الأقباط متحدون | ضحكات طه الباكية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٥:٠٠ | الاربعاء ١٦ يونيو ٢٠١٠ | ٩ بؤونة ١٧٢٦ ش | العدد ٢٠٥٥ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ضحكات طه الباكية

الاربعاء ١٦ يونيو ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم محمد بربر
رأيته هادئ الملامح.. يقظ الذهن.. يبتسم في وجهك حين يراك فلا تملك إلا أن تبتسم له بعد أن ندرت البسمة بيننا، يجلس على صفيحة معدنية يخالها العابرون من النظرة الأولى صندوق أحلام لا يتسع إلا لنصف حلم مخضب، مطأطئًا رأسه إلى الأسفل، هكذا اعتاد دائمًا..

جمعني لقاء رائع مع الشاب المصري على مقهى معروف في ميدان رمسيس وبصدفة جميلة باغتني صوته المنخفض قائلاً "تمسح يا بيه".. لا يبدو على شاب مثلي كرامات البهوية التي ألغيت منذ زمن بعيد، ولا أحب ارتداء الملابس الرسمية أو البدل الأفرنجية إلا في المناسبات والأعياد القومية.. كنت أفكر في مستقبل مصر وأحاول رسم ملامحها الديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية.. القدر دائمًا يسيطر على أرواحنا.. القدر أتاني بهدية من السماء، ضحكت كثيرًا من طلبه الكريم بعد أن منحني لقب البيه.. ووافقته فجلس على كرسي صغير وأمامه الصندوق الخشبي وبعض دهانات الأحذية المختلفة.
 
أخذ يعمل في صمت حتى سألته عن بلدته ولماذا يعمل كماسح للأحذية وهو شاب قوي يستطيع أن يعمل في مهن أخرى أكثر ربحًا وراحة.. كانت أسئلتي بمثابة القنبلة التي انفجرت وأفرزت إجابات شاب مصري حالم تمعنه المحسوبية من التعيين في الجامعة، ويفشل في البحث عن فرصة عمل ثم يقرر أن ينجح.. رمقني بنظرات الثأر وهو يبدل جلسته ويحكي عن بلدته الكائنة في إحدى محافظات الوجه القبلي والشهيرة بصراعات الثأر التي لا تنتهي إلا بعد إزهاق الأرواح وانتقام الدماء، لمست في حديثه عقلية تختلف كثيرًا عن شباب جيله.

 تخرج طه في كلية الحقوق ويصرّ هو على تسميتها كلية الوزراء تعظيمًا لدورها في تخريج الوزراء والقضاة ومشاهير المجتمع في السياسة والقانون غير أن طه لم يحالفه الحظ مثل زملائه من خريجي نفس الكلية ولما يأس في البحث عن فرصة عمل في الحكومة أو القضاء شعر بغربة داخل بلده، وتذكر أيامه في الكلية واجتهاده الذي ضاع وسهر الليالي وأكواب الشاي والقهوة ومراجع القانون وحفظه للكتب من الألف للياء، نسي كل هذا وفوقه شهادة التخرج وتقديره المتميز وترتيبه على الدفعة وقرر أن يعمل ويتحدى اليأس والفقر وفي كليهما شر.

 ماسح الأحذية أو دارس القانون ينتقد الأحزاب المصرية فى سخرية لاذعة وصادقة.. " أحزاب إيه يا أستاذ.. إحنا هنضحك على بعض ... دي كلها أشكال وصورة.. رئيس الحزب الفلاني تلاقيه بيشتم الحكومة الصبح وبيتعشى مع الوزرا بالليل.. ياباشا صدقني ده كله ضحك ع الدقون "
 
يضحك طه ساخرًا وهو يتحدث عن أحلامه "طبعًا.. أنا عندي أحلامي. نفسي أتجوز وأعيش مستور وأعمل مشروع وربنا يتوب عليا من شغلانة الشقا دي". وصديقي الأستاذ طه لا يعرف طعم الراحة فعمله يمتد طوال الأسبوع ويبدأ في الساعة السابعة صباحًا ويعود إلى منزله في الثانية صباح اليوم التالي، ويحاول ألا يضيع الوقت منه لأن هذا الزمن لا يرحم الفقير كما يقول، تأخر الوقت وعليَّ أن أسابق ساعتي حتى أصل عملي في وقته، تمنيت أن يطول الكلام بيننا.. شكرت له حكايته المنسية وبدون أن أسأله طلب الراحل أحمد زكي "إضحك علشان الصورة تطلع حلوة"، تناولت الكاميرا وكلي عزيمة في أن أنقل حكاية طه لأهل مصر المنسية، وكانت الصورة فعلاً حلوة لاسيما وطه يضحك فيها وبين عينيه ألف آه.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :