها الذى ينطق بالصعيدى "جبت" هو نفس الكلمة "قبط". وهذه الكلمة اخذت بدورها من الكلمة المصرية القديمة ها- كا- بتاح او بيت الاله بتاح. ولذلك عندما اقول اننى قبطى فأنا أقول اننى مصرى، فقبطى هى مصرى ومصرى هى قبطى.
نعم انا قبطى مصرى وبعد هجرتى لأمريكا اصبحت قبطى مصرى أمريكى. واذا كان ازدواج الجنسية يحرم صاحبه من الحصول على مقعد فى البرلمان المصرى بحسب النصوص الدستورية الحالية فأنا اقر اننى محروم بالثلث. وأنا أحمد لله على ذلك كل الحمد، وأرضى به كل الرضا، فلعابى لا يسيل لمثل هذه المناصب.
انا قبطى ليس من باب التفاخر او التعالى على احد، ولكن من قبيل الاعتراف بالحقيقة المجردة. ومهما حاولت لن استطيع التخلص من قبطيتى، تماما مثلما لا استطيع التخلص من لون جلدى. القبطية بالنسبة لى هى صليبى وهى تاجى، وهى قدرى الذى لا مفر منه.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :