كتاب: فى أسباب التعصب نحو رؤية تكامليـة
قرأته لكم : ميرفت عياد
يعتبرالتعصب وصمة عار فى جبين الإنسانية لأنه قائم على الكراهية والإزدراء والتمييز، ومما يدعو للأسف حقًاً أن القدْر الأكبر من تاريخ الإنسانية سجلاً للتعصب والعداء بين الجماعات، ورغم ما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز من أى نوع، ورغم ما أقرته معظم الدول فى دساتيرها بشأن تجريم التعصب، الإ أن القرن العشرين شهد العديد من حوادث التعصب، فمنها على سبيل المثال، العنصرية ضد الزنوج فى "الولايات المتحدة"، والمذابح المتبادلة بين المسلمين والهندوس فى "الهند"، والحروب القبلية فى "نيجيريا" و"تشاد" ، وصراع الأكراد والعراقيين فى العراق، وقد أشارت أحد الإحصاءات الدولية لهذه الصراعات إلى أن ضحايا التعصب منذ عام 1945 وحتى الآن يزيد عن ( 16 ) مليون نسمة، وهو رقم يفوق ضحايا الحروب الدولية، ومن هنا يتضح دور العلم فى مواجهة التعصب من خلال تحديد الأسباب التى نشأ عنها وطرق العلاج والوقاية منه.
وحول أسباب نشأة وتطور الإتجاهات التعصبية يعرض المؤلف الدكتور "هانى الجزار" فى كتابه " فى أسباب التعصب نحو رؤية تكاملية " عدة رؤى مختلفة لبعض علماء الإجتماع أمثال "كرتشى" و "سكوت"، وغيرهم ، ويبدأ بتعريف التعصب بأنه عبارة عن إتجاه قد يكون سالبًا أو موجبًا إزاء أعضاء جماعة ما، ويقوم فقط على أساس عضويتهم لهذه الجماعة، وهو ينطوى على أحكام مسبقة ومعتقدات جامدة يصعب تغييرها، وهذه المعتقدات والأحكام تصحبها مشاعر التفضيل أو عدم التفضيل إزاء موضوع التعصب، ويترتب عليها نزوع للسلوك بشكل تمييزى سواء "ضد" أو "مع" الموضوع.
الأسس النفسية للإتجاهات التعصبية وهناك عدة عمليات سيكولوجية أساسية تشكل الإستعداد الإنسانى الكامن للتعصب وهى :
* الإسقاط،: وهو ميل إنسانى يكمن خلف الإتجاهات السالبة نحو الآخر، الذى نسقط عليه دوافعنا الكريهة، وصفاتنا غير المرغوبة، فالصراع مع الجماعات الخارجية التى نناصبها العداء، يجسّد فى الواقع صراعنا النفسى الداخلى بين الخير والشر الذى فى نفوسنا، وقد اتضح دور الإسقاط فى التعصب العنصرى ضد الزنوج فى دراسة على عينة ضمت (150) من المحاربين القدامى بمدينة "شيكاغو" وأشارت النتائج إلى أن المتعصب كان يلوم الجماعات الخارجية على فشله ويسقط على أعضائها خصائصه غير المرغوبة التى ينكرها فى نفسه.
* الإخباط : فالإحباط غالبًا ما يثير العدوان، وخاصة عندما يكون سبب الإحباط غامضًا وغير محدد، وفى هذه الحالة نوجّه عدائنا نحو موضوعٍ بديل يكون بمثابة "كبش الفداء"، فالمجتمع قد يتخذ أقلية موجودة فيه ككبش فداء يفرّغ فيه شعوره باليأس أو الإخفاق، مثلما حدث فى ظواهر الإعدام دون محاكمات قانونية التى ارتكبها الأمريكيون البيض بحق الزنوج فى "جنوب أمريكا" بعد الحرب الأهلية، وقبل الحرب العالمية الثانية، وهى السنوات التى عانى فيها الأمريكيون من أزمات إقتصادية حادة بسبب انخفاض أسعار القطن، وهذا ما يؤكد أن الأفراد الأكثر إحباطاً غالباً ما يكونون أكثر تعصباً.
* التصنيف المعرفى : وهو الطريقة التى نفكر بها، وننظم بواسطتها معلوماتنا عن الآخرين، ونستخدمها فى صياغة أحكامنا الإجتماعية، وتؤدى عمليات التصنيف هذه إلى نشأة القوالب النمطية التى تصنف الأفراد إلى جماعات، مما يخلق نوعًا من التباعد، حيث يقوم أفراد الجماعة الداخلية بالتركيز على جوانب التشابه مع بعضهم البعض، وجوانب الإختلاف مع الجماعات الأخرى، وهذا يؤدى إلى إنغلاق الجماعة على نفسها.
* إن إحساسنا بمن نكون، أو مفهومنا عن ذواتنا، لا يتوقف على هويتنا الشخصية فقط، ولكن على هويتنا الإجتماعية أيضًا، لذلك فإننا نميل إلى رؤية جماعتنا الداخلية بصورة إيجابية، فى محاولة لتكوين تقدير ذات إيجابى، وهذا يخلق توجهًا تنافسيًا نحو الجماعات الآخرى، فأفراد جماعة ما ربما يشوهون المعلومات من أجل الإبقاء على صورة جماعتهم إيجابية، ولقد وجد الباحثين أن منخفضى تقدير الذات الشخصى كانوا أكثر تعبيرًا عن الإتجاهات التعصبية ضد الجماعات الخارجية.
الديناميكيات الإجتماعية للإتجاهات التعصبية:
إن العمليات السيكولوجية السابقة لا تنشط ولا يتولد عنها التعصب، إلا فى ظل عوامل محددة فى البيئة الإجتماعية، وهى ما يطلق عليها الديناميكيات الإجتماعية للإتجاهات التعصبية والتى تشمل أربع نظريات:
أولاً : إن الصراع الواقعى بين الجماعات على المصالح والأهداف المتضاربة، من شأنه أن يستثير إتجاهات تعصبية متبادلة فيما بينهما، فالصراع يخلق إتجاهات تعصبية متبادلة بين الجماعات، بينما الغايات المشتركة تؤدى إلى إتجاهات إيجابية بين الجماعات.
ثانياً : الحرمان النسبى الذى ينشأ من إدراك التعارض بين ما يمتلكه الشخص وما يعتقد أنه يستحقه، وعند إدراك أعضاء جماعة ما لهذا، فأنهم يعبرون عن سخطهم فى شكل عداء ضد الجماعات موضوع المقارنة، مثلما حدث فى أحداث الشغب التى قام بها السود فى "الولايات المتحدة" خلال الستينات، فبرغم التحسن الإقتصادى بشكل عام أحس السود أن أحوالهم لا تزال أسوأ مقارنة بالبيض، وقد ساهم ذلك فى خلق مشاعر الكراهية والعنف ضد البيض.
ثالثاً : الإستغلال الذى ينشأ بسبب الإتجاهات السلبية والنظرة الدونية التى تغرسها الجماعات المسيطرة فى نفوس أعضائها ضد الجماعات الأضعف لسلب حقوقها وإستغلال طاقتها لصالحهم، وربما كان نظام العبودية عبر مراحل التاريخ المختلفة أوضح الأمثلة على هذا، وفى هذه الحالة يكون الإستغلال سبباً كافيًا للتعصب والعنف فى محاولة لتغيير الأوضاع وستعادة التوازن المفقود.
رابعًا: التمييز المؤسسى وهو التفريق بين الأفراد والجماعات فى الحقوق والواجبات داخل المجتمع الواحد، على حسب العرق أو العنصر أو العقيدة إلى غير ذلك، وهذا التمييز المؤسسى يخلق نوعًا من التباعد الإجتماعى والنفسى بين الجماعات، وهذا يشكل مجالاً خصباً لنشأة واستمرار الإتجاهات التعصبية المتبادلة .
كيفية اكتساب الإتجاهات التعصبية:
إذا كانت الدلائل قد أشارت إلى التعصب كظاهرة إجتماعية، إلا أنه لا يزال التعصب كإتجاه يمثل خبرة فردية، ومن هنا يبرز دور التنشئة الإجتماعية، ودور المجاراة فى تفسير كيفية إنتقال التعصب من الجماعات إلى الأفراد، فالتنشئة الإجتماعية هى العملية التى عن طريقها يوجّه الطفل لكى يسير على نهج حياة أسرته والجماعات الإجتماعية الأخرى التى ينتسب إليها، فالفرد لا يولد متعصباً وإنما يكتسب التعصب من أسرته ، أقرانه ، مدرسيه ، والوسط المحيط به .
وهؤلاء القائمين بالتنشئة يمكنهم نقل التعصب من خلال التعليمات اللفظية المباشرة، أو من خلال محاكاة الأطفال لتعصبات البالغين فى جماعتهم، أو من خلال بعض الفكاهات العرقية التى تكشف عن إتجاه ضمنى سلبى.
ومن المعروف أن خبرات التعلم الإجتماعى أكثر أهمية فقط أثناء الطفولة المبكرة بسبب إعتماد الطفل الكبير على الآخرين، أما فى مرحلة البلوغ فهناك مؤثرات أخرى تزداد أهميتها مثل خبرات الإتصال الشخصى، والإستجابة للأقران وللضغوط التى تمارسها الجماعة بهدف أن ينصاع أعضاؤها ويوحدون سلوكهم بما يتفق ومعاييرها، وتعد رغبة الفرد فى استحواذ القبول وتجنب الرفض الإجتماعى والحاجة إلى الإنتماء أحد الجذور العميقة للمسايرة.
الفروق الفردية لإكتساب الإتجاهات التعصبية:
إن التعصب لا ينتقل آليًا وبنفس الدرجة إلى كل أفراد الجماعة، فالفروق الفردية النفسية والإجتماعية تحدد أى الأفراد أكثر قابلية لإكتساب تعصب الجماعة بالقياس إلى غيره.
فمن الشائع اعتبار التوافق النفسى والمؤشرات الدالة عليه، مثل انخفاض اعتبار الذات، والأمن النفسى، والقلق، والشعور الدائم بالتهديد والخطر، عوامل تحدد أى الأفراد أكثر قابلية للتعصب، كما يجب ألا نربط بين التدين والتعصب قبل أن نفرق بين الشخص ذو التوجيه الدينى الجوهرى الذى يعيش الدين، والشخص ذو التوجيه الدينى الظاهرى الذى يستغل الدين، لأن الأخير أكثر احتمالاً أن يرتبط بالتعصب، فالدين يجذب الأفراد الذين لديهم استعداد للتعصب، وعلى ذلك فالشخصيات التسلطية لديها استعداد لكل من التدين والتعصب، لأنهم يميلون الى العدوانية وعقاب المنحرفين، وإذا كان المتسلط يميل للخضوع للأكثر قوة فأنه ينزع إلى العدوانية واستخدام العقاب ضد من هم أضعف أو أدنى منه.
كما أن إنخفاض المستوى التعليمى يؤثر فى مدى قابلية الفرد للتعصب ، لأن التعليم يمكن أن يجعل الفرد أكثر قدرة على التفكير الناقد، ومن ثم أقل ميلاًً إلى التعميمات المفرطة، وعدم المرونة والتصلب، الذى غالباً ما يقود إلى التعصب، ولكن ليس كل أنواع التعليم تنمى النظرة الليبرالية، وتجعل الفرد أكثر مرونة، وأوسع أفقًا ، فالتعليم مثلاً فى الثقافات التسلطية لا يفعل ذلك.
وتؤكد الدراسات على أن هناك علاقة بين الإنغلاق والتعصب، لأن منغلقى الهوية أقل إهتماماً أو إنفتاحاً على الخبرات الإجتماعية الجديدة ، فاتساع الخبرات الإجتماعية يؤدى إلى موقف عام من التسامح إزاء الإختلافات، و قبول التعايش مع الآخر المختلف بما هو انسان وليس بما هو ينتسب إلى جماعة مغايرة، وايماناً بأن التنوع طبيعى ومنطقى بل وضرورى، فالتسامح يعنى أن نحيا نحن والآخرون على إختلافنا فى عالم واحد يضمنا.
الناشر : عين للدراسات والبحوث الاجتماعية 1 / 1 / 2005
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :