فِي ذِكْرَى نِيَاحَةِ أبِينَا الرَّاهِبِ سِمْعَان أنْبَا بُولاَ
أبِينَا الرَّاهِبِ سِمْعَان أنْبَا بُولاَ
القمص أثناسيوس چورچ.
في مثل هذا اليوم استودعنا أبانا الراهب سمعان أنبا بولا إلى جوف القبر؛ ونثرنا عليه الرياحين والورود، وهناك سكبنا العطور، على ذاك الذي كان أصغر راهب في ديره، وأول من سبق في العبور الأبدي لينال الجُعالة الحسنة بعد حياة صبر القديسين، وبعد جهاد وعبادة حسنة؛ ولم يكن العالم مستحقًا له، فجاز سريعًا وقصَّر الله عنه كي يستريح من آلام برية هذا العالم، صائرًا كطَيْف النسيم الذي يدخل من نافذة ويعبر من الأخرى، مجتازًا ليتكلل بعد تجربة مرض السرطان التي قبلها بشكر وارتفاع.
ناظرًا إلى ما لا يُرى؛ فكان مثلاً يُقتدَى بلا افتعال، كمن يتسلق الجبال ويصعد من قمة إلى قمة، ويرتفع المصاعد؛ حيث صارت محنة مرضه سُلَّم مجده الروحي؛ التي رقَّتْه وجذبته إلى معاينات المعونة السماوية؛ فطردت عنه جيوش الشياطين مثل الدخان.
وقد استفاد من مقاصد الله لتكون أواخره أفضل من أوائله بالتنقية والاحتراس والاحتمال والزهد المطلق والنفس الملتحفة بسقي الروح المعزي، زاهدًا فيما للناس وفي أباطيل الدنيا كلها؛ لأنها كانت أقل من أن تغريه، صائرًا أعلى بما لا يقاس من اهتمامات الذات والتراب والمقتنيات، مبتعدًا عن كل ما للمال من سطوة، بوعي الضمير الرسولي العفيف، والذي صار مؤشرًا لانصهار نفسه وانسكابها؛ محتفظًا بكل ما هو طاهر وصِيته حسن في خفاء؛ دون مراوغة أو افتعال.
واثقًا في إرادة الله الخيِّرة؛ متهيئًا للرحيل في الزمان استعدادًا للرحيل في المكان، شاعرًا أن الوعود التي تمسك بها بدأت في التحقق، بل وأصبحت واقعًا بانحلال جسده المتصدع، وانسحاب الحياة منه؛ بينما هو في سلام متجهًا نحو عالمه المنتظر؛ حسب الخريطة التي رسمتها له يد القدير، ولا إرادة عنده فوق إرادة خالقه، ولا مشيئة عنده أفضل من مشيئة إلهنا.
فصار دائم التحليق بالروح؛ منتظرًا خلع خيمة هذا الجسد الضعيف وانطلاق الروح... لقد بدا عليه أنه قد حسم اختياره وقبِل برضًى تقديم ما لا يمكنه الاحتفاظ به (وديعة حياته) كي يربح يقين أبديته؛ وسط معاناة العلاج الكيماوي والأوجاع؛ ما ظهر منها للعيان وما خفي، فلولا نعمة الله ومعونته ما أمكنه احتمال التدهور السريع والمريع في زمن قياسي، خدمه فيه أبونا صليب النقلوني بكل أمانه (أنبا صليب أسقف ميت غمر).
وقد حظيتُ بزَمَالته في الخدمة زمانًا؛ رأيتُهُ فيها من الذين لا يمجدون أنفسهم باسم المسيح، بل من حاملي الأثمار؛ الذين لم يغترُّوا بالأسماء والثياب والتيجان والإنجازات؛ لأن بَهْرَجها لن يوصل صاحبه.
إنني أطلب لنفسه التقية نياحًا حيث مجد إلهنا؛ ولا تقف امامه خليقة صامتة؛ وليذكرنا في كورة الأحياء، مع طغمات الممجدين الوارثين للرحمة ولفرح الدهر الآتي .
www.frathanasiusdublin.com
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :