- أسقف الأرمن الكاثوليك: دخول الأتراك للاتحاد الأوروبي يعني تصدير الإرهاب والعنف
- 9 مشاهير من محافظة سوهاج أسهموا في التراث المصري
- شاهد فيلم نوح كامل مترجم بطولة راسل كرو
- بالفيديو.. البابا تواضروس يكشف أسباب زيارة روسيا وكواليس أزمة دير وادي الريان
- لي ميل": توت عنخ آمون كان "مشوها جسديا" لأن والده ووالدته "إخوات"
الفكر التنويري لطه حسين
بقلم/ ماجد كامل
في إطار احتفال الدولة باعتبار عام 2014 هو عام طه حسين ؛ قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بإعادة طبع أكثر من 20 كتابا له ؛ ولقد أشرف علي تقديم وطبع هذه الكتب الاستاذ الدكتور احمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس ؛ وفي لقاء خاص مع سيادته ؛ذكر أنه كان لا يليق عدم الاهتمام بمناسبة هامة مثل مرور 40 عاما علي وفاة طه حسين ؛ كما لوحظ ان معظم الكتب الموجودة حاليا لطه حسين والتي يعاد طبعها كثيرا هي الكتابات الإسلامية مثل "الفتنة الكبري " و"الوعد الحق " و"علي هامش السيرة " و" الشيخان " .... الخ ؛ ولكن لطه حسين كتب أخري بالغة الأهمية هي تجميع لبعض مقالاته الصحفية التي كان يكتبها في الصحف السيارة ؛ ومن هنا حرصت علي دفع بمجموعة من الكتب وأوصيت بضرورة إعادة طباعتها مرة أخري ؛ ولقد صدر منها حتي الآن ثمانية كتب هم " قادة الفكر – بين بين – جنة الشوك – جنة الحيوان – كلمات – تقليد وتجديد – خواطر – من أدبنا المعاصر – صوت باريس " ويوجد بالمطبعة حاليا مجموعة أخري من الكتب نرجو أن تصدر خلال الفترة القادمة ؛ نذكر منهم " من بعيد – في الصيف – من لغة الصيف – من لغو الصيف الي لغو الشتاء – رحلة الربيع والصيف – خصام ونقد – أحاديث – ألوان " . وسوف نحاول في هذه المقالة أن نقوم بعمل اطلالة سريعة علي أكبر قدر ممكن من هذه الكتب حتي نتعرف علي الفكر التنويري الذي قدمه طه حسين للثقافة المصرية المعاصرة .وسوف نبدا بكتاب " كلمات " فهو في هذا الكتاب يخاطب قادة ثورة يوليو ان يعملوا علي تحقيق ما وعدوا به في مباديء ثورتهم بإقامة حياة ديمقراطية سليمة ؛ وهو المبدأ السادس من مباديء ثورة يوليو ؛ فكتب مقالا هاما بعنوان "ديمقراطية " قال فيه أنه وقعت قصة مضحكة لأستاذنا أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد في بعض الاتنتخابات التي كانت تجري في مصر أثناء السنين الأولي من هذا القرن ؛ فلقد رشح نفسه أمام منافس له لا يرقي إلي ثقافته وعلمه ومقامه الرفيع الممتاز في الفلسفة والأدب بل كان أميا أو كالأمي يقرأ ويكتب الي حد متواضع جدا ؛ ولكنه كان واسع الثراء ؛ ولقد أنتصر علي أستاذنا في الانتخابات ؛ وكان سبب انتصاره غريبا جدا ؛ فقد زعم للناخبين أن أستاذنا رجل ديمقراطي ؛ وأنه من أجل ذلك لا يصلح لتمثيل المدينة ؛فلما سأله الناخبون عن الرجل الديمقراطي ما هو !؟ قال هو الذي يبيح للمرأة ان تعدد أزواجها كما يباح للرجل أن يعدد زوجاته ؛ فأنكر الناخبون هذه الديمقراطية لانهم لم يكونوا قد سمعوا بها ولم يتح لهم أن يعرفوا حقائقها ؛فذهب فريق منهم إلي أستاذنا وسألوه : أفي الحق أنك ديمقراطي كما يزعم منافسك في الانتخاب ؟ فرد الأستاذ مبتسما ومبتهجا أجل انا ديمقراطي وأفخر بديمقراطيتي ؛ وأنصرف الناخبون عنه وقد تيقنوا انه يبيح للمرأة أن تعدد أزواجها كما يباح للرجل ان يعدد زوجاته ؛ وصوتوا جميعا لمنافس أستاذنا الجليل ؛ ويذكر طه حسين في مقاله أنهم كانوا يداعبون الاستاذ احمد لطفي السيد بهذه القصة . وكان ذلك في اوائل القرن العشرين ؛ ولا شك ان مصر قد خطت خطوات واسعة جدا في نشر التعليم والإقبال عليه وفي قراءة الصحف والاستماع الي الإذاعة ؛ ولكني أشك أن كثيرا من أهل القري ومن الذين ينفقون أوقاتهم في الزراعة لا يعرفون الي الآن حقائق الديمقراطية ولعل منهم لم يسمع هذه الكلمة إلي الآن ولعل كثيرا من أهل المدن الذين أصابهم حظ من التعليم دون أن يمعنوا فيه قد سمعوا هذه الكلمة وقرأوها ولكنهم لا يفهمون معناها ؛ ولعلك إذا سألت كثيرا من الذين أتموا التعليم الثانوي ثم لم يتجاوزه عن الديمقراطية ما هي لم يحسنوا الإجابة علي سؤالك لانهم إلي الآن لم يعرفوا حقائق هذه الديمقراطية .
ومن الخير كل الخير ؛بل من حقوق الشعب المقدسة أن يقوم نظام الحكم فيها علي أساس ديمقراطي سليم كما يريد رئيس الجمهورية وكما يريد زملاءه من نوابه ووزرائه وكما يريد كل مثقف مخلص من اهل هذا الوطن . ومن حقوق الشعب المقدسة ايضا أن لا يكتفي بفهم الديمقراطية فقط ؛بل ان يمارس حقه فيها ممارسة صادقة لا زيف فيها ولا تضليل ؛وأن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن وأن تتخذ الأجراءات السريعة لإفهام الشعب حقائق الديمقراطية أولا ؛ وقد تحتاج هذه الأجراءات إلي شيء من الوقت لا بد منه وإلي شيء من الجهد لا بد منه ليتهيأ الشعب للمارسة حقه في الديمقراطية الصحيحة لا كما كان يمارس هذا الحق في عصور قريبة مضت بل كما تمارسه الشعوب الديمقراطية الراقية التي تعرف ما تريد وتعرف ما يراد لها وتقبل من ذلك ما ترضاه وترفض من ذلك ما تأباه . ويؤكد طه حسين ان الحياة النيابية التي اتيحت لمصر لم تكن قائمة علي النظام الديمقراطي الصحيح ؛ وإنما كانت تقوم أحيانا علي الوهم وتقوم أحيانا أخري علي العبث والتضليل وتقوم في بعض الأحيان علي العنف والإكراه . وليس بد من ان نتجنب هذا كله فيما نستقبل من الحياة الديمقراطية التي يجد في تحقيقها رئيس الجمهورية والخطوة الاولي في سبيل ذلك ان نعرف الشعب علي اختلاف حظوظه من المعرفة حقائق هذه الديمقراطية ؛كما تعرفها الشعوب الراقية التي تسمتع بها . وسبيل ذلك ان تعبأ طائفة من المثقفين الذين يحسنون العلم بالنظم السياسية علي اختلافها لتتحدث إلي الشعب في مدنه وقراه عن هذه الديمقراطية التي يريد رئيس الجمهورية أن يقوم عليها نظام الحكم ؛ فالديمقراطية الحقيقية حقائق أخري يجب أن يفهمها الشعب قبل أن يمارسها ؛ وأهم هذه الحقائق أن الديمقراطية ليست مباشرة الحكم أو مباشرة إصدار القوانين التي تجري عليها أمور الحكم وإنما حقيقة الديمقراطية الصحيحة وقوامها الذي لا وجود لها بدونه هو تحقيق العدل السياسي من جهة ؛ والعدل الإجتماعي من جهة أخري والمساواة في الحقوق والواجبات من جهة ثالثة ؛ والحرية الكاملة للفرد في حدود القوانين التي تكفل المصالح الحقيقية للوطن وأبنائه ..... وأرجو أن يكون رئيس الجمهورية قد استحضر هذا كله في نفسه حين أراد للشعب حياة ديمقراطية صحيحة وحين دعا إلي ذلك وأخذ يهييء له ؛ وما من شك في أنه سيتخذ كل إجراء يكفل للشعب أن يستمتع بالديمقراطية وهو عالم بحقوقه وواجباته قبل كل شيء .
وفي مقال آخر في نفس الكتاب بعنوان " بين العروبة والفرعونية "فلقد أتهم البعض في سوريا المصريون بالاهتمام بحضارتهم الفرعونية والتنكر لعروبتهم ؛ فرد عليهم طه حسين بهذا المقال الذي قال فيه أن الشعب المصري يتكلم العربية منذ قرون طوال ويعيش علي الحضارة العربية وعلي التراث العربي ؛ولا شك أن حظ الشعب المصري من إحياء الحضارة العربية والتراث العربي أكثر وأغزر من حظوظ الشعوب العربية الأخري ؛والغريب أن الناس جميعا يعلمون ان مصر كانت تجهل التاريخ الفرعوني القديم ؛ ولا تكاد تعرف عنه إلا ما كان مسطورا في كتب التاريخ العربية من هذه الأخبار الكثيرة التي كانت تروي عن العصور القديمة في غير تحقيق ولا تمحييص ولم تعرف مصير تاريخها الفرعوني القديم إلا في العصر الحديث حين استكشفت بعض الآثار الفرعونية وحين قرئت الكتابة المصرية القديمة وكل هذا لم يكن إلا في القرن الماضي .
أضف إلي ذلك أن القرن الماضي لم يشهد البدء في معرفة التاريخ الفرعوني وحده ؛ وأنما شهد البدء في معرفة التاريخ اليوناني والروماني في مصر أيضا ؛ومصر كغيرها من البلاد المتحضرة لا تستطيع أن تترك علماء الغرب يستكشفون ما كان في أرضها من الآثار ويستخرجون من هذه الآثار تاريخ الوطن المصري في عصوره المختلفة قبل الإسلام دون أن نشارك في البحث عن هذه الآثار ؛ بل أن استكشاف هذه الآثار يفرض عليها أن تحميها وتجد في فهمها واستنباط العلم فيها لأن مصر بطبعها مضطرة إلي المشاركة في كل ما ينفع الناس من العلم والفن والأدب وسائر المعرفة علي اختلافها . فهل كان الذين يتهمون المصرين بهذه التهمة السخيفة تهمة الفرعونية والإغراق فيها والإعراض عن العروبة لا لشي إلا لأن مصر تجد في حماية ما يستكشف في أرضها من الآثار من فنون المعرفة وفي استخراج ما تدل عليه هذه الآثار من فنون المعرفة كأنهم يريدون أن تتعمد مصر الجهل بما في أرضها من الكنوز وتخلي بين علماء الأمم المختلفة وبين هذه الكنوز يستكشفونها وينقلونها إلي بلادهم ؛ ويستنبطون منها العلم ويدرسونه في جامعاتهم ومعاهدهم ويملأون بها متاحفهم وتظل هي غافلة لا تسمع ولا تري جاهلة والناس من حولها يملأون صدورهم بالعلم وينشرونه من حولهم ؛ أم كانوا يريدون أن تمنع مصر من البحث عن هذه الآثار وتحظر استنباط العلم منها وتفرض علي الإنسانية وعلي نفسها الجهل بتاريخ أرضها وبالحضارات التي قامت فيها ؟! . من أجل هذا لا أعرف أبلغ في السخف ولا أدني إلي هذيان المحمومين من هذا الكلام الفارغ الذي تردده السنة الفئة الباغية في سورية من أن مصر فرعونية معرضة عن العروبة متنكرة لها . ومن يدري لعل هؤلاء السفهاء كانوا يريدون من مصر أن تدمر كل ما يستكشف في أرضها من الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية لتثبت عروبتها وتثبت حرصها علي هذه العروبة ومشاركتها في إحياء التراث العربي وترقية الغة العربية .
وفي مقال بالغ الأهمية بعنوان " أزمة الثقافة " يحاول طه حسين فيه أن يضع يده علي أصل الداء ؛ حيث يؤكد في هذا المقال أن حظنا من الثقافة الواسعة العميقة قليل جدا أقل مما كان ينبغي لنا في هذا العصر الحديث وفي هذا القرن الذي كثرت فيه أنواع المواصلات بينا وبين العالم الخارجي حتي ألغيت الآماد بينا وبين البلاد المختلفة أو كادت تلغي ؛والكتب تأتي إلينا من أقطار الأرض في سهولة ويسر ؛ولكننا لا نقرأ إلا قليلا .لا نقرأ الكتب في لغاتها المختلفة لأن الذين يحسنون اللغات الأجنبية علي كثرتها واختلافها قليلون . وما زلنا إلي الآن إذا أردنا أن نقرأ كتابا كتب في اللغة الأسبانية أو الروسية أو غيرهما من الللغات اضطررنا أن نلتمس له ترجمة . وهذه هي أحدي المعوقات التي تمنع الثقافة في وطننا من أن تنتشر كما ينبغي لها أن تنتشر ؛علي أن هناك معوقا آخر ليس أقل خطرا من جهلنا باللغات الأجنبية وهو ضعف التعليم الثانوي الذي تركه الاحتلال البريطاني في بلادنا . ولم انس بعد شابا مصريا تخرج في المدارس الثانوية والتحق بكلية الهندسة وقد لقيته يوما وجعلت أتحدث إليه في بعض المعلومات العامة فإذا حظه منها ضئيل غلي حد مخجل حقا ؛ تحثت إليه عن بيرون فإذا هو لم يسمع به ولم يعرف عنه شيئا وتحدثت إليه عن أرسطوطاليس فادركه وجوم غريب .
ولم انس عاما من الأعوام أدخلت فيه دراسة علم الاجتماع في كلية الحقوق وأتيح لي ان أمتحن طلاب الليسانس فيما درسوا من هذا العلم فإذا أنا أسمع منهم علي اختلافهم تخليطا عجيبا ؛وإذا بعضهم ينبيء بأن أرسطاطاليس قد ولد ونشأ في صقلية وبعضهم ينبيء بأن أوغست كونت قد عاش في أثينا أثناء القرن الخامس قبل المسيح . ومن المحقق أن التعليم الثانوي هو الأساس للتعليم الجامعي فإذا فسد التعليم الثانوي أو ضعف فليس من المرجو أن يجدي التعليم الجامعي ولا أن يؤتي ثمراته كما ينبغي أن يؤتيها تعليم جامعي صحيح . ومعوق آخر للثقافة في بلادنا خاصة وهو أن رجال التعليم علي اختلاف طبقاتهم يفرضون علي أنفسهم أو تفرض عليهم ظروفهم في المدارس والمعاهد ان يلتزموا المقررات التي تسجل في برامج التعليم ؛يلقونها علي تلاميذهم في المدارس ثم تضطرهم ظروف الحياة أن يضيقوا علي أنفسهم في القراءة لأنهم أيضا يحبون أن يسمعوا الراديو وأن يروا التلفزيون ؛فإذا قل حظ المعلم من القراءة قل بالطبع حظ التلميذ والطالب منها وتتابعت الأجيال المتعلمة التي تتعلم ولا تتثقف ..... فأزمة الثقافة كما نري عنيفة مستحكمة وليس بد للقائمين علي تعليم الشعب وتثقيفه وإعداده لتحمل أعباء الحياة الوطنية أولا وأعباء الحياة الإنسانية بعد ذلك أن يفكروا في هذه الأزمة ويلتمسوا وسائل الخروج منها ليستطيعوا تهيئة الأجيال الناشئة لما ينبغي أن ينهضوا به من أثقال الحياة .
وتنتقل إلي كتاب آخر لطه حسين وهو كتاب "قادة الفكر " حيث يذكر في مقدمة الكتاب أن مجلة الهلال قد طلبت منه ان يكتب سلسلة مقالات في موضوع معين ؛فقرر طه حسين أن يكتب في تاريخ العقل الإنساني وما لحق به من تطور حتي وصل الي ما هو عليه الآن . وقرر أن يبدأ بهوميروس شاعر اليونان القديم ؛ فالحضارة اليونانية مثلها مثل الحضارة العربية قامت علي الشعر ؛فالشعر هو أول مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية القوية لهاتين الأمتين ؛ بل الشعر هو أول مظهر من مظاهر الحياة الإجتماعية لكل الأمم المتحضرة التي عرفها التاريخ ؛فالشعراء هم قادة الفكر في هذه الأمة . ولقد مثل هوميروس بملحمتيه الخالدتين " الألياذة " و"الأوديسة" ضمير الأمة اليونانية في ذلك الوقت . والكثير والكثير من الشعر الأوربي الحديث أستلهموا أشعار الألياذة والأوديسة ؛وفوق ذلك كله لا توجد مدرسة محترمة في كل أوربا لا يدرس فيها الشباب الأوربي هاتين المحلمتين سواء في نصوصها الأصلية أو مترجمة إلي اللغات الحديثة .
ثم أنتقل قيادة الفكر بعد ذلك من الشعر إلي الفلسفة ؛ والسبب في ذلك حدوث نوع من التطور في العقل اليوناني ؛ وهذا التطور له سبب اقتصادي ؛ وسبب آخر سياسي إجتماعي .أما السبب الإقتصادي فهو هذا التغيير الذي طرأ علي الحياة اليونانية وظهر اثره في المدن والقري ؛ونظم لها أنواع الحكومات ؛ فلقد أخذوا بحكم الزراعة والصناعة والتجارة يشعرون بسلطانهم علي الطبيعة ؛ ,وأخذ شعورهم بالرهبة من الطبيعة يقل ؛كما انهم عرفوا الملكية الخاصة والعامة ؛ فأخذت كل أسرة تحرص علي حظها من الأرض ؛ فنشأت النزاعات والخصومات بين الأسر . فعرفت الحروب الداخلية والخارجية ؛ ومن ثم بدأ الشعور بقيمة العقل والفلسفة يزداد ؛ ومن هنا ظهر الفلاسفة العظام الذي عرض طه حسين لفكرهم في كتابه ؛ وهم علي التتابع "سقراط " و"أفلاطون " و"أرسطوطاليس ". ثم أنتقلت قيادة الفكر في اليونان إلي نوع ثالث من القيادة بعد الشعراء والفلاسفة ؛ هم الحكام ؛ ,أروع نموذج لهذا هو االإسكندر المقدوني ؛فهو لم يكن قائدا عسكريا فحسب ؛ بل كان قائد فكر ؛فلقد أخضع العالم المتحضر القديم كله لرأي لسلطان واحد ؛ حيث أتاح للفلسفات اليونانية أن تتغلغل في أعماق الشرق ؛حتي صارت اللغة اليونانية هي لغة الشرق القديم ؛ وأخذ الشرق يشارك اليونان في آدابهم وفلسفاتهم حتي نشأ من اختلاط اليونانيين بالشرقيين مزاج خاص ؛ نستطيع أن نجده واضحا جليا في مدرسة الإسكندرية القديمة ؛ ونستطيع أن نجد لدينا مثالين واضحين علي ذلك ؛ المثل الأول هو الديانة المسيحية التي كانت ثمرة واضحة لتعاون العقلين الشرقي والغربي ؛ وهذا هو الذي ساعد علي سرعة انتشارها في أوربا ؛ المثال الثاني هذا التفاهم القائم بين الشروق والغرب ؛ فمهما تكن الفروق بين الشرقين والغربيين ؛ فهي فروق سياسية أو أجتماعية ؛ أما الفروق العقلية فلقد محيت تماما ؛ فليس هناك علم غربي وعلم شرقي ؛ وكل ذلك أثر من آثار الإسكندر ؛فهو الذي قارب بين الشرق والغرب ؛ومزج العقل الشرقي بالعقل الغربي .
ويأتي بعده "يوليوس قيصر " فهو أكبر قائد سياسي في العصر القديم ؛ وهو الذي أسس الإمبراطورية الرومانية ورسم نظامها ؛ وجمع العالم القديم كله تحت لواء واحد ؛وأخضعه لنظام سياسي وقضائي واحد ؛وأعده ليخضع لنظام ديني واحد أيضا ؛والعالم القديم مدين لقيصر ؛وأوربا في القرون الوسطي مدينة لقيصر بحياتها السياسية ؛وحسبك أن الإمبراطورية الألمانية في القرون الوسطي كانت تري نفسها وارثة للإمبراطورية الرومانية التي أسسها قيصر . بل أن أوربا بنظامها السياسي في العصر الحديث مدينة لقيصر .
وتنتقل مع المؤلف سريعا إلي العصر الحديث ؛ ففي هذا العصر تم اختراع الطباعة ؛فأنتشرت كتب القدماء والمحدثين ؛ويسرت المطبعة علي كل ذي رأي أن يقول رأيه ويدافع عنه ؛ وعلي كل باحث أن ينشر ثمرات بحثه ويدافع عنه ؛ فقبل الطباعة كان المؤلفون يكتبون الكتب وينشرونها ؛فكان ذلك يأخذ منهم شهورا وأعواما ؛ أما بعد أن ظهرت الطباعة وانتشرت الصحف اليومية ؛ كما ظهر عصر البخار والكهرباء والتلغراف والتليفون ؛فألغيت المسافات أو كادت تلغي ؛ بين الشعوب ؛وأصبحنا نستطيع أن نعرف ما حدث في مصر آخر النهار ؛ما يقع في أقصي الغرب ؛أو أقصي الشرق ؛وأصبح الكاتب لا يكاد يخرج كتابه للناس في بلده الذي يعيش فيه ؛حتي ينتشر هذا الكتاب في جميع أطراف الأرض .
وفي كتاب آخر بعنوان " تقليد وتجديد " يعرض فيه طه حسين لفكرة التجديد في الادب العربي علي مر العصور ؛فيعرض لتجربة شعر "الديوان " التي بدأها العقاد والمازني وشكري ؛فالثلاثة قد قرأوا الشعرالأوربي بلغاته الأصلية ؛وحاولوا أن يجددوا في القصيدة العربية علي غرار الشعر الأوربي ؛ ولقد بدأ الثلاثة شعرهم بنقد الشعراء الكلاسيكين ؛ ولقد كانوا متشددين في نقدهم بقدر إيمانهم بالمذاهب الجديدة التي أخذوها من الغرب ؛فنظم الشعراء الثلاثة – العقاد والمازني وشكري – شعرهم علي مذاهبهم الجديدة ؛ وكان ذلك الشعر لا شك حدثا في حياتنا الأدبية ؛ولكنه لم يبلغ نفوس الشباب ولم يؤثر فيهم كما أثر الشعر العربي الذي يقوله الشيوخ بسبب أن الجمهور لم يكن قد بلغت به من النضج ومن العلم بالثقافة الأجنبية التي تمكنه من أن يتذوق هذا اللون من الشعر ؛وظل شعر العقاد وصاحبيه المازني وشكري ظاهرة من هذه الظواهر التي تمر ثم لا يكون لها أثر قريب ؛وكل هذا بسبب أننا لم نتأصل الحضارة الحديثة في حياتنا بعد ؛ولم ننتقف كما ينبغي لنا أن نتثقف بالآداب الأجنبية والثقافات الأجنبية .... وانما ظللنا نظر لهذا كله علي أنه أشياء تأتينا من الغرب ؛نأخذ منها ما يلائمنا ونرفض منها ما لا يلائمنا ؛ونري أن الذي يلائمنا منه قليل .
وفي كتاب من "أدبنا المعاصر " خص فيه أديبنا العالمي الكبير نجيب محفوظ بفصل كامل عن رائعته "بين القصرين " فقال عنها أنها أروع ما قرأت من القصص المصري منذ أخذ المصريون يكتبون القصص ؛وقد أتيح له فيها نجاح ليس له مثيل منذ أخذ المصريون ينشئون القصص في أول هذا القرن ؛ فما رأيك في قصة تتجاوز صفحاتها المئات الأربع وتقرأها منذ تبدأ الي أن تنتهي فلا تحس بها ضعفا ولا تشعر فيها بفتور في أي موقف من مواقفها ؛وما رأيك في قصة تتجاوز صفحاتها المئات الأربع وتقرأها فلا تشعر في أي وقت من أوقات القراءة بالحاجة الي أن تستريح منها الي غيرها من الكتب ؛وانما يتجدد نشاطك الي المضي في قراءتها دون أن يجد الملل أو السأم أو الضعف أو الفتور سبيلا الي نفسك ؛ثم أنت لا تكاد تفرغ من قرائتا فتجدك مضطر الي ان تفكر فيها تفكيرا طويلا متصلا . وقد يمضي الوقت الطويل بعد فراغك من قراءتها واذ انت تعود إليها فتري أنك لم تنس منها شيئا لأن قرائتك الأولي لها قد ثبتت أحداثها وصورها وأحاديثها في نفسك تثبيتا . ومصدر هذا كله فيما أري أن الكاتب يحقق في هذه القصة تحقيقا رائعا خصلتين يبلغ بهما الأثر الأدبي أقصي ما يقدر له من النجاح وهما الوحدة والتنوع الذي يبعد عنك السأم . والقصة اجتماعية بأدق معاني الكلمة لأنها تصور بيئة مصرية معينة في عصر معين بعينه ؛والقصة أيضا تاريخية ؛فلست أعرف قاصا صور الثورة المصرية في أعقاب ثورة الحرب العالمية الأولي كما صورها نجيب محفوظ .؛ وأضيف إلي ذلك روعة أخري تأتي من لغتها فهي لم تكتب اللغة العامية المبتذلة ولم تكتب في االلغة الفصحي القديمة التي يشق فهمها علي أوساط الناس وأنما كتبت في لغة وسطي يفهمها كل قاريء لها مهما يكن حظه من الثقافة ويفهمها الأميون أن قرئت عليهم . وأكبر الظن أن الأستاذ نجيب محفوظ قد وفي للجامعة التي تخرج فيها أصدق الوفاء وأقومه ؛فأثبت أنها لم توجد عبثا وأنها لم تخرج العلماء فحسب وأنما أخرجت معهم الأدباء البارعين ؛وكل هذا دليل واضح قاطع أن الأستاذ نجيب محفوظ قد انتفع بما سمع في كلية الآداب من دروس الفلسفة ؛ولم يصبح فيلسوفا ولا مؤرخا للمذاهب الفلسفية ؛وأنما أصبح فقيها بالنفس الانسانية بارعا في تعمقها وتحليلها ؛قادرا علي أن يضع يد قارئه علي أيرارها ودقائقها .
وفي النهاية التحية واجبة الي الهيئة المصرية العامة للكتاب علي مشروعها الطموح هذا ؛ والذي نرجو له أن يتم ويكتمل .
نشر بجريدة القاهرة بتاريخ 1/4/ 2014
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :