الأقباط متحدون | معوقات الإصلاح السياسي والإداري
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٢٤ | الجمعة ١٤ اغسطس ٢٠١٥ | ٨مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٥٢السنة التاسعه
الأرشيف
شريط الأخبار

معوقات الإصلاح السياسي والإداري

الجمعة ١٤ اغسطس ٢٠١٥ - ٠٨: ١٢ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 
الطائفية في العراق
الطائفية في العراق

بقلم - د.عبدالخالق حسين
الفساد والإرهاب توأمان ابتلى بهما الشعب العراقي منذ سقوط حكم البعث الفاشي وإلى الآن. وهذا لا يعني أن العراق لم يعرف الإرهاب من قبل، فالنظام البعثي كان يمارس إرهاب الدولة ضد الشعب، والمقابر الجماعسة تشهد بذلك، وبدأ فيه الفساد الإداري والرشوة منذ أن فرض الحصار الاقتصادي الأممي على أثر جريمة النظام في غزوه للكويت عام 1990. والحرب على الإرهاب مستمرة، ولكن تم التغاضي عن الفساد الذي نغص حياة العراقيين إلى أن بلغ السيل الزبى، حيث انقطاع الكهرباء في الحر الشديد في تموز وآب اللهاب، فخرجت الجماهير إلى الشوارع وساحات المدن في انتفاضة احتجاجية عارمة، بدأت بالبصرة لتنتشر شرارتها كالنار في الهشيم إلى بغداد وبقية محافظات الوسط والجنوب، مطالبة بالإصلاح السياسي والإداري والتخلص من آفة المحاصصة في وظائف الدولة. 
 
واستجابت المرجعية الدينية للجماهير، فأصدرت نداءً إلى رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي (أن يكون أكثر "جرأة وشجاعة" في خطواته الإصلاحية، والضرب بيد من حديد لمن "يعبث" بأموال الشعب، كما طالبته بعدم التردد في إزاحة المسؤول غير المناسب وان كان "مدعوما".) وهذا النداء التاريخي لمحاربة الفساد، لا يقل أهمية وتأثيراً عن فتوى الجهاد الكفائي السابق بعد الغزو الداعشي لمحافظة الموصل في العام الماضي، بدعوة الشعب العراقي إلى الجهاد ضد الإرهاب وحماية الأرض والعرض والمقدسات والممتلكات من القوى الظلامية المتمثلة بداعش، والحكومات والقوى السياسية والطائفة الداعمة لها، فكان من نتائج تلك الفتوى ولادة (الحشد الشعبي) الذي أنقذ بغداد من السقوط، وأذاق الدواعش الهزيمة في تكريت، وبيجي، وسنجار، وآمرلي وغيرها، واليوم في محافظة الأنبار، وغداً في الموصل. وتجاوباً مع نداء المرجعية ومطالب الجماهير المشروعة أصدر الدكتور حيد العبادي حزمة من ألإصلاحات التي صوت عليها البرلمان بالإجماع يوم الثلاثاء 11/8/2015 وصارت قوانين ملزمة. 
ولكن المشكلة، وكما توقعنا في مقالنا السابق (مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية)، أن هناك معوقات أمام الإصلاح، فللفساد مافيات وأحزاب، وجيوش من حملة الأقلام المأجورة تحميه. فبعد صدور نداء المرجعية والقرارات الإصلاحية، ونيلها تأييد الجماهير، وجد قادة الكتل السياسية أنفسهم محاصرين ولا بد أن يعلنوا تأييدهم لها، ودعوة نواب كتلهم للتصويت عليها في البرلمان كمحاولة منهم لكسب الجماهير وتبرئة أنفسهم من الفساد. وقد حذرنا أن هذا التأييد هو مجرد انحناءة تكتيكية أمام العاصفة، إلى أن تهدأ لتستجمع قواها وتلتف على هذه الاصلاحات وتفرغها من مضامينها. 
 
وهذا بالضبط ما يحاولونه الآن، إذ بدأ أعداء الإصلاح بالتحرك بعد يوم واحد فقط من تأييدهم له. فرئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم أعرب عن عدم رضاه بإعفاء نوابه. وفي هذا الخصوص قالت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في مجلس النواب آلا طالباني، ان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم سيبعث كتاب استفسار إلى مجلس النواب حول الغاء مناصب نوابه، لافتة إلى ان ″هناك تجاوزا على صلاحيات رئيس الجمهورية في قرارات العبادي الاخيرة"(1). 
كذلك السيد أسامة النجيفي الذي أعلن تأييده للقرارات قبل يوم، سرعان ما أنقلب على موقفه السابق (واعتبر قرارات رئيس الوزراء بأنها "تجاوز" على الدستور، و"استهداف" لشركائه بصنع القرار، فيما وصف الصلاحيات التي منحتها المرجعية الدينية للعبادي "بغير المسبوقة وخطوة غير مفهومة".)(2). أما أياد علاوي، رئيس كتلة الوطنية، فرغم أنه أيد الإصلاحات، إلا إنه بعد ساعات وكعادته، راح يطالب بتدويل القضية، مطالباُ بتشكيل لجنة تحقيق من الأمم المتحدة للنظر في ملفات الفساد، وكأن العراق لم يعد دولة مستقلة ذات سيادة، وليس فيه سلطة قضائية مستقلة، ففي كل صغيرة وكبيرة يجب اللجوء إلى الأمم المتحدة للتدخل في الشأن العراقي.
 
ورداً على هذه الاعتراضات، وصف الخبير القانوني طارق حرب، أن عدم رضى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على اعفاء نوابه بالتمرد على قرارات العبادي الإصلاحية، لافتا الى ان قرارات رئاسة الوزراء لا تخالف الدستور او القانون(1). كما وأيد خبير قانوني آخر أن إصلاحات العبادي مطابقة للدستور ولإرادة الشعب(3).
 
وهنا تجب الإشارة إلى الفرق الشاسع بين انتفاضة الجماهير في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الراهنة السلمية التي كفلها الدستور، والتي تطالب بالإصلاح السياسي المشروع، وبين الإعتصامات في ساحات المناطق الغربية قبل عامين، والتي كانت تطالب بإسقاط الحكومة وإلغاء الدستور والبرلمان، والجيش، وقوانين مكافحة الإرهاب، وإطلاق سراح جميع المتهمين والمحكومين بجرائم الإرهاب، وأقاموا في ساحات اعتصاماتهم ورشات تفخيخ السيارات لقتل الناس الأبرياء. والمفارقة أن هؤلاء راحوا يدعون هذه الأيام في وسائل إعلامهم أن الانتفاضات الحالية هي امتداد لاعتصامتهم!! وهذا افتراء، فشتان بين الانتفاضات السلمية الحالية لمطالب مشروعة، وبين اعتصامات رُفعت فيها صور المجرم صدام حسين، وعلم السعودية، وأعلام القاعدة، وشعارات وهتافات طائفية وغيرها.
 
ومن المعوقات الأخرى للإصلاح، أن انبرى أعداء الإصلاح على الانترنت، و مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، بخطابات ومقالات، وتعليقات، يتاجرون فيها بمعاناة الجماهير، ويزايدون على الإصلاحيين، ويستغلونها فرصة لتصفية حسابات مع خصومهم السياسيين، فيدعون أنهم يدافعون عن حقوق الجماهير، ولكنهم في نفس الوقت يتهجمون على هذه الإصلاحات الممكنة التي أعلنها الدكتور العبادي، وصوَّت عليها البرلمان، معتبرينها غير كافية وكاذبة. ثم يقدمون طلبات متطرفة غير قابلة للتطبيق، وتصب في خدمة البعثيين الدواعش، وأعداء الإصلاح، ولا تختلف عن تلك التي سمعناها أيام ساحات الاعتصامات. وعلى سبيل المثال، يطالب عدد منهم بإلغاء الأحزاب والدستور، وتقديم فلان وفلان للمحاكمة، لأن هؤلاء هم رؤوس الفساد، حسب ادعائهم. وآخرون يطالبون الدكتور العبادي بتعطيل البرلمان وتبديل كل أعضاء الحكومة، وتشكيل حكومة التكنوقراط، وإعلان حالة الطوارئ، وكأن العبادي قائد إنقلاب عسكري، أو دكتاتور كصدام حسين بإمكانه أن يفعل ما يشاء، وهذا غير ممكن في النظام البرلماني الديمقراطي. 
فكل شخص من هؤلاء نصب نفسه المتحدث الرسمي و الشرعي للشعب، معتقداً أن كل ما يريده هو مطالب الشعب. والمؤسف أن المواد المضللة التي يبثونها تنال قبولاً من قبل بعض الناس الطيبين الذين يصدقون بكل ما يقرأون ويسمعون، فيقومون بترويجها بدون إعمال عقولهم في التأكد من صحة و عدالة هذه المواد، وشعارهم (كل شيء أو لا شيء)، وكما أكدنا مراراً، أن أصحاب هذه الشعارات المتطرفة دائماً ينتهون بلا شيء، وبذلك فهم يخدمون أعداء الإصلاح بقصد أو بدونه. لا شك أن غرض هؤلاء من هذه الحملة هو تضليل الجماهير وإرباك الحكومة، وتعطيل الإصلاح، وحرق الأخضر بسعر اليابس. 
 
على أية حال، إن عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة في دوائر الدولة، ليست سهلة وخاصة في بلد كالعراق، حيث شعبه منقسم على نفسه، ومعروف طوال تاريخه بصعوبة حكمه، وخاصة في النظام الديمقراطي، إذ لا توجد كتلة تستطيع التفرد بالقرارات. وعليه نتمنى على الدكتور حيدر العبادي أن يواصل مشروعه الإصلاحي وهو يتمتع بدعم الجماهير والمرجعية، فرحلة الألف ميل قد بدأت بالخطوة الأولى، بإصدار حزمة الاصلاحات وتصويت البرلمان عليها، لتليها خطوات مكملة، وكل من سار على الدرب وصل. 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :